Skip to main content

حرب أوكرانيا.. واشنطن تبحث خياراتها بمواجهة صراع قد يطول لعقود

الخميس 18 مايو 2023

يستعد المسؤولون الأميركيون لاحتمال تحوّل الحرب الروسية-الأوكرانية إلى صراع بارد يستمرّ لسنوات عديدة وربما لعقود، وينضمّ إلى قائمة مواجهات طويلة مماثلة لما حصل في شبه الجزيرة الكورية وجنوب آسيا.

وذكرت مجلة "بوليتيكو" أنّ الخيارات التي ناقشتها إدارة الرئيس جو بايدن من أجل "تجميد طويل الأجل" للصراع تشمل وضع الحدود المحتملة التي ستُوافق أوكرانيا وروسيا على عدم تجاوزها، ولكنّها لن تكون بالضرورة حدودًا رسمية.

واعتبرت الصحيفة أنّ هذا السيناريو قد يبدو النتيجة الأكثر واقعية على المدى الطويل، بالنظر إلى أنه لا يبدو أن كييف أو موسكو تميلان إلى الاعتراف بالهزيمة، ناهيك عن أنّ الإدارة الأميركية ترجّح بشكل متزايد أنّ الهجوم المضاد الأوكراني المقبل لن يوجّه "ضربة قاتلة" لروسيا.

ورأت أنّ الولايات المتحدة ودولا أخرى داعمة لكييف، تستسيغ فكرة تجميد الصراع، بحيث يتوقّف القتال من دون إعلان انتصار أي من الطرفين أو موافقتهما على انتهاء الحرب رسميًا.

"تقييم مجموعة من خطط الطوارئ"

و"تجميد الصراع" يعني انخفاض عدد الاشتباكات العسكرية، وربما انخفاض تكاليف دعم كييف، وتضاؤل الاهتمام العام بالحرب.

ونقلت المجلة عن مسؤول أميركي مطلع على مناقشات إدارة بايدن حول أوكرانيا، قوله إنّ البيت الأبيض ومختلف الوكالات الأميركية بحثت هذه الخيارات، على الرغم من أنّها مؤقتة.

بدورهم، أكد مسؤولان أميركيان آخران ومسؤول سابق في إدارة بايدن، للمجلة، أنّ تجميد القتال لفترة طويلة هو أحد الاحتمالات التي تستعدّ لها الولايات المتحدة، مضيفين أنّ المسؤولين الأميركيين يفكّرون أيضًا في العلاقات الأمنية طويلة الأجل بين واشنطن وكييف، وعلاقة أوكرانيا بحلف شمال الأطلسي.

وأوضح المسؤول السابق أنّه بينما يقترح بعض المسؤولين أن تحظى أوكرانيا بإمكانية الوصول إلى مدينة ماريوبول وبحر آزوف، يُبدي آخرون عدم اهتمام قوي بالحدود طالما أن أوكرانيا ستكون آمنة في المستقبل.

كما نقلت المجلة عن شخص خامس ذكرت أنّه مسؤول كبير في إدارة بايدن يتحدّث نيابة عن البيت الأبيض، قوله إنّه يجري تقييم مجموعة من خطط الطوارئ، معتبرًا أن الوضع لا يزال مرنًا خاصّة وأنّ التوقّعات تُشير إلى أنّ روسيا لن تهزم أوكرانيا.

"إستراتيجية طويلة الأمد"

وفي حين يتجنّب العديد من المسؤولين الأميركيين الحديث علنًا عن كيفية تطوّر الصراع الروسي-الأوكراني، توقّع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي مرارًا وتكرارًا أنّه سينتهي بالمفاوضات، من دون تحقيق أي من الطرفين انتصارًا عسكريًا.

وقال مسؤول في وزارة الدفاع إنّ نوعية المساعدات العسكرية الأخيرة لأوكرانيا تعكس تحوّل إدارة بايدن إلى إستراتيجية طويلة الأمد.

في الوقت الحالي، تستعد أوكرانيا لهجوم مضاد ضد روسيا، على الرغم من أن التوقيت لا يزال غير واضح. ويتوقّع المسؤولون الأميركيون استمرار القتال حتى بعد الهجوم المضاد.

وعلى المدى المتوسط، يتوقّع كثيرون حالة من الجمود يستمرّ خلالها القتال من دون أن يحقّق أي من الطرفين مكاسب ميدانية، أو حرب استنزاف تنطوي على محاولة كلا الجانبين إلحاق خسائر فادحة في الأفراد والمعدات بالطرف الآخر على أمل أن ينهار الخصم.

وقال بنيامين جنسن، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي حلّل البيانات التاريخية، في حديث للمجلة، إنّه "بمجرد تجاوز مدة السنة، تميل هذه الحروب إلى الاستمرار لسنوات. حتى مع الهجوم المضاد، سيستمرّ القتال حتى الوقت نفسه من العام المقبل".

"نماذج تقريبية لإنهاء الصراع"

وكلما طال أمد القتال، ستشهد كل من روسيا وأوكرانيا ضغوطًا دولية ومحلية للتفاوض على وقف إطلاق النار، أو هدنة، أو آلية قانونية أخرى لوقف الحرب، إن لم يكن إنهاءها رسميًا.

ويقول بعض المسؤولين الأميركيين إنّ أحد النماذج التقريبية قد يكون الحرب الكورية، حيث انتهى القتال النشط في ذلك الصراع بهدنة عام 1953، ولكن حتى بعد 70 عامًا، لم يتم الإعلان رسميًا عن انتهاء الحرب.

وأشار المسؤول السابق في إدارة بايدن إلى أنّ "الخبراء والمحللين داخل وخارج الإدارة الأميركية ناقشوا خيار إنهاء القتال في أوكرانيا على سياق الحرب الكورية، لأنّ أيًا من البلدين لن يحتاج إلى الاعتراف بأي حدود جديدة، والشيء الوحيد الذي يجب الاتفاق عليه هو وقف إطلاق النار على طول مسار محدد". (استمرت مفاوضات الهدنة الكورية عامين).

ومن بين الخيارات الأخرى، إنهاء الحرب على غرار نزاع جورجيا وروسيا عام 2008، والنزاع المستمرّ بين الهند وباكستان على منطقة كشمير منذ أكثر من 70 عامًا، وهي فترة تشمل ثلاث حروب تفصل بينها فترات باردة طويلة.

وبينما تُستأنف هذه الحروب المتوقّفة من حين لآخر، فقد صمد وقف إطلاق النار عام 1994 بين أذربيجان وأرمينيا بشأن منطقة ناغورني كاراباخ، وإن لم يكن مثاليًا، حتى أدى القتال العنيف إلى انهيار السلام عام 2020. ويحاول البلدان الآن التفاوض.

وأكد مسؤول استخباراتي أميركي سابق أنّ مساعدي بايدن يبدون أكثر استعدادًا هذه الأيام لمناقشة الضمانات الأمنية طويلة الأجل لأوكرانيا، وهي علامة أخرى على أنهم يُفكّرون جيدًا بعد الهجوم الأوكراني المضاد المقبل.

وأكد المسؤول الكبير في إدارة بايدن أن المسؤولين الأميركيين يتحدّثون مع الأوكرانيين حول طبيعة العلاقة في المستقبل.

وقال: "نريد دولة أوكرانيا التي يُمكنها الدفاع عن نفسها وردع الهجمات المستقبلية"، لكنّه في الوقت نفسه شدّد على أنّ واشنطن "لن تضغط على أوكرانيا للدخول في مفاوضات ضد إرادتها".

"لا استقرار جيوسياسيا"

وحذّر مسؤولون من أن مجرد الافتراض بأن الصراع البارد قد يُترجم إلى استقرار جيوسياسي، أو معاناة أقلّ بين المدنيين المحاصرين في الأراضي المتنازع عليها، مستشهدين بأنّ شبه الجزيرة الكورية والهند وباكستان هم الآن نقاط اشتعال نووية نتيجة القرارات التي اتخذتها الحكومات في العقود التي تلت بدء المعارك لأول مرة.

ونقلت المجلة عن يوري ساك، مستشار وزير الدفاع الأوكراني، قوله إنّ أحد الأسباب التي تجعل كييف تحثّ شركاءها الغربيين باستمرار على إرسال المزيد من الأسلحة والمساعدات الأخرى هو أنّها "تُريد إنهاء الحرب بسرعة، لا أن تجد نفسها في مواجهة لا نهاية لها".

ويُشدّد المسؤولون الأميركيون على أنّهم يُحاولون رسم الطرق التي يُمكن أن تسير بها الحرب الروسية-الأوكرانية، مشيرين إلى أنّه من الممكن أن ينتهي الصراع في مكان ما بين حرب نشطة ومواجهة باردة.

وقال جنسن إنّ دعم كييف على المدى الطويل سيعني التفكير في ما وراء الاحتياجات الفورية للأسلحة، وتنفيذ خطط لتدريب وتجهيز تشكيلات بأكملها، فضلًا عن تطوير عقيدة عسكرية ذات صلة.

وأضاف أنّ المسائل الأخرى التي ينبغي النظر فيها في مثل هذه الظروف تشمل ما إذا كان الأمر يستحقّ نشر قوة متعدّدة الجنسيات لحفظ السلام.

"التهديد الروسي لأوكرانيا لن يتلاشى في أي وقت قريب"

وإذا توقّف النزاع المُسلّح النشط، فمن المرجّح أن تنخفض التكاليف التي تتحمّلها الولايات المتحدة والشركاء الآخرون بمرور الوقت. وقال المسؤول السابق في إدارة بايدن: "من الأرخص تسليح دولة لا تستهلك الأسلحة كل يوم".

وتكهّن المسؤول السابق بأنّ احتمالات استمرار وقف إطلاق النار أعلى ممّا كانت عليه في الفترة بين عامي 2014 و2022 عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وزرعت الفوضى في أجزاء من شرق أوكرانيا، لأنّ الجيوش المحترفة تُشارك بشكل كامل على كلا الجانبين، على عكس "الانفصاليين" المدعومين من روسيا.

لكنّه أوضح، في الوقت نفسه، أنّ الحرب الحالية جذبت قوات مرتزقة مثل مجموعة "فاغنر" الروسية، والتي قد يكون من الصعب ترويضها.

وجادل المسؤولون الأميركيون والأوروبيون بأنه من الخطأ الاعتقاد بأن التهديد الروسي لأوكرانيا سيتلاشى في أي وقت قريب، حتى لو توقف القتال لفترة طويلة أو خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المشهد السياسي في البلاد.

وقال مسؤول أوروبي مُطلع على المُناقشات المتعلّقة بأوكرانيا: "الصراع واحتمال تجدّد الهجوم لن يختفي، ربما خلال عقود".

المصادر:
العربي - ترجمات
شارك القصة