الأحد 28 أبريل / أبريل 2024

"محطة" العبور إلى أوروبا.. ليبيا تُواجه نزوحًا جماعيًا

إنقاذ مهاجرين قبالة السواحل الليبية (غيتي)
إنقاذ مهاجرين قبالة السواحل الليبية (غيتي)
"محطة" العبور إلى أوروبا.. ليبيا تُواجه نزوحًا جماعيًا
"محطة" العبور إلى أوروبا.. ليبيا تُواجه نزوحًا جماعيًا
الثلاثاء 16 فبراير 2021

شارك

تُواجه ليبيا، التي كانت يومًا محطة عبور للمهاجرين إلى أوروبا، نزوحًا جماعيًا، سلّطت صحيفة "الغارديان" البريطانية الضوء عليه، من خلال تقريرٍ بحثت فيه هذه الظاهرة، بمختلف جوانبها، وصولًا لتشخيص دوافعها وحيثياتها.

تستند الصحيفة في تقريرها إلى قصّة شريف ترجي (اسم مستعار) الذي قرّر مغادرة ليبيا إلى أوروبا، بعد تعرّضه لسوء المعاملة والعنصرية. ويقول: "لقد كنت شاهدًا على عمليات القتل والمجازر الناتجة عن الصراعات بين الطوارق والتبو". 

ينتمي شريف إلى قبيلة الطوارق المتحدرة من مدينة أوباري الصحراوية في جنوب غربي ليبيا. وفي ظلّ حكم الرئيس الراحل معمر القذافي تعرّض "الطوارق" للتهميش، لم يُمنحوا بطاقات هوية، ومُنعوا من العمل والحصول على الخدمات العامّة، ولم تتحسّن أمورهم حتى بعد الإطاحة بالنظام. 

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، غادر شريف المنزل، وسافر أكثر من ألف كيلومتر إلى مدينة زوارة الساحلية. وحشر نفسه مع حوالي 200 شخص، معظمهم من السوريين والمغاربة والسودانيين، على متن قارب خشبي، وانطلقوا في رحلة محفوفة بالمخاطر استغرقت 18 ساعة.

خفايا شبكات تهريب البشر من إفريقيا إلى أوروبا

رحلة محفوفة بالمخاطر

يُعَدّ شريف نموذجًا عن حال شريحةٍ كبيرةٍ من الليبيين التي لم تعد قادرة على الصمود أكثر. فبعد مرور عقد على الثورة الليبية، يزداد عدد الليبيين الذين يُغادرون ليبيا عبر البحر في رحلة محفوفة بالمخاطر. 

في نهاية ديسمبر/ كانون الأول، سجّلت المنظمة الدولية للهجرة وصول 386 ليبيًا إلى إيطاليا عن طريق البحر في عام 2020، أي حوالي ضعف العدد الذي وصل في عام 2019. وسجّلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين زيادة بنسبة 52% في عدد الليبيين الوافدين إلى أوروبا مُقارنة بالعام 2019.

وتوضح صفاء مشهلي، المُتحدّثة باسم المنظمة الدولية للهجرة، أن الزيادة الكبيرة في الأعداد "دليل على تغير موقع ليبيا فيما يتعلّق الهجرة، إذ لطالما كانت بلد عبور للمهاجرين".

ارتفاع أعداد المهاجرين يصعب قدرة أمن السواحل الليبي على مكافحة تهريب البشر
كورونا والاقتصاد

بدوره، يرى فينسيت كوشتيل، المبعوث الخاص للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لمنطقة غرب ووسط البحر المتوسط، أنّ "جائحة كورونا تسبّبت في تدهور الاقتصاد، وأدت إلى انخفاض صادرات النفط والغاز.

كما يُواجه الليبيون صعوبة في صرف معاشاتهم التقاعدية، إضافة إلى الارتفاع الكبير في معدلات البطالة بين الشباب".

ويشير إلى أن "إغلاق الحدود إضافة إلى الحدّ من حرية التنقّل بسبب جائحة كورونا، أثّرا على قدرة الناس على الكسب". ويضيف: "لقد اعتمدوا على التجارة عبر الحدود، وتهريب السجائر والوقود من أجل تدبير أمورهم". 

أرقام مرتفعة لنسب البطالة في ليبيا وتراجع في معدل النمو الاقتصادي 

ويتوقّع كوشتيل استمرار ارتفاع عدد الليبيين الذين يُغادرون البلاد في عام 2021، ما لم يتحسّن الاقتصاد. ويقول: "يميل الليبيون إلى البقاء في بلادهم، وإن كانوا بصفة نازحين، أو طلب المساعدة من الأقارب في تونس أو مصر. لكن يجب مراقبة الأثر الاجتماعي والاقتصادي للتراجع الأخير في قيمة الدينار الليبي".

الفساد والمخاوف الأمنية

ويُعتبر الفساد والمخاوف الأمنية من العوامل التي تدفع الليبيين إلى الهجرة أيضًا، بحسب تقرير "الغارديان".

ويوضح موسى الجنيدي، من منظمة "نداء" لحقوق الإنسان وتنمية المجتمع في مصراتة، أنّ الفساد داخل أجهزة الدولة المختلفة في ليبيا المنقسمة بين حكومتين متنافستين يُهدّد الخدمات الأساسية مثل إمدادات الكهرباء، ويؤدي إلى تراجع ثقة الليبيين بالدولة.

ويلفت إلى أنّ "هناك الكثير من المخاوف الأمنية في مدن مثل طرابلس وسرت ومدن الجنوب مثل مرزق، وبالإضافة إلى ذلك، هناك الارتفاع السريع في الأسعار والتضخم، مع قيام المصارف ووزارة المالية بتحديد السحوبات النقدية بما يتراوح بين 500 وألف دينار ليبي".

ويعتبر الجنيدي أن الأمل موجود في ليبيا، "إذا التزمت جميع الأطراف باتفاق السلام الشامل الذي وقّعته الحكومتان المتحاربتان في أكتوبر/ تشرين الأول". لكن وزير الدفاع الليبي هدّد بالانسحاب من الاتفاق.

ويوضح أنّه "إذا كان هناك اتفاق سياسي كامل، وجرت الانتخابات، ووُضع دستور جديد، فإن اتفاقية السلام ستُفيدنا؛ وهذا من شأنه أن يُقلّل عدد الليبيين الذين يُغادرون عن طريق البحر، أو حتى توقّف الهجرة تمامًا. ولكن إذا كان هناك صراع جديد شبيه بصراع العام 2019، فستغصّ الشواطئ بالمهاجرين الليبيين".

ليبيا .. خطوات إنهاء الأزمة

الوصول إلى بلجيكا

بعد ساعات في البحر، نقلت سفينة خفر السواحل الإيطالية قارب شريف، ووصل أخيرًا إلى إيطاليا. يقول شريف: "لم يكن هناك شيء أصعب من هذه الرحلة. كان القارب قديمًا. لقد بقينا في البحر لمدة يومين. كان المحرك ضعيفًا. لو لم يجدنا خفر السواحل لكنّا هلكنا".

بعد تهريبه إلى فرنسا، استقل شريف قطارًا إلى بلجيكا، حيث اختبأ في شاحنة مُتوجّهة إلى المملكة المتحدة. عبر القناة، واستقرّ في لندن، حيث التحق بالجامعة لدراسة العلوم.

من سيئ إلى أسوأ

يصف أصدقاء شريف في أوباري المدينة بأنها تتّجه "من سيئ إلى أسوأ". ويرى صديقه محمود طوارق أنّ المدينة لا تزال مكانًا خطرًا محدود الفرص. ويضيف: "المدارس في حالة سيئة، لا يوجد عدد كاف من المعلمين. تفتقر المستشفيات إلى العدد الكافي من الموظفين والمعدات. والأمن ضعيف جدًا، تنتشر الجماعات والعصابات المُسلّحة في كل مكان".

بدوره، يقول شريف: "حتى لو نُفّذ اتفاق السلام في ليبيا، ووضعنا الحرب وراءنا، سأبقى بعيدًا عن وطني. أريد أن أُنهي دراستي. لا أتوقّع أن تتحسّن الحياة في أوباري؛ لذلك لن أعود في أي وقت قريب".

المصادر:
الغارديان

شارك

Close