Skip to main content

موجة انتفاضات متوقعة.. العرب "أكبر المتضررين" من حرب أوكرانيا

الإثنين 28 مارس 2022

لا تقف تداعيات الحرب في أوكرانيا على ما تخلّفه على الأرض، ولا على حرب التصريحات والصفقات السياسية وحسابات التحالفات الإقليمية والدولية.

فقد عبرت هذه الحرب الحدود لتزعزع سوق النفط والمال ولتتطاير شظاياها نحو الأمن الغذائي العالم، والعرب أكبر المتضرّرين.

وفي هذا السياق، تواجه الدول المنتجة للنفط والغاز ضغوطًا غير مسبوقة لزيادة إنتاجها وتعويض إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا.

في المقابل، تتزايد المخاوف من انقطاع إمدادات الغذاء بسبب تعطّل عمليات الشحن عبر البحر الأسود إلى جانب تحذيرات برنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي من السيناريو الأسوأ في ظلّ صعوبات متوقعة في جمع المحاصيل.

خلل واضح في إستراتيجيات المنطقة العربية

في التفاصيل، تدور الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ أكثر من شهر، بين أول وخامس أكبر منتجي الحبوب والزيوت النباتية في العالم، إذ تستحوذ موسكو وكييف على 30% من صادرات القمح عالميًا، تذهب 60% منها إلى الدول العربية.

ويفاقم ارتفاع سعر القمح في الأسواق العالمية 13% وتكلفة الشحن الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط الوضع الاقتصادي في كل من المغرب وتونس وسوريا واليمن، فضلًا عن لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة ويواجه مصيرًا مجهولًا مع انخفاض احتياطي القمح إلى أدنى مستوياته.

أما مصر فليست أفضل حالًا، إذ ستضطر القاهرة إلى إقرار زيادة في الموازنة العامة بـ15 مليار جنيه لتغطية العجز. ولا شكّ في أنّ زيادة الموازنات ستثقل كاهل شعوب دول المنطقة، حتى تلك التي استفادت من ارتفاع أسعار النفط والغاز، ولا سيما الجزائر والعراق.

يحدث هذا في منطقة تقدَّر مساحاتها الصالحة للزراعة بنحو مليوني كيلومتر مربع، تعادل المساحة الكلية لدول تصنَّف معظمها ضمن أكبر الدول المنتجة للقمح في العالم، كالمجر وبولندا ورومانيا وأوكرانيا.

وتضع المؤشرات والأرقام في الميزان الخلل الواضح في إستراتيجيات المنطقة العربية بشأن أمنها الغذائي ما ينذر بتوترات سياسية واجتماعية، قد تفرضها موجة انتفاضات واحتجاجات متوقعة، وفق تقارير دولية.

الأرقام تكشف "المستور"

هكذا إذًا، للهجوم الروسي على أوكرانيا تبعات وتأثيرات على السوق العالمية وإمدادات الغاز والنفط، وخصوصًا على السلع الغذائية. وفي مقدمة المتضرّرين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي هذا السياق، تفيد الأرقام بأنّ الدول العربية تستأثر بأكثر من 38% من القمح الأوكراني و42% من القمح الروسي، نظرًا لانخفاض السعر وتكلفة الشحن، وفي مقدّمتهم لبنان الذي يعتمد بشكل كبير على القمح الأوكراني، ومصر التي تؤمّن أكثر من 50% من احتياجاتها من القمح الروسي.

كما يذهب 40% من صادرات أوكرانيا من الحبوب والذرة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالتالي تمثّل أوكرانيا واحدة من أهمّ الدول التي تصدّر الغذاء لهذه الدول.

وتستورد معظم الدول العربية 55% من احتياجاتها من المواد الغذائية الأساسية، كالذرة والسكر واللحوم والزيوت النباتية وغيرها من المواد الأساسية.

أضف إلى ذلك أنّ سدّ الحاجات الرئيسة لبعض الدول العربية يكلفها أعباء مالية كبيرة، فمؤشر الأمن الغذائي لعام 2021 وضع بعض البلدان العربية في آخر الترتيب لا سيما السودان واليمن وسوريا.

وبالفعل، ارتفع مؤشر أسعار المواد الأساسية في الدول العربية إلى مستوى 200 خلال شهر فبراير/ شباط، وفقًا للتقرير الذي يصدر شهريًا من منظمة الأغذية والزراعة.

وسيزيد ارتفاع أسعار النفط أيضًا من اضطراب موازنات هذه الدول وسدّ حاجاتها من السوق العالمية. ووفق البنك الدولي، فإنّ ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب حرب روسيا على أوكرانيا قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وإفريقيا، وقد يؤدي إلى تنامي الاضطرابات الاجتماعية.

فجوة غذائية وعجز متنامٍ في العالم العربي

يميّز المتخصص في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي خالد بن راشد الخاطر بين دول سوف تتأثر إيجابًا بمآلات الحرب وهي الدول النفطية أو المصدّرة للنفط، وأخرى سوف تتأثر سلبًا وهي الدول المستوردة للنفط وللغذاء من روسيا وأوكرانيا.

ويشير في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى وجود فجوة غذائية حقيقية في العالم العربي وإلى عجز متنامٍ في الاكتفاء الذاتي. ويوضح أنّ العالم العربي يستورد ما مقداره 63% من احتياجاته من القمح من الخارج و75% من الذرة و65% من السكر و55% من احتياجاته من الزيوت والأرز إلى آخره.

ويلفت إلى أنّ روسيا هي المصدّر الأول للقمح في العالم وأوكرانيا هي المصدّر الخامس فيما مصر هي المستورد الأول للقمح في العالم، في دليل آخر على هذه الفجوة، وما يمكن أن يترتّب عنها.

وينبّه إلى أنّ الدول العربية ولا سيما دول المغرب ومصر والسودان وسوريا واليمن هي عرضة للخطر على مستوى الأمن الغذائي. ويشير إلى أنّ دول الخليج رغم أنها تستورد احتياجاتها من الخارج إلا أنها في وضع أفضل نسبيًا من الدول العربية الأخرى التي ستتعرض لصدمة مزدوجة، على مستوى ارتفاع أسعار الطاقة وكذلك النقص في الإمدادات الغذائية.

ويحذر من أنّ هذا الأمر قد يؤدي إذا طال أمد الحرب، إلى ضغوط كبيرة على هذه الدول وعلى موازناتها وتوفير هذه المواد الأساسية لشعوبها وربما يؤدي لزعزعة الاستقرار الاجتماعي فيها.

تأثيرات "غير واضحة" على وضع الطاقة

من جهته، يميز المستشار الاقتصادي ومدير مركز المعلومات ودراسات الطاقة مصطفى البزركان بين الدول العربية النفطية، أي الخليجية، والدول العربية الأخيرة، لناحية التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية.

ويوضح في حديث إلى "العربي"، من لندن، أنّ التأثيرات السلبية لحرب أوكرانيا على الوطن العربي لناحية وضع الطاقة لا تزال غير واضحة، ولا سيما أنّ الدول العربية النفطية أي الدول الخليجية تشترك مع روسيا في ما يطلق عليه مجموعة أوبك بلاس.

ويلاحظ أنّ منظمة أوبك + لا تزال ملتزمة بقراراتها وهي لم تضغط على نفسها حتى الآن برفع الإنتاج كما تطلب بعض دول الغرب، ورغم كلّ الضغوط التي تُمارَس في هذا الإطار، وخصوصًا في ضوء دعوة واشنطن للدول الأوروبية لإيجاد "بدائل" عن روسيا.

لكنّ البزركان يؤكد أنّ التأثيرات على مستوى الأمن الغذائي بالنسبة إلى الدول العربية الأخرى، أي غير المنتجة للنفط، كبيرة، سواء لناحية ضعف الإمداد على صعيد مواد أساسية، أو حتى لناحية الغلاء في منتجات أخرى.

ويلاحظ في هذا الإطار أنّ القطاع الزراعي ضعيف في العالم العربي، وأوكرانيا وروسيا تزوده ليس فقط بالقمح ولكن حتى بالأسمدة، وبالتالي فإنّ هذا الأمر سيؤثر حتى على الزراعة بمستوها المتواضع في العالم العربي.

هل تكون حرب أوكرانيا "فرصة" للعرب؟

أما أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر زهير بوعمامة فيعتبر أن تأثيرات الحرب الأوكرانية على المنطقة العربية لم تكن مفاجئة، ويأسف لكون العرب لم يستفيدوا من دروس سابقة خصوصًا بعد جائحة كورونا التي أثبتت أن الأزمات يمكن أن تؤثر على سلاسل الإمداد الغذائي وتعطّلها.

ويرى في حديث إلى "العربي"، من الجزائر، أنّ الأمر يعيد العرب إلى سؤال كبير يتمحور حول ما يجب أن يفعلوه لمعالجة هذا الخلل وإنهاء وضع التبعية في غذائهم في سلعة أساسية إستراتيجية كالقمح والحبوب.

ويلاحظ أنّ الكثيرين اكتشفوا بنتيجة هذه الحرب أنّ روسيا وأوكرانيا هما سلة غذاء العرب في هذه المادة الإستراتيجية، مضيفًا أنّ هذه الأزمة بتداعياتها تطرح تحديات كبرى على العرب لكنها يمكن أن تشكل فرصة حقيقية للاستيقاظ.

ويلفت إلى أنّ العالم العربي لا يعاني بمعطيات تحقيق الأمن الغذائي، فهناك دول لا تملك أراضي صالحة للزراعة كالدول الخليجية لكن في المقابل هناك دول لديها ملايين الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة، وبالتالي يمكن التوصل إلى توازن بين الطرفين لناحية الاستثمارات.

المصادر:
العربي
شارك القصة