لفهم ما حصل في الاتحاد السوفييتي مساء الثامن والعشرين من مايو/ أيار 1987، وتحديدًا عندما حطّت طائرة من طراز سيسنا قرب الساحة الحمراء الشهيرة وخرج منها مراهقٌ غريبٌ عن المكان، لا بدّ من استعادة المشهد السياسي لتلك الحقبة.
حينها، كانت الحرب الباردة ما تزال دائرة بين موسكو وواشنطن، ومن حول كلا القطبين دول تدور في فلكهما.
أما ألمانيا الواقعة وسط أوروبا الغربية، فكانت منقسمة إلى شطرين: شرقي وغربي، الأول يوالي الاتحاد السوفييتي، والثاني يتحالف مع أميركا.
طائرة سيسنا فوق الكرملين
ومن هذا الشطر الحليف لواشنطن على وجه التحديد، انطلق الشاب ماتياس روست بطائرة صغيرة مستأجرة ذات محرك واحد من هلسنكي في فنلندا إلى موسكو؛ طار فوق الكرملين وضريح لينين، ليتوقف عند السابعة والنصف مساءً بجوار الساحة الحمراء.
يومها خرج المراهق البالغ من العمر 19 عامًا من مقصورة القيادة وراح يحيي الحشود ويوزّع تواقيعه على الذين اندفعوا باتجاهه.
ونقلت "التايم" عن أحد الذين رأوا روست يخرج من طائرته في ذلك الحين: "لم يكن الناس يعرفون ما حدث. شيء غير عادي، لا يحدث كل يوم".
ولم تمضِ سوى عشر دقائق حتى انطلقت سيارات سيدان سوداء رسمية باتجاه المكان، وأُلقي القبض على الشاب المنحدر من مدينة هامبورغ.
وفيما أُثيرت تساؤلات كثيرة حول دوافع هذه الرحلة، أكد والدا الشاب أن كل ما أراده هو نشر قضية السلام دون سواها.
On this day 32 years ago, 28 May 1987, a West #Germany citizen Mathias Rust landed his Cessna-172 light aircraft in central #Moscow, #USSR, next to the walls of the #Kremlin. He was under arrest until August 1988:pic.twitter.com/CcAd7NHosW
— Alex Kokcharov (@AlexKokcharov) May 28, 2019
وفي موقع "نيويورك تايمز" جاء في هذا السياق أيضًا أن مجلة "شتيرن" الألمانية اشترت الحقوق الحصرية لقصة هاوي الطيران، وأنها أعلنت في ذلك الحين عن نيّتها نشر مخطوطة وضعها قبل الانطلاق برحلته.
ويظهر في المخطوطة تصميم لنظام ديمقراطي سلمي عالمي، هو عبارة عن يوتيوبيا تسمى "لاغونيا".
حكم ثم عفو
فيما يخص السوفييت، الذين أوقفوا روست في سجن ليفورتوفو، بدا أن الحادثة قد شكلت خضة في أوساط القيادة.
وبحسب موقع "Russia Beyond"، فإن كل من وزير الدفاع سيرجي سوكولوف، وقائد قوات الدفاع الجوي ألكسندر كولدونوف، ونحو 300 ضابط فقدوا وظائفهم.
أما ماتياس روست، الذي عُد بطلاً شعبيًا في موطنه بعد أن تهرّب من الدفاع المضاد للطائرات، فقد بدأت محاكمته في الاتحاد السوفييتي في الثاني من سبتمبر لعام 1987 واستمرّت لمدة يومين.
وبينما أكد في المحكمة أن رحلته كانت دعوة للسلام، تم الحكم عليه في مثل هذا اليوم بالسجن لمدة أربع سنوات في معسكر عمل بعد اتهامه بارتكاب شغب.
ومع ذلك لم يُمضِ فترة عقوبته كاملة، بعد صدور عفو عنه في الثالث من أغسطس/ آب 1988 من قبل الحكومة السوفييتية، ليخرج إلى الحرية بعد قضاء 14 شهرًا خلف القضبان.
غياب روست عن السجن لم يطل، فبحسب موقع BBC الذي ينقل عنه قوله إنه لا يشعر بأي ندم على ما فعله، عاد الشاب إلى الحبس في غضون عام من عودته إلى هامبورغ، على خلفية طعنه زميله في مستشفى يعمل فيه.
وبعد خروجه إلى الحرية مجددًا عمل روست محللًا ماليًا ومدرّب يوغا.
