Skip to main content

"مسرحية دبلوماسية".. هل يتكرّر سيناريو أفغانستان في العراق؟

الأحد 15 أغسطس 2021

نهاية العام الحالي، ستتحوّل القوات القتالية الأميركية الموجودة على الأرض في العراق إلى قوات استشارية توجّه وتدرّب نظيرتها العراقية وتدعمها بمعلومات استخباراتية.

يأتي هذا وفق اتفاق أبرمه الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في رابع جولة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن.

لكن هذا القرار الذي لاقى ترحيبًا رسميًا وبرلمانيًا لم يخلُ من انتقادات داخلية وخارجية، حيث اعتبره البعض اتفاقًا شكليًا لا يتجاوز حدود الورق الذي كُتِب عليه.

أكثر من ذلك، وصف الإعلام الغربي هذا الاتفاق بـ"المسرحية الدبلوماسية"، فيما اعتبرته بعض الفصائل العراقية تغييرًا للتوصيف على الورق كون الوجود الأميركي في العراق متفق عليه ضمنيًا بين كل من يتولّى السلطة في بغداد.

إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، فهل ستنهي واشنطن فعلًا وجودها العسكري في العراق بموجب الاتفاق الأخير بين بايدن والكاظمي؟ وأي انعكاسات لانسحاب القوة الأميركية على التوازنات الداخلية الهشة والوضع الأمني المنفلت؟

وقبل هذا وذاك، إلى أي مدى ستدفع استراتيجية واشنطن في العراق بالقوى الإقليمية لملء الفراغ الأمني؟ وهل سيتكرر سيناريو أفغانستان في العراق؟

تخوّفات من انسحاب واشنطن العسكري

لا تخفي بعض مكوّنات المشهد السياسي العراقي تخوّفاتها من انسحاب واشنطن العسكري، خصوصًا مع انتشار السلاح وانفلاته في البلاد.

ويرى كثيرون أنّ غياب القوات الأميركية سيشجّع بقية القوات الدولية على الانسحاب، وبالتالي سيمنح الفرصة للفصائل المسلحة والمحسوبة على قوى إقليمية، لا سيما إيران، من التوغّل على الأرض وسدّ الفراغ الأمني.

كما أنّ أربيل التي لطالما سعت لدعم الوجود الأميركي في العراق تخشى من تصاعد وتيرة هجمات تنظيم الدولة المباغتة والتي تطلّ برأسها بين الفينة والأخرى.

"مقاصد" الاستراتيجية الأميركية

إلى ذلك، قد تجنّب واشنطن من خلال الاتفاق الهجمات على قواتها في بلاد الرافدين وتخفّف الضغط على حليفها في بغداد مصطفى الكاظمي، لكن مقاصد استراتيجيتها تبدو أبعد من ذلك.

وفي هذا السياق، تقول التفسيرات إنّ الولايات المتحدة بصدد حشد قدراتها وإعادة ترتيب أوراقها لمواجهة التمدد الصيني والروسي في المنطقة، وبتكتيك يختلف عمّا اعتادت عليه الإدارة الأميركية لعقدين كاملين.

ويطرح ذلك تساؤلات عن الاستقرار والسلام في العراق، إذا ما ظلّ ساحة لصراع القوى الإقليمية والدولية.

التغيير لن يكون كبيرًا بالنسبة لواشنطن

بحسب الباحث في الشأن العراقي مصعب الألوسي، فإنّ العراق هو من دعا الولايات المتحدة للمشاركة في محاربة "تنظيم الدولة".

ويشير الألوسي، في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى أنّه بعد دحر تنظيم "الدولة"، استمرت الولايات المتحدة بوجودها في العراق.

ويلفت إلى أنّ القوات الأميركية كانت بعدد ضئيل، وكان هناك تنسيق بين الجيشين العراقي والأميركي، لكن بسبب ضغوطات حلفاء إيران في العراق كانت هناك هجمات مستمرة على القوات الأميركية.

ويلاحظ أنّ هذا الضغط زاد بكثافة بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

ويخلص الألوسي إلى أنّ الاستراتيجية الأميركية هي الانسحاب من الشرق الأوسط، كما يحصل في أفغانستان. ويرى أنّ الإطار العراقي يأتي ضمن هذا الانسحاب الأعمّ، إضافة لموجبات دعم الكاظمي نوعًا ما كونه مقرب من الولايات المتحدة.

ويشدّد على أنّ التغيير لن يكون كبيرًا بالنسبة لواشنطن في مطلق الأحوال.

إعادة توصيف رسمي لحقيقة ثابتة

من جهته، يعتبر الأكاديمي والباحث السياسي العراقي عقيل عباس أنّ القرار هو إعادة توصيف رسمي لحقيقة واحدة لم تتغير على الأرض، وذلك فقط من أجل تقوية حليف الولايات المتحدة في العراق مصطفى الكاظمي.

ويشير عباس، في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، إلى أنّ الحكومة العراقية بحاجة لإعادة التوصيف هذه في صراعها غير المعلن مع المجاميع الميليشيوية المتحالفة مع إيران.

ويقول: "عمليًا لن يتغير أي شيء على الأرض لكن هناك ضغط سياسي كبير على حكومة الكاظمي وعبر إعادة التوصيف هذه تستطيع التعامل مع هذا الضغط".

ويعرب عباس عن اعتقاده بأنّ الجسم السياسي الشيعي الأكبر دعم إعادة التوصيف هذه، كما أنّ معظم القوى السياسية الشيعية، بما فيها حتى تلك القريبة من إيران، قبلت بإعادة التوصيف هذه.

ويرى أن الأمور ذاهبة نحو هدنة بانتظار إجراء الانتخابات كي نرى شكل الوضع السياسي الجديد، مضيفًا: "بعد ذلك ستقوم المجاميع الميليشيوية أو السياسية بإعادة التموضع على أساس نتائج الانتخابات".

امتحان عسير للدولة العراقية

أما مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر محجوب الزويري، فيتحدّث عن 3 مراحل لتطور العلاقة الأميركية العراقية بدأت بالاتفاق الأمني بين الجانبين عام 2008 واستمر حتى 2011.

ويشير الزويري، في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى أنّ المرحلة الثانية نقلت الملف إلى الإطار الاستراتيجي، حيث أرادت طالبان من خلاله وضع الخطوة الأولى التكتيكية للانسحاب التدريجي من دورها في العراق.

ويعتبر أنّ هذه الخطوة كانت تمهيدًا لما اتخذته في الأيام الماضية في تحويل قدراتها القتالية في العراق إلى خبرات استشارية ليس إلا.

ويرى أنّ "هذا غير منفصل عمّا يجري في الإقليم"، ملاحظًا أنّ "المنافس الأساسي للولايات المتحدة في العراق هي إيران".

ويذكّر بأنّ واشنطن اعتمدت سياسة الضغوط القصوى ضد إيران وكان أحد فصولها مقتل قاسم سليماني. ويقول: "كل هذه التفاعلات دفعت باتجاه تيار سياسي داخل العراق للضغط على الحكومة لدفعها لمطالبة واشنطن بالانسحاب من العراق".

ويعرب عن اعتقاده بأنّ انسحاب القوات الأميركية يخلق فراغًا أمنيًا وسياسيًا في العراق، ويحذر من أنّ ما يصفها بالمؤسسات الأمنية الموازية هذه ستكون أكثر فاعلية مما يعرّض الدولة كلاعب أساسي إلى امتحان عسير.

المصادر:
العربي
شارك القصة