Skip to main content

الصين تلقبه بـ"جوهرة التاج".. لماذا يثير ميناء غوادر مخاوف الدول؟

السبت 16 سبتمبر 2023
يقع ميناء غوادر الاستراتيجي في إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان - غيتي

في الطريق إلى ميناء غوادر في جنوب باكستان، تعرّض 23 مهندسًا صينيًا لهجوم مسلح قبل أسابيع. 

وكانت وتيرة الهجمات على الصينيين قد ازدادت في الآونة الأخيرة في هذه المنطقة، حيث يتكثف وجودهم منذ سنوات.

فالمدينة التي يذهب البعض إلى وصفها بـ"سنغافورة باكستان" تضم أحد أهم الموانئ في المنطقة، والذي أصبح حديث العالم أخيرًا بعد أن كان منسيًا لعقود.

كما أن الميناء يُعد نقطة نزاع رئيسة بين دول كبرى بحكم موقعه الاستراتيجي اللافت المطل على بحر العرب والقريب من مضيق هرمز، الذي تحاول الصين أن تجعله بوابتها الأولى إلى الشرق الأوسط وأوروبا في إطار مشروعها الضخم "الطريق والحزام"، حيث يُعد ميناء غوادر قطعة أساسية فيه. 

فلماذا يثير ميناء غوادر مخاوف الدول؟ وهل يمكن أن يؤثّر على خريطة التجارة البحرية في العالم؟ 

تعرّض 23 مهندسًا صينيًا لهجوم مسلح قبل أسابيع في الطريق المؤدي إلى ميناء مدينة غوادر

موقع ميناء غوادر

يقع ميناء غوادر الاستراتيجي في إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان، على مسافة نحو 2000 كيلومتر من العاصمة إسلام أباد، ونحو 600 كيلومتر من كاراتشي أكبر مدن البلاد.

الميناء الذي لا تفصله سوى ساعة واحدة عن إيران، ونحو 400 كيلومتر عن مدينة مسقط العُمانية، انضم إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية عام 2013 عندما قررت بكين تطويره وإدارته رسميًا باعتباره جزءًا من مبادرة الرئيس شي جين بينغ، التي تهدف إلى إحياء طريق الحرير القديم وربط الصين بالعالم.

وبعد عامين فقط انطلق بناء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني بمسافة تمتد على 3000 كيلومتر، انطلاقًا من مدينة كاشغر في إقليم شينجيانغ مرورًا بكراتشي وصولًا إلى ميناء غوادر بكلفة إجمالية تقدر بنحو 62 مليار دولار. 

ويشمل الممر الاقتصادي شبكة واسعة من الطرق والسكك الحديدية والمطارات وخطوط أنابيب الغاز والنفط. 

وقد فتحت الطرق التي تم تشييدها حديثًا في بلوشستان مناطق جديدة كان يتعذر الوصول إليها وحُرمت ثمار الانتشار.

لا تفصل ميناء غوادر سوى ساعة واحدة عن إيران، ونحو 400 كيلومتر عن مدينة مسقط العُمانية

ميناء غوادر "جوهرة التاج"

منذ بداية القرن الواحد والعشرين، تنخرط الصين اقتصاديًا في بلدان بالخارج وأخرى واقعة على أطرافها. بهذا المعنى يُمكن النظر إلى تطوير ميناء غوادر، أي من حيث سعي الصين لزيادة مشاركتها الاقتصادية في جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى وفي إيران وغرب آسيا والشرق الأوسط.

وفي جميع هذه الأماكن، نجد أن الصين قد عمّقت مشاركتها الاقتصادية وأنشأت بنى تحتية. ولمعرفة أهمية ذلك الطريق، يجب معرفة أنه بمنزلة اختصار لوصول التجارة الصينية إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا.

تلك التجارة كانت تمر من جنوب آسيا في رحلة تتجاوز 12 ألف كيلومتر عبر مضيق مالقا، الذي يقع بين ماليزيا وإندونيسيا، والذي وصفه الرئيس الصيني السابق هو جينتاو بــ"معضلة ملقا" بسبب التهديدات الأمنية المستمرة بسبب الخلافات في المنطقة. 

يُضاف إلى ذلك عسكرة البحر الجنوبي من الدول المنافسة للصين، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تسعى لبسط سيطرتها عليه.

يُعد ميناء غوادر نقطة نزاع رئيسة بين دول كبرى بحكم موقعه الاستراتيجي اللافت المطل على بحر العرب والقريب من مضيق هرمز، الذي تحاول الصين أن تجعله بوابتها الأولى إلى الشرق الأوسط وأوروبا

كما أن أهميته بالنسبة للصين في كونه يأتي ضمن سلسلة من البنية التحتية في سياق مبادرة ما يسمى بـ"الحزام والطريق"، حيث يسمح للصين بأن يكون لها موطئ قدم على بحر العرب والمحيط الهندي.

فبينما يُعرف عن المحيطين الهندي والهادئ أنهما أكثر المناطق تنافسية بين القوى الصاعدة والمؤسسة مثل الولايات المتحدة، تظهر الأهمية البالغة لميناء غوادر بالنسبة إلى بكين التي تلقبه بـ"جوهرة التاج".

وترى الصين في الميناء قطعة ثمينة لترسيخها كقوة اقتصادية وسياسية عظمى تعكسها مبادرة الحزام والطريق. 

وهذا الأمر سيعود بالفائدة على مدينة غوادر أيضًا، حيث تصل التوقعات إلى حد أن يبلغ اقتصادها 30 مليار دولار بحلول عام 2050، ما جعل المسؤولين المحليين يطلقون على المدينة اسم "سنغافورة باكستان".

يكتسب ميناء غوادر أهمية بالغة بالنسبة إلى بكين التي تلقبه بـ"جوهرة التاج"

معضلة الصين وميناء غوادر

لكن معضلة أخرى تواجه الصين والميناء، وتظهر غرب مدينة غوادر وتحديدًا على بعد 72 كيلومترًا: ميناء تشابهار الإيراني، الواقع في محافظة سيستان وبلوشستان جنوبي إيران، والذي يطل على المحيط الهندي وخليج عمان والخليج العربي. 

فالمموّل الرئيس لهذا الميناء هو الهند، التي عملت منذ تسعينيات القرن الماضي على تطويره ليجنبها المرور برًا بعدوها اللدود باكستان للوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، ولجعله ممرًا اقتصاديًا استراتيجيًا يربط أسواق الهند وأفغانستان بآسيا الوسطى وأوروبا لاحقًا.

ولم تنته مشكلة الصين هنا، فميناء جبل علي في دبي يُعد واحدًا من أكبر الموانئ في العالم وموطنًا لأكثر من 5 آلاف شركة من 120 بلدًا.

الميناء الذي يتوسّط مضيق هرمز وبحر العرب، يُعد منفذًا لمضيق باب المندب المطل على البحر الأحمر، والذي كان لسنوات طويلة البوابة البحرية الرئيسة لآسيا الوسطى. 

كما أن شركة "موانئ دبي العالمية" الرائدة في مجال تشغيل الموانئ كان من ضمن مشاريعها إدارة ميناء غوادر، قبل أن تنسحب منه عام 2006 "لأسباب تجارية"، حسب زعمها. 

إذًا، تبدو الصورة الكبرى أشبه بحرب موانئ باردة: فالصين تسعى لفتح خط تجاري مع ميناء غوادر الباكستاني، فيما  الهند منطلقة في رسم علاقاتها التجارية عبر ميناء تشابهار الإيراني. وفي الأثناء، تسعى دولة الإمارات إلى المحافظة على ريادة مينائها "جبل علي" عالميًا. 

تريد الهند جعل ميناء غوادر ممرًا اقتصاديًا استراتيجيًا يربط أسواق الهند وأفغانستان بآسيا الوسطى وأوروبا لاحقًا

عوائق ورفض للمشاريع الصينية

بالعودة إلى غوادر، فقد نُفّذ على الأرض أقل من ثلث المطلوب حتى عام 2020، ورغم اعتماده عام 2021 فهو لا يعمل بطاقته التشغيلية الكاملة.

لكن يُتوقع ويُفترض أن يكون ميناء غوادر ميناءً رئيسيًا في المحيط الهندي، وأن يكون متصلًا بمطار دولي.

إلى ذلك، كان يُفترض وجود منطقة اقتصادية خاصة ومرافقها، لكن تلك البنية التحتية لم تتطور إلى ذلك الحد المتوقع.

وتعود أسباب تعطيل المشاريع في مدينة غوادر إلى عدة أسباب؛ على رأسها عدم الاستقرار السياسي في باكستان، التي شهدت تغيير 3 رؤساء وزراء اعتقلوا جميعهم في النهاية بتهم تتعلق بالفساد،  وكذلك بالصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

تكمن أهمية ميناء غوادر بالنسبة للصين في كونه يأتي ضمن سلسلة من البنية التحتية في سياق مبادرة ما يسمى بـ"الحزام والطريق"، حيث يسمح للصين أن يكون لها موطئ قدم على بحر العرب والمحيط الهندي

كما يندرج في هذا السياق رفض البلوش، وهم عرقية تمتد بين باكستان وأفغانستان وإيران، للمشاريع الصينية، وهو ما تجسد أخيرًا في حادثة استهداف المهندسين الصينيين. 

ويحرك معارضة البلوش تخوّف من إمكانية حدوث تغير ديمغرافي في المدينة، في ظل التدفق السريع للعمال ورجال الأعمال الصينيين.

وقد توقّع اتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية (FPCCI) أن يفوق عدد الصينيين البلوش الأصليين بحلول عام 2048.

وفي الأثناء، تتواتر الأخبار عن الانتشار الأمني الصيني المكثّف في غوادر، وسط أنباء عن مساع لتحويل المنطقة إلى قاعدة عسكرية صينية. 

فقد أثارت المجمعات التي أقامتها الصين في محيط ميناء غوادر شكوكًا بشأنها، على ما ذكرت مجلة "فوربس". 

إحدى هذه المجمعات تحظى بتعزيزات أمنية مكثفة في محيطها وحواجز مضادة للمركبات وأسوار أمنية عالية وجدار مرتفع، الأمر الذي يُرجّح وجود حراس مسلحين بالبنادق، وفق المصدر نفسه.

بالنسبة للصين وباكستان، تعد الهند القوة المنافسة ويقع ميناء غوادر على مقربة منها، لذلك سيكون هناك وجود عسكري لحماية المصالح الصينية.

فهل ستنجح الصين في مواجهة التحديات وتشغيل ميناء غوادر؟ وكيف ستؤثر سيطرتها الكاملة على المشروع في معركة الموانئ؟


الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها تجدونها في الحلقة المرفقة من "على الأرض" ضمن إنتاجات "عربي تيوب"، والتي تسلّط الضوء على الأهمية الاستراتيجية التي يحظى بها ميناء غوادر، وعلاقته بالمشروع الجديد الذي يربط ميناء مومباي في الهند بالشرق الأوسط.
المصادر:
العربي
شارك القصة