رفض حزبي ونقابي للاستئثار بالسلطة.. قرارات سعيد تشل المؤسسات الدستورية
تبدو تونس أمام منعطف سياسي ودستوري حاسم، وسط ترقب لدى المواطنين للأوضاع، في ظل ضبابية المسار الديمقراطي بالبلاد.
فقد تحوّل قصر قرطاج إلى مركز للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ حيث حصر الرئيس قيس سعيّد السلطات بيده، وبات يصدر قرارات الإعفاء وتجميد عمل المؤسسات من القصر الرئاسي.
ويرى الكاتب الصحافي مراد علالة، في حديث إلى "العربي"، أن المخاوف "مشروعة" بعد اختزال رئيس الجمهورية للسلطات الثلاث.
ويؤكد أن من حق الناس أن تكون "حذرة"، لكن "المجتمع السياسي والمدني في تونس يشكّل اليوم ضمانة للديمقراطية".
حراك حزبي
ورغم إصابة قرارات الرئيس المؤسسات الدستورية بالشلل التام، إلا أن حراكًا حزبيًا ونقابيًا قابل ذلك، عبر المطالبة بتحديد مدة زمنية للإجراءات الرئاسية.
فمدّت حركة النهضة يدها للحوار؛ حيث أكد مستشار رئيس حركة النهضة التونسية رياض الشعيبي، في حديث إلى "العربي"، استعداد الحركة للحوار، "شرط تراجع سعيّد عن قراره تجميد عمل البرلمان".
كما حذّر الشعيبي من وجود محاولات لإقصاء حركة النهضة.
من جهته، أكد الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية تونسية أنه تأكد من "صحة وسلامة الإجراءات والقرارات" التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد.
وقال الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل محمد علي البوغديري: "سنقدم في الأيام المقبلة خارطة طريق تتضمّن عديد التصورات المتعلقة بالجانب السياسي والاقتصادي إلى رئاسة الجمهورية".
وأضاف: "لن نبقى مكتوفي الأيدي، لأن تونس في حاجة إلى وقفة حقيقية، ويجب أن نمد يدنا لإنقاذ البلاد، وسنعمل على دعم رئاسة الجمهورية للقيام بالإصلاحات".
من جهتها، أكدت عضو المرصد الدولي لحقوق الإنسان في تونس ريم حمدي، في حديث إلى "العربي"، أن مشكلة تونس اليوم تتمثل في أنه بعد 10 سنوات من الديمقراطية والتعددية، "جاء شخص واحد دون خبرة سياسية يريد أن يتفرّد بالحكم وأن يكون رئيس كل شيء".
بورصة الأسماء
وفي السياق عينه، أكد مراسل "العربي" وجود ترقّب عند المواطنين، بعد نشر "بورصة أسماء" مرشّحة لتولي منصب رئاسة الحكومة.
وأوضح المراسل أن الصمت يخيّم على هذا الملف في الأروقة الرسمية، في ظل الحديث عن 4 أسماء بارزة بينها وزراء سابقين.
خيارات خاطئة
كما أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء أمس الأربعاء، أن البلاد تواجه وضعًا اقتصاديًا صعبًا وجائحة كوفيد-19.
وبرر سعيد الإجراءات، التي تضمنت إقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان، مشيرًا إلى شدة تفشي الوباء وسوء الإدارة، واعتبر أنه تحرك لإنقاذ البلاد من الفساد ومن مؤامرات لإثارة الفتنة الأهلية.
ونشرت الرئاسة تسجيلًا مصورًا يظهر سعيد يقول لرئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية: إن "الاختيارات الاقتصادية الخاطئة" تسببت في ضغوط مالية كبيرة على البلاد.
ودعا الرئيس التونسي في التسجيل المصور التجار إلى خفض الأسعار وحذرهم من تخزين السلع أو المضاربة. وقال: إن 460 شخصًا سرقوا 13.5 مليار دينار (4.8 مليار دولار) من المال العام.
فتح تحقيق
من جهة أخرى، كشف مسؤول قضائي تونسي، أمس الأربعاء، أنه تم فتح تحقيق يشمل حزبي "حركة النهضة" و"قلب تونس" بتهمة "تلقي تمويل خارجي" أثناء الحملة الانتخابية لبرلمانيات عام 2019.
وقال الناطق الرسمي للمحكمة الابتدائية بتونس والقطب القضائي الاقتصادي والمالي محسن الدالي: إن قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي فتح تحقيقا بتهمة "تلقي تمويل خارجي" في 14 يوليو/ تموز الجاري.
وأضاف: إن التحقيق يشمل حزبي "حركة النهضة" و"قلب تونس" وجمعية "عيش تونسي".
وأشار إلى أن "العقوبات في مثل هذه الحالات تكون حسب اجتهادات القضاة، وقد تصل إلى منع السّفر و التوقيف وتجميد الأموال".
قرارات شعبوية
ويرى النائب في البرلمان التونسي عن كتلة أمل وعمل ياسين العياري أن تونس تحوّلت إلى "مملكة شعبوية عسكرية"، بعد قرارات رئيس الجمهورية الأخيرة.
ويوضح، في حديث إلى "العربي" من تونس، أن البلاد أصبحت "مملكة لأن جميع السلطات باتت في يد شخص واحد، وشعبوية لأن الخطابات الرئاسية تمس عواطف المواطنين، وعسكرية لأنها استغلّت البنادق لتنفيذ القرارات".
ويقول: مؤيدو سعيد لا يؤيدونه لأنه احترم الدستور، بل لأنهم تعبوا من الطبقة السياسية ويريدون التغيير.
ويضيف: ما كسر في الأيام الأخيرة "لا يمكن إصلاحه"، وسيبقى هناك إجراءات متقدمة ومتكررة.
التكيّف مع الواقع
من جهته، يعتبر الباحث وأستاذ التاريخ السياسي عبد اللطيف الحناشي أن سبب ما وصلت البلاد إليه اليوم هو مجلس النواب الذي أعطى صورة سيئة جدًا.
ويرى، في حديث إلى "العربي" من تونس، أن المجلس النيابي ساهم إلى حد كبير في إبعاد الناس عن الاهتمام بالشأن السياسي والقيم الديمقراطية التي نحلم في العيش بها.
ويضيف: البحث اليوم يجب أن يكون في كيفية التكيّف مع ما حصل وتطويره.