الإثنين 29 أبريل / أبريل 2024

"حكايتي مع طالبان".. شهادة ثرية "يتيمة" يوثّقها "السجين رقم 306"

"حكايتي مع طالبان".. شهادة ثرية "يتيمة" يوثّقها "السجين رقم 306"

Changed

حظيت مذكرات عبد السلام ضعيف بأهمية كبرى، فهي الشهادة اليتيمة لقائد متنفذ داخل طالبان، والتي سرد فيها تفاصيل تأسيس الحركة، والوصول إلى السلطة وما تبع ذلك.

السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2001، يوم فاصل في تاريخ أفغانستان، يوم وجد البلد المُنهَك من الحروب والنزاعات نفسه مُحاصَرًا من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

أغرقت مئات الطائرات في الجو ومئات الآلاف من الجنود على الأرض العاصمة كابل بوابل من الرصاص والصواريخ. أما الهدف فكان إسقاط حكومة طالبان واستهداف تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، والذي يتخذ من جبال أفغانستان مقرًا للتدريب والتخطيط.

كان ذلك بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب، ردًا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون وأوقعت نحو ثلاثة آلاف قتيل.

وبعد شهرين من القتال الضاري الذي راح ضحيته مئات الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى والمصابين، فرّت طالبان التي كانت في السلطة منذ عام 1996 من كابُل، في السادس من ديسمبر/ كانون الأول، بعد سقوط آخر معاقلها في قندهار.

عبد السلام ضعيف.. دبلوماسيّ طالبان الأبرز

كانت تلك نهاية لسّت سنوات قضتها طالبان على رأس السلطة الأفغانية. ضجيجها وصل العالم، وأثرها دمغ الإقليم بأكمله، إلى أن سقط حكمها في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2001، لتدخل البلاد في دوامة من العنف وحروب العصابات والتقهقر الاقتصادي والسياسي، دون أن يتمكّن الرأي العام العالمي من معرفة الكثير عن دواخل الحركة التي ملأت الدنيا ولا تزال تشغل الناس.

ونظرًا لطبيعة الحركة المنغلقة على نفسها، بقيت الكثير من التساؤلات بلا إجابات واضحة، إلى أن ظهرت الرواية الوحيدة التي قدّمها واحد من مؤسسي الحركة وقادتها والدبلوماسي الأبرز فيها، الملا عبد السلام ضعيف، الرجل الذي احتلّ موقعه وسط شباب المجاهدين ضد الغزو السوفياتي في حقبة الثمانينيات، ثمّ كان من أوائل المساهمين في تأسيس حركة طالبان عام 1994.

وعمل ضعيف بمقتضى ذلك نائبًا لوزير الدفاع بعد استيلاء الحركة على الحكم، ثمّ نائبًا لوزير الطاقة والعمل والموارد الطبيعية، حتى انتهى به المطاف سفيرًا للإمارة لدى إسلام أباد، ليصبح همزة الوصل الوحيدة لبلاده مع العالم، وحتى الغزو الأميركي للبلاد عام 2001، قبل أن يتمّ اعتقاله لاحقًا من قبل المخابرات الباكستانية، وتسليمه للولايات المتحدة التي أودعته بمعتقل غوانتانامو الرهيب طيلة أربعة أعوام.

شهادة يتيمة لقائد متنفذ داخل طالبان

حظيت مذكرات الملا عبد السلام ضعيف، التي حملت اسم "حياتي مع طالبان"، بأهمية كبرى، فهي الشهادة اليتيمة لقائد متنفذ داخل الحركة، والتي سرد فيها تفاصيل تأسيس الحركة والوصول إلى السلطة، وما تبع ذلك من كواليس الحكم والعلاقة مع دول العالم، كما ألقى الضوء على دوره بصفته وجهًا دبلوماسيًّا وإعلاميًّا للحركة منذ أحداث 11 سبتمبر، ثمّ قصة اعتقاله في معتقل غوانتانامو الشهير، وما لاقاه من أهوال وتعذيب بدني ونفسي.

يتحدّث ضعيف في مذكراته عن تنقّله بين مناصب عدة في سلطة طالبان إلى أن تمكّن تكليفه ليعمل سفيرًا في باكستان ليصبح بذلك السفير الوحيد لحكومة طالبان غير المعترف بها دوليًا، وهو ما حمّله مسؤولية كبرى كونه حلقة الوصل الدبلوماسية مع دول العالم، بعد أن سحبت السعودية والإمارات اعترافهما، وبقيت باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة طالبان.

يشير ضعيف إلى الصعوبات التي قابلته إبان عمله سفيرًا في ظل العقوبات الإضافية التي أصدرها مجلس الأمن على أفغانستان، متضمنة حظر الأسلحة، وغلق جميع مكاتب طالبان في الخارج؛ الأمر الذي عزّز من عزلة الإمارة وجعل سفارتها في إسلام أباد النافذة الوحيدة لهم على العالم.

ويوجّه ضعيف أصابع الاتهام نحو المخابرات الباكستانية التي، بحسب رأيه، كانت لها مآربها الخاصة داخل الأراضي الأفغانية، ويقول إنها استطاعت شراء المجاهدين وزوّدتهم بالمال والموارد العسكرية، مشيرًا إلى أن الاستخبارات الباكستانية حاولت شراءه وقدّمت له الكثير من العروض المغرية.

باكستان في دائرة الاتهام

ويعتبر ضعيف أن باكستان عامة ممثلة برئيسها برويز مشرف لعبت دورًا غير نزيه في أزمات الإمارة مع العالم ومع الولايات المتحدة تحديدًا، حتى إنها أجرت محادثات ثلاثية بين أفغانستان والولايات المتحدة وباكستان دون أن تخبره أو تستشيره، ثم أقنعت الأميركيين بأن غيابه دليل واضح على عدم رغبة طالبان بالتفاوض.

ويقدّم ضعيف تبريرًا للمشكلات التي اعترضت الإمارة الإسلامية مع جارتها باكستان، فيقول: إنّ برويز مشرف دعم طالبان في البداية، ولكن سرعان ما انقلب عليها بعد أن وجّه دعوة للملا محمد عمر لزيارة باكستان من أجل مناقشة قضية أسامة بن لادن، لكن الملا رفض؛ ما دفع برويز مشرف إلى طلب استضافته في قندهار، حيث يقيم الملا.

لكنه واجه الرفض نفسه من الملا، مع رسالة لمشرف أنه مرحَّب به قائدًا لبلد مجاور يناقش معه قضيتي الأمن والاقتصاد وسواهما من القضايا، أما تسليم ابن لادن فلا يعني سوى أفغانستان والولايات المتحدة، وأنذره أنّ مناقشة هذا الأمر مع باكستان قد تؤدي إلى تدهور العلاقات بين البلدين المجاورين.

الضغط على طالبان لتسليم ابن لادن

يروي الملا ضعيف في مذكراته أنّ الاستخبارات الباكستانية اتصلت به قبل أشهر من الهجوم الذي شنّته الولايات المتحدة بغرض التجسس على القدرات القتالية لجيش طالبان وهيكليته ويقول إنه ردّ عليهم: "لست الشخص المناسب للحديث في هذا الموضوع".

يتطرق ضعيف في مذكراته إلى أسرار الضغط على طالبان لتسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن بعد الهجمات، ويقول: إن مندوب الأمم المتحدة اجتمع معه في مكتبه ليناقشه في أمر تسليم ابن لادن، وأنه أكد له أن طالبان يجب أن تحترم قرارات المنظمة الدولية.

ويروي أنه رد عليه بأنه ليس الشخص المؤهّل للتحدث في هذا الموضوع، سائلًا بدهشة: "لماذا يجب على إمارة أفغانستان الإسلامية تسليمه لأميركا بينما ليس بينهما اتفاقيات قانونية لتسليم الأشخاص، إضافة إلى كونه يمثل الأمم المتحدة، فكيف يدعم مطلبًا بدون أي أسس قانونية".

نهاية الإمارة الإسلامية في أفغانستان

جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتكتب الكلمة الأخيرة في نهاية الإمارة الإسلامية. فعلى أنقاض مبنى التجارة العالمي وركامه، وقف الرئيس الأميركي جورج بوش بوجه مشحونًا بالغضب يعلن تصميم الولايات المتحدة على أن تخوض حربها ضدّ الإرهاب، وكانت محطته الأولى أفغانستان.

انتهى حكم طالبان مع دخول قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة أفغانستان، واعتُقِل الملا عبد السلام ضعيف من قبل الحكومة الباكستانية.

يذكر الملا ضعيف أنّ آخر مسؤول استخباراتي زاره كان العقيد إمام، فيقول إنه ظلّ يبكي على ما انتهت إليه أوضاع أفغانستان، محمّلًا برويز مشرف المسؤولية عمّا حدث، ثم بعد ذلك بمدة يسيرة، داهم منزله عدد من عناصر المخابرات الباكستانية، وقال له أحدهم: "هل تعلم أنّ الولايات المتحدة هي القوة العظمى؟ لا أحد يمكنه هزيمتها ولا أحد يمكن مناقشتها. تريد الولايات المتحدة أن تحقق معك وقد جئنا لنسلمك لها".

في غوانتامو.. أحداث لا تُصدَّق

يتعرض ضعيف للفترة التي قال إنه تعرض فيها للتعذيب عقب اعتقاله وإيداعه سجن غوانتانامو الشهير، وكيف تحوّل فجأة من دبلوماسي إلى السجين رقم 306، في السجن الأشهر في العالم.

يقول: "شهدت وسمعت خلال السنوات الأربع التي قضيتها في غوانتانامو أحداثًا لا تصدَّق. من ذلك مثلًا أنّ جندية أساءت التعامل مع القرآن الكريم فرمته أرضًا بينما كانت تفتش الزنزانة، الأمر الذي أثار غضب السجناء، فاعتصموا ورفضوا تغيير ملابسهم والاستحمام والتعاون مع الجنود بأي شكل من الأشكال".

يضيف: "انتشر الاعتصام بسرعة، وبدل أن تقوم الإدارة بمعاقبة الجندية على تصرفها، كما طلب السجناء، تمّت مواجهة التحرك بعنف. أطلق الغاز داخل الزنازين ففقد السجناء وعيهم. في غوانتانامو السجين لا يعود إنسانًا لأنه يجرَّد من صفته الإنسانية شيئًا فشيئًا مع كل يوم يمرّ".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close