خبز المصريين وعملتهم في خطر.. إجراءات "استثنائية" لإنقاذ الاقتصاد
تصطاد مصر في مياه صندوق النقد الدولي بحثًا عن قرض ضخم، فالمفاوضات الجارية بين الصندوق والقاهرة باتت على مشارفها الأخيرة، وخبز المواطن في خطر كما عملته.
وتسبب نقص حاد في العملة الأجنبية في مصر على مدار الأشهر الستة الماضية في صعوبات للبنوك والمستوردين فيما يتعلق بدفع خطابات الاعتماد اللازمة للإفراج عن شحناتهم من الجمارك. وتشكو المصانع وشركات التجزئة من أن الانتاج والمبيعات تضررًا بسبب نقص في مستلزمات التشغيل.
وينفي وزير المالية المصري محمد معيط ما يصفه بالإشاعات بشأن المفاوضات مع الصندوق للحصول على تمويل جديد، ويسقط أي اشتراطات في هذا المجال، متحدثًا عن إقرار حزمة إجراءات استثنائية لتيسير الإفراج عن الواردات، وتخفيف الأعباء عن المستثمرين والمستوردين، عبر وقف تحصيل الغرامات الجمركية، ما يقلل بالتالي تكاليف السلع على المواطنين.
من جهته، يدعم رئيس لجنة البنوك والبورصة بجمعية رجال الأعمال حسن حسين كلام وزير المالية، بقوله: إن طلب الصندوق من القاهرة توحيد أسعار الفائدة لا يعني رفع أو خفض مستوى سعر الفائدة الحالي.
وتأتي هذه التصريحات فيما يتخوف المواطن المصري من تداعياتها، إذ يشعر أنه يواجه فريدًا الأزمة الاقتصادية العالمية، بعدما تحولت بلاده إلى أحدث رمز للمعاناة على خلفية ارتفاع التضخم، وارتفاع فوائد القروض وتراجع النمو العالمي، كما تصفها وكالة "بلومبيرغ"، التي تؤكد أن القلق يسيطر على أوساط المستثمرين من تخلف مصر عن سداد ديونها خشية تكرار نموذجي سريلانكا وروسيا.
"غياب الرؤية"
وفي هذا الإطار، يوضح الباحث في أكاديمية العلاقات الدولية أحمد ذكر الله أن "لا علاقة بين عجلة الإنتاج في البلاد وتصريحات الحكومة المصرية"، مشيرًا إلى أن هناك ارتباكًا شديدًا في السوق المصرية، إثر اتخاذ البنك المركزي قراره المفاجئ قديمًا بوقف الاعتمادات المستندية، حيث أصيب السوق بشلل تام، ولم تعد المصارف التجارية تملك الرصيد الكافي لتمويل التجارة والاستيراد من الخارج.
ويضيف في حديث لـ"العربي" من إسطنبول أن المصرف المركزي المصري ليس لديه رؤية لكيفية التعامل مع هذه الأمور مستقبلًا، مبينًا أن البلاد وصلت إلى هذه المرحلة نتيجة غياب الرؤية لدى الحكومة.
ويلفت ذكر الله إلى أن مصر ليست بحاجة إلى قرض من صندوق النقد الدولي فقط، بل هي بحاجة أيضًا لبيع أصول، والخروج من أزمتها التي وقعت بها بسبب التصرفات غير الرشيدة التي تسببت بها الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، مشددًا على أن البلاد مضطرة للاقتراض أكثر من مرة.
"مطالب صندوق النقد الدولي"
من جهته، يرى مدير الاستثمار في مؤسسة واشنطن "أناليتيكا" شريف عثمان أن تصريحات وزير المالية صادقة، موضحًا أن صندوق النقد لا يطلب عادة رفع الدعم، وإنما يطلب أمورًا أخرى مثل ضبط المالية العامة في البلاد، ما يعني تخفيض العجز في الموازنة المصرية، والذي يؤدي بصورة غير مباشرة إلى رفع الدعم عن بعض المنتجات التي تدعمها الحكومة المصرية.
ويعتبر في حديث لـ"العربي" من واشنطن، أن طلب صندوق النقد الدولي بخفض العجز في الموازنة المصرية، سيكبد المواطن المصري خسائر كبيرة في ممتلكاته وارتفاعًا في تكلفة المعيشة.
ويبين عثمان أن المشكلة الحقيقية تكمن في معاناة مصر من عجز في حسابها الجاري واعتمادها على الأموال الساخنة في سد العجز والاستجابة لكل مطالب المستوردين طوال الوقت.
"مشاكل الاقتصاد المصري"
أما الباحث في السياسات العامة والتنمية محمد سالم، فيصنف ما تمر به مصر على أنه أزمة سيولة في النقد الأجنبي، التي تأتي من تحويلات المغتربين وقناة السويس والسياحة، لافتًا إلى أن أحد مصادر السيولة الأجنبية تضرر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
ويضيف في حديث لـ"العربي" من القاهرة، أن العملات تضررت أيضًا بعد أن تحولت استثمارات الأموال غير الساخنة التي كانت تعتمد عليها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب الأوكرانية.
ويبين أن هناك مشاكل في الاقتصاد المصري، منها ما يتعلق بطرق جذب الاستثمارات الأجنبية، والحفاظ على مورد السياحة واستدامته، وتنمية الصناعة والصادرات.
ويلفت سالم إلى أن الأزمة المصرية المتعلقة بالاستيراد هي محاولة ضبط للموارد من النقد الأجنبي للحفاظ على مستوى معين من الاستيراد طوال الشهور الماضية.