الإثنين 25 مارس / مارس 2024

مذكرات صلاح نصر.. ما هي أسباب الخلافات بين عبد الناصر ورفاقه؟

مذكرات صلاح نصر.. ما هي أسباب الخلافات بين عبد الناصر ورفاقه؟

Changed

حلقة من "مذكّرات" تروي تفاصيل العلاقة بين جمال عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار (الصورة: تويتر)
في ظل غياب الرواية الرسمية لما حصل في "النكسة"، ظهرت شهادات ممن تسلّم مسؤوليات في تلك الفترة، محاولين إلقاء المسؤولية على غيرهم لتبرئة أنفسهم.

مرّت أكثر من 60 عامًا على حرب عام 1967، والمعروفة باسم "النكسة" كما يسميها البعض، أو الهزيمة كما يطلق عليها آخرون.

خسرت مصر في تلك الحرب الآلاف، وسط هزيمة سياسية ما زالت آثارها مستمرة إلى اليوم.

ولم تكن الهزيمة الجرح الوحيد الذي أصاب مصر، ولكن الجرح الأكبر يكمن في ما كشفته الهزيمة من حالة الصراع في جمهورية "الضباط الأحرار" الناشئة.

وفي ظل غياب الرواية الرسمية لما حصل، ظهرت شهادات ممن تسلّم مسؤوليات في تلك الفترة، محاولين إلقاء المسؤولية على غيرهم لتبرئة أنفسهم.

واحدة من هذه الشهادات، كانت مذكرات صلاح نصر، أحد أبرز الضباط الأحرار ورئيس المخبرات العام المصري بين عامي 1957 و1967، وأحد رموز الجمهورية العربية الموحد، والمؤسس الحقيقي لجهاز المخابرات المصرية.

بين الحربين

في مذكراته التي انقسمت إلى 4 أجزاء (نُشر منها 3 فقط وهي "الصعود والانطلاق والعام الحزين")، شهادة تحكي بالتفصيل كيف تعامل الضباط الصغار مع الأزمات الكبرى، والتي أظهرت الخلافات بين جمال عبد الناصر ورفقاء النضال.

وتكشف هذه المذكرات ما دار في كواليس الأيام الصعبة في حربي 1956 و1967، وما حصل بينهما من أحداث.

في هذا السياق، يرى المؤرخ د. عاصم الدسوقي، في حديث إلى "العربي" أن "نقطة ضعف عبد الناصر كانت علاقته بالأصدقاء والزملاء".

ويشير الدسوقي إلى أن "كان بقدرة عبد الناصر تحويل من يخالفه إلى المحاكم، لكنه كان يلجأ إلى المخاصمة فقط".

التنصت على الحياة الخاصة

في المذكرات، يترك نصر مكانًا للحديث عن عبد الناصر، الذي كان يخطط، بحسب الكاتب، إلى القضاء على القيادة الجماعية للثورة بهدف الانفراد بالحكم منذ عام 1952.

ويحكي نصر كيف كان عبد الناصر يجمع بين الذكاء والمكر، وكان يعرف ما يحصل في أوساط خصومه، مشيرًا إلى أن "عبد الناصر كان يحب معرفة الحياة الخاصة لزملائه ويعتمد على مصدرين، الصحافيين مصطفى أمين في بدايات الثورة، ومحمد حسنين هيكل في ما بعد، إضافة إلى جهاز مراقبة الهواتف التي أنشأها في منزله والتي كان يشرف عليها شخصيًا".

ويقول نصر في مذكراته: "كان عبد الناصر يحتفظ بهذه الأشرطة في خزانته، فإذا ما غضب على أحد منهم أخرج له الشريط وأسمعه إياه".

ويضيف: "أذكر يومًا أنه استدعى أحد الوزراء، وكانت وزارته قد فاحت فيها رائحة الرشوة والسرقة والاستغلال، فقرر عبد الناصر أن يقيل هذا الوزير فاستدعاه وتحدث معه".

ويتابع قائلًا: "قبل أن يقيله أخرج له شريط تسجيل خاص به، وأسمعه إياه على جهاز التسجيل، وكان حديثًا غراميًا بين الوزير وإحدى السيدات".

من هنا، يوضح أستاذ التاريخ في جامعة عين الشمس د. جمال شقرا، في حديث إلى "العربي"، أن "عبد الناصر كتب في أوراق سرية أنه كان يريد الكشف عن الضباب الذي يحيط بالحياة السياسية لمعرفة من مع الثورة".

صلاح نصر في فترة قيادته جهاز المخابرات - تويتر
صلاح نصر في فترة قيادته جهاز المخابرات - تويتر

دولة الرجل الواحد

بين عامي 1952 و1954، شهدت البلاد الكثير من التغيرات والأحداث، ويحكي نصر كيف استغل عبد الناصر الأحداث لتفتيت الأحزاب، مستشهدًا بما حصل داخل جماعة الإخوان المسلمين، إضافة لاستغلال الشيوعيين واستخدامهم كورقة في التفاوض مع الروس.

كما عمل عبد الناصر، وفق نصر، على تشكيل خلايا سرية تدين له بالولاء، لحسم الصراع داخل قيادة الثورة.

وبعد انتقال السلطة الجماعية إلى قيادة الرجل الواحد بين عامي 1955 و1956، بدأت تتشكل ملامح دولة عبد الناصر، حيث استدعى نصر ليعرض عليه منصب نائب مدير المخابرات عام 1956.

ويحكي نصر في مذكراته عن كواليس اللقاء، وكيف تردد قبل الموافقة لأن المخابرات العامة بنظره لا تعدو كونها للتجسس على الناس.

ويضيف: "السبب الأساسي للتردد كان الرغبة في الانفراد في التحكم بالمخابرات العامة، بعد التنافس على المنصب مع علي صبري وزكريا محي الدين".

ويتابع قائلًا: "قال لي عبد الناصر، سأعين علي صبري وزيرًا للدولة بعد عدة أشهر، أما زكريا فسيتفرغ لوزارة الداخلية، وستصبح أنت رئيس الجهاز المسؤول أمام رئيس الجمهورية شخصيًا".

وأوفى عبد الناصر بوعده، حيث عيّن نصر في مايو/ أيار 1957 رئيسًا لجهاز المخابرات.

العدوان الثلاثي وبداية الأزمة

بعد أيام من لقاء نصر وعبد الناصر عام 1956، تعرضت مصر لعدوان ثلاثي من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل.

يومها، تابع عبد الناصر بنفسه مجريات الحرب من وزارة الداخلية، ويروي نصر في مذكراته كثيرًا من كواليس ما دار يومها، مشيرًا إلى أن القيادي صلاح سالم التقى عبد الناصر ودعاه للاستسلام.

ويشير نصر إلى أن "عبد الناصر انفجر غاضبًا، وكان في حالة أشبه بالهستيريا وتذكّر نهاية الزعيم النازي أدولف هيتلر، فاقترح على مجلس قيادة الثورة الانتحار، بل وكلف زكريا محي الدين ليعد كمية من السم تكفي أعضاء مجلس الثورة".

ودشنت حرب عام 1956 بداية صراع بين رفقاء الثورة، وكانت بداية الصراع عام 1962، وبقي الوضع على حاله حتى عام 1967، وهو عام الفتنة كما يسميه نصر.

إلا أن فشل الوحدة مع سوري عام 1961 وما تبعه من أحداث، دفع عبد الناصر بالتفكير بتفكيك سلطة عبد الحكيم عامر في قيادة القوات المسلحة.

لذا قرر الرئيس المصري آنذاك تشكيل مجلس رئاسي، لتُنقل إليه صلاحيات القوات المسلحة. حينها قرر عامر الاستقالة.

جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر  - فيسبوك
جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر - فيسبوك

الاتهامات إلى نصر

بين عامي 1962 و1967، وبينما تصاعد الخلاف بين عامر وعبد الناصر، تحكّم نصر في جهاز المخابرات العامة، وهي السنوات التي اتهمته فيها النيابة العامة بـ"استغلال نفوذه لخدمة شهواته"، مما أدى لـ"انحراف جهاز المخابرات".

وتروي زوجة نصر السابقة اعتماد خورشيد، وهي الشاهد الوحيد لما حصل، كيف كان رئيس المخابرات يجند النساء، وسمّى المجموعة بـ"مجموعة السيطرة".

وتضيف خورشيد: "كانت الأماكن تجهز بأجهزة التصوير الدقيقة، وكانت تبدو وكأنها بلاتوهات للتصوير السينمائي، فتدخله الضحايا، وكانت هذه الطريقة من الوسائل للتجنيد".

من هنا، يشرح عاصم الدسوقي أن "صلاح نصر أساء استخدام منصبه، وكان يقوم بدار دعارة، ويمسك الفنانات بالذات ويجبرهن على التصوير ويهددهم بالفضائح للاستجابة إلى طلباته".

الهجوم الإسرائيلي

في 5 يونيو/ حزيران 1967، وجهت إسرائيل الضربة القاضية على الطيران المصري، وأمطرت السماء سائلًا من الحمم، وانتهت المعركة بشل القوات المصرية وتدمير عتادها.

ويحكي نصر في مذكراته كواليس ما دار في هذه اللحظات، مشيرًا إلى أن انسحاب القوات المصرية والمطاردة الإسرائيلية تحوّل إلى شبه سباق غير منتظم نحو قناة السويس، فتركت القوات المصرية العتاد في يد العدو".

ويقول نصر: "كل الأحداث التي تلت هزيمة عام 1967، كان الهدف منها هو القضاء على سلطة عبد الحكيم عامر وتنحيته من المشهد السياسي".

ويعتبر د. شقرا أن "العلاقة بين عامر وعبد الناصر، هي صداقة عصفت بها السياسة".

ويضيف: "عامر هو الضابط رقم 1 والذي كشف له عبد ناصر مبكرًا جدًا بأنه ينوي الانقلاب على الملك في مصر".

ويتابع قائلًا: "كانا صديقين، إلا أن عبد الناصر لم يجد أفضل من عامر لقيادة الجيش، ونظرًا لخبرته المحدودة، انسحب الجيش عشوائيًا، ففاض الكيل بين الصديقين".

دخول نصر إلى السجن

وفي 26 أغسطس/ آب من عام 1967، قدم نصر الاستقالة من المخابرات وتمت إحالته إلى المعاش في اليوم التالي.

وبعد أقل من شهر، أحيل إلى المحكمة، واتهم بمشاركة عامر بالتخطيط للسيطرة على الحكم والانفراد به، وعلى الإثر حكم عليه بالسجن 25 عامًا، لكن القضية الأشهر كانت "انحراف المخابرات"، والتي اتهم فيها بابتزاز فنانات.

في مذكراته لم يتطرق نصر لهذه القضية، لكنه يبرر هذه الأعمال ملمحًا بالقول: "إن المخابرات تستخدم كل السبل لتحقيق الأهداف التي ترسمها الدولة، وكل تفاصيل الجهاز يعلم بها رئيس الجمهوري الذي أعتبر مسؤولًا أمامه".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close