Skip to main content

"دكتاتورية العقداء".. شهادات توثّق انقلاب 1967 في اليونان

الأحد 22 يناير 2023

في 21 من أبريل/ نيسان 1967، وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات المقرّرة في اليونان، استولت مجموعة من ضبّاط الجيش على السلطة، حيث حاصرت قوات من الجيش اليوناني حينها كلًا من القصر الملكيّ ومكاتب الحكومة ومبنى الإذاعة؛ وحدث الانقلاب العسكري الشهير.

في ذلك الوقت، تبنّى الانقلاب العسكري خطابًا يمينيَّا متطرّفًا، وادّعى أنه يحمي الأمة اليونانية من الشيوعية. فقام بسجن آلاف المعارضين ونفيهم وتعذيبهم.

وتولى إدارة البلاد مجلس عسكري قاده الجنرال جورج بابادوبولوس الذي استفرد بالسلطة وأدخل البلاد في نفق الديكتاتورية.

نسخة أولى من الديكتاتورية

شرح السفير العراقي السابق في اليونان فاروق الفتيان أن أصل كلمة الديمقراطية خرج من اليونان، وهو مصطلح يتكون من كلمتين الأولى "ديموس" وتعني العامة، والثانية "قراطوس" وتعني الحكم، بمعنى "حكم العامة".

ورأى الفتيان في حديث لبرنامج "كنت هناك" من "العربي"، أنّ الديمقراطية متأصلة في الشعب اليوناني ومطبوعة في تاريخه وحضارته، لذلك تم رفض الديكتاتورية بشكل قاطع.

من جهته، أشار الصحفي شادي الأيوبي، مدير منتدى التنمية في أثينا، إلى أن اليونان عاشت على وقع تجربة أولى مع الديكتاتورية خلال تولي الجنرال ايوانيس متاكساس السلطة منذ حوالي 1936 إلى بدايات الحرب العالمية الثانية.

الجنرال متاكساس وأعضاء حكومته بعد تنصيبهم -غيتي

وأوضح الأيوبي، في حديث إلى "العربي"، أن متاكساس كان عبارة عن "نسخة أوليّة مجربة" عن ديكتاتورية عام 1967 في اليونان، مشيرًا إلى أن أبرز الانقلابيين الذين تولوا السلطة في ستينيات القرن الماضي هم من المدرسة العسكرية التابعة لمتاكساس، وتخرجوا منها سريعًا عام 1937، وأُرسلوا فورًا إلى الجبهة الشمالية مع ألبانيا.

الحرب الأهلية

ورأى الفتيان أن اليمين بدأ في محاولاته للسيطرة على السلطة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبيل وقوع الحرب الأهلية اليونانية عام 1946، حيث اشتد الصراع بين اليمين والقوة اليسارية الممثّلة بالحزب الشيوعي الذي لعب دورًا كبيرًا في المقاومة.

أمّا الأيوبي، فأكد أن الحرب الأهلية التي تسبّبت في مقتل عدد كبير من سكان اليونان، ودمرت البلاد، لم يسلم منها البشر والحجر، ولا تزال آثارها جاثمة إلى حد هذا اليوم.

من جهته، قال الضابط المتقاعد في الجيش اليوناني يانيس باريسيس، في حديث إلى "العربي": إنه "خلال الحرب الأهلية في اليونان منذ عام 1946 إلى 1949 حلّ الدمار وأزهقت أرواح الملايين من البشر".

الحرب الأهلية تسبّبت في مقتل عدد كبير من سكان اليونان- غيتي

وأضاف أنّ من قام بإنهاء الحرب الأهلية اليونانية هو "الجيش الذي انتصر على القوى الشيوعية المسلحة في نهاية عام 1949".

لكن رئيس تحرير مجلة "الضفتان" في اليونان منصور شاشاتي يشير إلى حصول تدخلات خارجية من بريطانيا والولايات المتحدة لصالح اليمين ودعمه في الحرب الأهلية اليونانية وذلك تصديًا للاتحاد السوفيتي.

وشرح شاشاتي، في حديث إلى "العربي"، أنه في ذاك الوقت كان هناك ما يسمّى بـ"تنظيم سرّي أو غير شرعي" داخل الجيش اليوناني، قام ببناء علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث انتمى إليه العقيد جورج بابادوبولوس قائد الانقلاب العسكري.

الانتخابات اليونانية عامي 1958 و1963

وأوضح الأيوبي، أنه عام 1958، شهدت اليونان انتخابات فاز فيها، وبنسبة جيدة، تجمّع مؤلف من أحزاب يسارية جمعها الحزب الشيوعي في إطار واحد، ما دفع القوى المحافظة إلى التوجّه للملك والتحذير من خطر الشيوعية.

وأضاف أنه عام 1961، تمّ تشكيل "تجمّع الوسط" اليوناني بقيادة جورج بابادنريو الجد، والذي أُمل منه أن يأخذ أصوات من كتلة اليسار، دون أن يلحق بكتلة اليمين.

بدوره، شرح يانس زيانكاس، المستشار السياسي للرئيس اليوناني السابق، في حديث إلى "العربي"، أنّه في الانتخابات التي جرت عام 1963، انتصرت القوى الوطنية المتحالفة غير اليمينية، والتي كانت تُسمّى حينها، بـ"القوى الديمقراطية" بزعامة باباندريو الذي شكّل حكومة وطنية قوية جدًا، في ظل الحكم الملكي وبرعاية الملك.

جورج باباندريو، زعيم اتحاد الوسط المعارض، أثناء الانتخابات اليونانية في 4 نوفمبر 1963-غيتي

وأضاف زيانكاس، في حديث إلى "العربي"، أن الفوز الساحق في الانتخابات الديمقراطية أثار حفيظة اليمين والملك أيضًا، حيث كانوا يعتقدون أن باباندريو يخضع لسيطرة السياسيين الشيوعيين، وهو اتهام منافٍ للحقيقة.

من جهته، شرح شاشاتي أن باباندريو تولّى السلطة، وأبدى رغبة بوضع حدّ للجماعات اليمينية المتطرّفة داخل القوات المسلّحة اليونانية، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لم يُعجب الملك ولا حلفاء القصر.

إلى ذلك، قال زيانكاس إنه عندما تمّ تشكيل الحكومة، طرح باباندريو ابنه أندرياس ليكون وزيرًا للدفاع في حكومته، وهو ما أثار مشكلة لدى القوى اليمينية والملك الذي أصرّ على تعيين وزير للدفاع من اختياره، وذلك للضغط على باباندريو. غير أن باباندريو رفض طلب الملك بقوة، وصرّح بأنه لا يقبل بتعيين وزير يتبع لقوى خارجة عن إدارة الحكومة.

"ديكتاتورية 1976"

وأوضح باسياس أن أفعال الحزب الشيوعي أثارت قلق ضباط الجيش كثيرًا، لذلك وضع مجموعة من العسكريين خطة سرية لتدخّل الجيش لإنهاء أزمة البلاد. وتألفت تلك المجموعة من ثلاثة ضباط، عقيدين وعميد، وسط قلق شعبي مما يحدث في البلاد، لأن المنظمات الشيوعية تسببت بالكثير من المشكلات، حيث كانت تُشعل الحرائق في شوارع أثينا.

وأشار الأيوبي إلى وجود شبه خطة جاهزة من المجموعة العسكرية التي سُميّت بـ"دكتاتورية العقداء"، وكانوا يُطالبون بالإضافة إلى جهات سياسية يمينية بأن يتولّى الجيش زمام السلطة نتيجة التأزم في البلاد، مضيفًا أنه حتى ذلك الوقت لم تكن هناك أي مشكلة لدى عدد كبير من اليونانيين بأن يقوم الجيش بانقلاب لتصحيح الأوضاع.

من جهته، أوضح الفتيان أن الصراع تطوّر إلى اتفاق بين قوى اليمين واليسار التي يمثّلها باباندريو على إجراء انتخابات في 28 مايو/ أيار 1967، غير أن الانقلاب حصل في 21 أبريل/ نيسان، أي قبل الانتخابات بشهر وأسبوع.

الملك اليوناني قسطنطين الثاني محاطًا بحكومة المجلس العسكري في مراسم أداء اليمين-غيتي

بدوره، أوضح شاشاتي أن كل المؤشرات كانت تدل على أن حزب باباندريو سيُصبح الحزب الأول في البرلمان، وهو ما حرّك المجموعة العسكرية للقيام بانقلاب.

أما زيانكاس فقال إنه كان لديهم خطة قوية ومتماسكة حيث سيطروا خلال ساعات قليلة على كل مفاصل الدولة، وتمّ ذلك كله دون أن تُسال قطرة دم واحدة وهذا أمر مهم.

ونصّ بيان الانقلاب العسكري على أن المجلس العسكري اليوناني هو مقياس القوة الدفاعية للبلد، ومقياس عقيدة الشباب اليوناني، وهو صمّام الأمان لكل الشعب اليوناني. تعمل القيادة العسكرية على إنجاز كل مشاريعها من أجل حاضر البلاد ومستقبلها".

وقال شاشاتي إنه قبل أن تصل الدبابات إلى وسط أثينا والشوارع كانت الشرطة العسكرية قد قامت باعتقال قادة الأحزاب مجتمعة، وطوّقت البرلمان ورئاسة الحكومة وقصر الملك في تاتوي، والمطار.

بدوره، شرح زيانكاس أن الجيش تقدّم واحتلّ كل المناطق العامة وفرض ديكتاتوريته، وكان الشعب مجبرا على البقاء بالمنازل، حيث حاصرت الدبابات أغلب الأماكن العامة وخاصّة البرلمان، وكانت البلاد كلها مشلولة.

سيطر الجيش على كل مفاصل الدولة وأصبحت أثينا مطوّقة بالدبابات- غيتي

وقال إن الجيش سيطر على كل مفاصل الدولة، وأصبحت أثينا مطوّقة بالدبابات، كما سيطر الجيش على بقية المدن اليونانية، مضيفًا أن المجلس الأعلى العسكري تألف من ثلاثة ضباط يترأسهم جورج بابادوبولوس، وشكّلوا المجلس الثلاثي للدكتاتورية.

اعتقالات وسجن معارضين

وأوضح الفتيان أن اليونان عاشت خمس سنوات عجاف ابتداءً من 21 أبريل 1967، حيث امتلأت السجون بمعارضي النظام، فيما تمّ تهجير بعضهم الآخر بالإكراه.

بدوره، شرح عبدالسلام الزغيبي، الكاتب والصحفي الليبي المقيم في اليونان، أن أي نظام عسكري دكتاتوري سيشهد غيابا للحريات العامّة والرأي والصحافة، ناهيك عن الاعتقالات التي طالت إلى جانب السياسيين، الفنانيين والأدباء والشعراء.

أما باسياس فقال إنه: "في البداية تمّ اعتقال بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الحزب الشيوعي، لأن الحكومة اعتبرت أنهم قادرون على افتعال مشاكل في البلاد. كما جرى نفي عدد كثير من الشيوعيين إلى الجزر اليونانية.

من جهته، أوضح الأيوبي أن العسكر لم يكونوا متساهلين مع المعارضين. ففي الليلة الأولى، جرى اعتقال جميع السياسيين، وتلت ذلك مرحلة القمع، حيث جرى سجن ونفي وتعذيب الكثير من المعارضين الإيديولوجيين على غرار الشيوعيين، وبعضم توفي تحت التعذيب. كما جرى فرض منع تجمّع لأكثر من شخصين في الشارع أو خمسة أشخاص داخل المنازل.

وشرح الفتيان أن بابادوبولوس كان حازمًا وصارمًا ويتمتّع بشخصية قوية، وكما يُقال إنه يفتقد لأي ذرّة من الإنسانية، ولذلك كان قاسيًا حتى على أقرب المقرّبين منه وعلى كل من يشعر أنه قد يكون مصدر تهديد له.

بعد الانقلاب، انفرد بابادوبولوس بالسلطة- غيتي

بدوره، قال الزغيبي إن بابادوبولوس انفرد لاحقًا بالسلطة، من وزارة الدفاع والجيش ورئاسة الدولة.

من جهته، قال الفتيان إن بابادوبولوس نصّب في كل مدينة حاكمًا عسكريًا مصغّرًا يحكم المدينة.

أما الأيوبي، فشرح أن القمع طال حتى المعارضين في المدارس، من طلاب وأساتذة.

بدوره، روى شاشاتي، الذي كان طالبًا في كلية الأسنان في اليونان آنذاك، أن الكلية كانت تشهد شهريًا اعتقالات للطلاب.

وقال باسياس: "في السنوات الأولى للحكم العسكري، بدأت الحكومة بالعمل بشكل جيد، ولم تكن هناك سرقات، وبدأ إنجاز مشاريع كبيرة للبنية التحتية، على غرار بناء الجامعات والمدارس والمستشفيات، وإقامة الجسور والموانئ والمطارات".

وأضاف أنه خلال السنوات الستّ من الحكم العسكري كانت الحكومة ناجحة جدًا، وكان الشعب سعيدًا جدًا لأنه عاش بشكل أفضل، مع حصوله على أموال أكثر.

وقال: "عام 1970، كان يُقال إنه إذا أُجريت انتخابات حرة ديمقراطية، فإن بابدوبولوس سيفوز بنسبة 90% من أصوات الشعب".

غير أن شاشاتي أوضح أنه في السنوات الأولى لأي دكتاتورية، تُقدم حكومتها على تقديم إجراءات عديدة لصالح الشعب، وتحسّن الوضع الاقتصادي، وتقوم بمشاريع إنمائية، لكن من دون دراسة وبسوء إدارة، ما يؤدي في النهاية إلى أزمة اقتصادية.

حرب أكتوبر 1973 والإطاحة ببادوبولوس

قال باسياس إنه في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1973، عندما اندلعت الحرب بين العرب وإسرائيل، طلبت واشنطن من بابادوبولوس أن تكون جزيرة كريت محطة لهبوط الطائرات الأميركية للتزوّد بالوقود، لكنه رفض ذلك.

من جهته، أشار الأيوبي إلى أن المعلومات تتحدث عن أن الرئيس المصري أنور السادات اتصل ببادوبولوس وطلب منه عدم السماح لواشنطن باستخدام هذه القواعد، وهو ما استجاب له بابادوبولوس.

أما باسياس فأوضح أن ثمن رفض بابادوبولوس للطلب الأميركي كان باهظًا، إذ تمت الإطاحة به من الحكم، وذلك خلال شهر ونصف الشهر فقط من رفضه، حيث دبّر الأميركيون انتفاضة بوليتكنيك- كلية الهندسة 1973.

وجاء في تسجيل لإذاعة بوليتكنيك- كلية الهندسة: "إنكم تستمعون إلى راديو الطلاب اليونانيين المناضلين الأحرار. إلى كل الطلاب الذين يتجولون في هذه اللحظات بالقرب من الجامعة نقول لكم تعالوا واتحدوا معنا".

دبابة تابعة للجيش اليوناني هنا خارج المبنى الرئاسي بعد انقلاب 1973- غيتي

وشرح الأيوبي أن كلية الهندسة شهدت احتجاجات أكثر تنظيمًا، وكانت الإذاعة الطلابية تبثّ منشورات وأغاني ضد الدكتاتورية، إلى أن حدثت عملية الاقتحام.

وروى شاشاتي أنه شاهد الدبابات حين اقتحمت كلية الهندسة، بينما أوضح الفتيان أن ما حدث في الكلية كانت النواة الأولى لانقلاب عسكري جديد ضد بابادوبولوس.

وشرح باسياس أن الأميركيين وجدوا في الضابط في الجيش اليوناني ديميتريس إيوانيديس الوسيلة للإطاحة بابادوبولوس، مضيفًا أن الأخير كان يثق بايوانيديس لكنّه لم يكن أهلًا للثقة.

بعد أسبوع واحد من أحداث كلية الهندسة، استولى ايوانيديس على السلطة- غيتي

وقال إن هذا الضابط هو "مَن يُطلق عليه في علم السياسة، الأحمق المفيد الذي يُسيطر عليه من الخارج"، مضيفًا أنه بعد أسبوع واحد من أحداث كلية الهندسة، حرّك ايوانيديس قطعًا عسكرية واستولى على السلطة، ووضع بابادوبولوس تحت الإقامة الجبرية في المنزل.

سقوط الحكم العسكري عام 1974

وشرح الأيوبي أن سقوط العسكر جاء نتيجة التدخّل في قبرص، ومحاولة قتل الرئيس القبرصي مكاريوس الثالث، ولاحقًا التدخّل التركي، وانهيار الجبهة اليونانية القبرصية، واستيلاء تركيا على الجزء الشمالي من قبرص.

وأضاف أن العسكر دعوا المدنيين إلى تسلّم السلطة، وانسحبوا تدريجيًا من الحياة السياسية، وجرت محاكمتهم بعد سنة.

من جهته، قال الزعيبي إن المحكمة أصدرت حكمًا بالإعدام على بابادوبولس واثنين من مساعديه هم سيتليانوس باناكوس ونيكولاس ماكاريزوس، بتهمة الخيانة العظمى، لكنه توفي بعد أكثر من عشرين سنة في السجن.

وقالت المحكمة في حكمها إن "بابادوبولوس ألغى الحكم البرلماني، وأسس دكتاتورية استمرت سبع سنوات".

وأوضح الفتيان أنه بعد عودة الحكم الديمقراطي، أصبح القرار بيد الشعب للاختيار بين الحكم الملكي أو الجمهوري، فاختار النظام الجمهوري بحيث لا يُنتخب رئيس الجمهورية من الشعب بشكل مباشر، وإنما من قبل البرلمان.

بدوره، قال الأيوبي: "حتى اليوم، لا يزال اليمين المحافظ واليمين المتطرّف يدافع عن دكتاتورية 1967، والكثير من مؤسسات الدولة في اليونان تضمّ أنصار الدولة العميقة القريبة من مبادئ الملكية واليمين المتطرّف، ومبادئ أبوة الدولة".


المصادر:
العربي
شارك القصة