Skip to main content

"موت على قيد الحياة".. قصص مأساويّة لـ"عرائس" في عمر الزهور

الإثنين 21 يونيو 2021

يومًا وراء آخر، تواصل الحرب تعميق أزمات المجتمع اليمني المتفاقمة في الأساس منذ سنوات. ومع انهيار مؤسسات الدولة وتدهور الاقتصاد وانتشار الفقر بسبب ستّ سنوات من الصراع، تزايدت معدّلات انتشار عدّة ظواهر سلبيّة يعاني منها اليمنيون وسبق لهم أن حاولوا التخلّص منها دون جدوى.

على رأس تلك الظواهر السلبية، يأتي زواج القاصرات، حيث فتيات في عمر الزهور تحوّلن ما بين عشية وضحاها إلى مطلّقات وأرامل ومعلّقات، والأخطر هو وفاة بعضهنّ أثناء الولادة.

فكيف أثّرت الحرب على تفاقم معدلات زواج القاصرات؟ ولماذا تراجع الاهتمام بهذه الظاهرة على المستوى الرسميّ ومن جانب منظمات المجتمع المدني كذلك؟ وما هي الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والدينيّة وراء استمرار زواج القاصرات رغم التحذيرات الطبية والنفسية؟

من سعادة مأمولة إلى تعاسة ومأساة

كثيرة هي القصص المأساويّة لفتياتٍ أصبحن ضحايا في سنّ مبكرة وتحوّلت سعادتهنّ المأمولة إلى تعاسة ومآسٍ جعلتهنّ أقرب إلى الموت على قيد الحياة.

من هذه القصص، قصّة سمية فرحان التي توضح لـ"العربي" أنّ الأسباب الاقتصادية تقف وراء زواجها مبكرًا، فضلًا عن العادات والتقاليد التي جعلت من الزواج المبكر صورة خيالية واعدة، بعيدًا عن مآسي الواقع التي اكتشفتها، لكن بعد فوات الأوان.

ومن ضحايا زواج القاصرات أيضًا سناء غالب التي تزوّجت وعمرها 12 سنة وباتت الآن معلّقة في بيت أهلها مع طفليها، غير متزوّجة ولا مطلّقة. وتؤكد سناء لـ"العربي" أنّ الفقر هو السبب الرئيسي وراء زواجها المبكر، لكنّها تكشف عن دور العادات والتقاليد في الظاهرة، حيث تحكي ببراءة عن ترحيبها بالزواج حتى تستمتع بمراسم يوم الزفاف والفستان الأبيض.

أما حسناء قاسم التي تزوجت وهي في عمر 14 عامًا، فتكشف جانبًا آخر من المأساة، حيث دفعتها المعاملة السيئة من زوج أمّها إلى البحث عن الحنان في مكان آخر، وأن تخفف العبء عن أمّها التي تعول تسعة أطفال آخرين.

من جهتها، تزوّجت ندى الأهدم في عمر العاشرة، لكنّها نجحت بمساعدة عمّها في الهروب والعودة إلى حياتها بعد أن أثارت ضجّة كبرى بمقطع مصوّر تحكي فيه قصّتها. والمثير أنّ ندى أصبحت الآن من أبرز الناشطات في التوعية من مخاطر زواج القاصرات.

52% من فتيات اليمن يتزوّجن دون 18 عامًا

في اليمن، لا توجد أرقام موثّقة لضحايا زواج القاصرات حاليًا بسبب الحرب وانهيار مؤسسات الدولة، لكن هناك إحصائية قديمة للأمم المتحدة تفيد بأنّ 52% من فتيات اليمن يتزوّجن دون سنّ 18 عامًا. كما يشير التقرير الأممي إلى أنّ 14% من الفتيات اليمنيات يتزوّجن قبل سنّ 15 عامًا.

وتقول بعض منظمات المجتمع المدني: إنّ نسبة انتشار ظاهرة زواج القاصرات في اليمن تبلغ 35% في المدن، وتصل إلى نحو 70% في المناطق الريفية النائية.

ورغم معاناة اليمن من ظاهرة زواج القاصرات منذ سنوات طويلة، لكن الحرب زادت من معدلات الانتشار بسبب التدهور الاقتصادي وانهيار مؤسسات الدولة وظهور مخيمات النازحين، حيث تحوّلت قضية زواج القاصرات إلى قضية هامشية مقابل انتشار المرض والجوع والفقر.

وفي مايو/ أيار 2019، ذكر تقرير لمكتب تنسيق الأمم المتحدة في اليمن أنّ زواج الفتيات دون سنّ 18 عامًا ارتفع إلى نحو ثلاثة أضعاف بين عامي 2017 و2018.

مخاطر صحية على الفتيات

لعلّ أبرز مخاطر زواج القاصرات هي المخاطر الصحية على الفتاة نفسها والتي تصل أحيانًا إلى الموت.

وتقول دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف): إنّ امرأة واحدة و6 من حديثي الولادة يموتون كلّ ساعتين في اليمن بسبب مضاعفات أثناء الحمل أو الولادة. كما أنّ 1 من 15 فتاة مراهقة تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة أنجبت في هذه السن المبكرة.

وفي هذا الإطار، تكشف الطبيبة المتخصّصة في أمراض النساء والتوليد عائدة قاسم لـ"العربي" عن مآسٍ صحية تتعرض لها الفتيات أثناء الحمل والولادة. وتقول: "إضافة إلى الضرر النفسي، هناك ضرر بعد الزواج، حين يكون الرجل غير متفهم أنها طفلة، فيكون هناك عنف جنسي يمكن أن يؤدي إلى نزيف وتموت الطفلة". وتضيف: "عندما تحمل الطفلة تكون الكارثة، لا سيّما وأنّ الأعضاء التناسلية للمرأة لا تنمو بشكل كامل مئة بالمئة إلا بعد بلوغ 18 سنة".

العادات والتقاليد أولًا

في البحث عن الأسباب، تأتي العادات والتقاليد في المرتبة الأولى، إلى جانب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، وترسّبات الحرب الدموية في اليمن.

وفي هذا السياق، تقول المحامية أمل الصبري عن اتحاد نساء اليمن لـ"العربي": إنّ السبب الرئيسي يبقى في العادات والتقاليد المتوارثة في المجتمع اليمني، إضافة إلى الحرب التي أثّرت اقتصاديًا على الناس بشكل كبير، حيث باتت الأسَر لا تستطيع أن تجد قوت يومها، فيشعر الأب بعبء كبير ويفضّل التخلي عن جزء من المسؤوليات.

من جهته، يتحدث المحامي علي الصراري من منظمة سياج لحماية الطفولة عن نزوح أدّى إلى تفاقم ظاهرة زواج القاصرات، مشيرًا إلى أنّ معظم أماكن النزوح لا يوجد فيها مدارس، فتُجبَر الفتيات على الزواج.

الفتوى الدينية "تعرقل" منع زواج القاصرات

ويُعتبَر الدين أكثر العوامل تأثيرًا في الثقافة والعادات والتقاليد اليمنية، ويأتي زواج القاصرات على رأس القضايا المثيرة للجدل دينيًا، حيث يقول نشطاء: إنّ الفتوى الدينية هي المعرقلة لإصدار قانون يمنع زواج القاصرات فيما يقول علماء دين مؤيدون لهذا المنع إنّهم رغم ذلك، لا يفتون أو يدعون إلى زواج القاصرات.

وفي هذا السياق، يقول عضو هيئة علماء اليمن علي القاضي لـ"العربي": "الزواج ليس له في الإسلام سنّ معيّنة، فيصحّ زواج الصغيرة ويصحّ زواج الكبيرة، لكن هناك ضوابط لذلك، وهذه المسألة مُجمَع عليها".

ويضيف: "بعض العلماء يقولون إنّه إذا زوّج الأب ابنته الصغيرة، فيجوز لها أن تفسخ عقدها بمجرد أن تبلغ، لكن الزفاف لا يجوز إلا عندما تكون مطلقة للجماع، مدركة له، متحمّلة بدنيًا ونفسيًا ونحو ذلك، وهذه المسألة تختلف باختلاف الأعراف والبيئات".

ويشدّد على أنّ جميع العلماء يفضّلون أن تتأخّر البنت في الزواج حتى تكبر وتنضج جسديًا وعاطفيًا، ويقول: "أنا شخصيًا لا أدعو لتزويج البنت الصغيرة، لكن في الوقت نفسه، لا يصحّ أن نضع قانون يحظر زواج القاصرات".

الحرب تستمرّ في حصد "عرائس الموت"

في النهاية، مثل كل أزمات اليمن، يبدو أنّ ظاهرة زواج القاصرات لن تجد طريقها للحلّ إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها. حينها، يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تعيد إثارة القضية من جديد مجتمعيًا وإعلاميًا، وحينها يمكن لعلماء الدين نشر الوعي ومحاربة الجهل، وحينها يمكن لمؤسسات الدولة المستقرّة أن تفرض القانون.

لكن، قبل أن يحدث ذلك، فلا صوت يعلو على مواجهة المرض والجوع والفقر، ولتستمر الحرب في حصد "عرائس الموت".

المصادر:
العربي
شارك القصة