تلقّفت وسائل إعلام غربيّة، على مدار أشهر، ما يرويه الاحتلال الإسرائيليّ من مزاعم تشوّه صورة المقاومة الفلسطينية، بل وزادت عليها في بعض الأحيان.
ومن بين هذه المزاعم ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز الأميركية في الثامن والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ووصفت الصحيفة الأميركية ما نشرته بأنه تحقيق أخذ شهرين لجمع كافة الأدلة التي تشير إلى وقوع حالات اغتصاب من قبل عناصر من حركة "حماس" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
لكنّ ما توصلت إليه وحدة التحقيق من خلال المصادر المفتوحة في "التلفزيون العربي" يكشف ضعف الرواية الإسرائيلية وهشاشة الشهادات التي اعتمدت عليها الصحيفة.
معلومات لم تصدر عن عائلة غال
البداية مع الصورة الرئيسية لمقال صحيفة "نيويورك تايمز" التي تعود إلى عائلة Gal Abdush التي قُتِلت هي وزوجها في الساعات الأولى من انطلاق عملية "طوفان الأقصى".
في المقال، تعرَّف غال بالمرأة في الثوب الأسود التي تسرد الصحيفة مزاعم اغتصابها. هذه الرواية كذّبتها وشكّكت فيها Miral Alter، شقيقة لغال، والتي تظهر في الصورة أيضًا، من خلال التعليق على منشورٍ للصهيوني يوسف حداد، الذي حاول الترويج للمزاعم نفسها.
وقالت ميرال: إنه لا يوجد أيّ دليل لدى أسرتها بأنّ أختها اغتُصِبت قبل أو بعد موتها، وبأنّ الصحيفة صاحبة التحقيق أخذت الموافقة منهم على نشر مقالٍ لإحياء ذكرى غال وزوجها، دون إعلام العائلة بإضافة معلومات وتفاصيل حول مسألة اغتصابها، وهي المعلومة التي لم تصدر عن عائلة غال.
وأضافت ميرال أنّ "لعائلتها الحقّ في تزويدها بأيّ معلومة تؤكد تعرّض أختها للاغتصاب إذا كان هذا صحيحًا".
وأكد تحقيق "العربي" أنّ صاحبة هذا التعليق هي بالفعل شقيقة غال، وذلك من خلال العودة إلى حسابها على موقع "إنستغرام"، وبالبحث عنها أيضًا على موقع فيسبوك، حيث تنشر ميرال صورها مع أختها، وورقة نعيها أيضًا.
إذاً التشكيك في الرواية جاء أولًا من عائلة غال، وعليه، فكيف لصحيفة "نيويورك تايمز" الاستناد على معلومات لا تعرفها العائلة نفسها، واعتبارها دليلًا لتحقيقها؟ ولماذا أيضًا تمّ حذف تعليق ميرال على منشور يوسف حداد إن لم يكن دليلًا يطعن في ادعاءات الاحتلال؟
تعليقات محذوفة
أما الإخفاق الثاني، فقد جاء في شهادة Raz Cohen العسكري الذي خدم سابقًا في وحدة القوات التابعة للجيش الإسرائيلي وأحد الناجين من عملية السابع من أكتوبر.
ونشر كوهين على حسابه في "إنستغرام" صورة يظهر فيها وهو يختبئ مع صديقه بين الشجيرات خوفًا من اعتقاله من قبل مقاومي "حماس"، ولم يذكر في التعليق الذي حذفه لاحقًا أيّ معلومات عن مزاعم الاغتصاب.
وكذلك كانت تصريحاته التي خرج بها في عدّة لقاءات صحفية في الأيام الأولى من عملية "طوفان الأقصى"، لكن في العاشر من أكتوبر، بدأ كوهين بإضافة بعض المعلومات على شهادته، والتكلّم عن تفاصيل لم يذكرها سابقًا تدعم مزاعم الاحتلال عن وقوع حالات اغتصاب.
وفي توقيت هذه التصريحات، رصد تحقيق "العربي" أنه وبالتزامن معها، خرج أول تصريح إسرائيلي رسميّ حول هذه الرواية، الذي جاء في مكالمةٍ هاتفيةٍ بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن. ساعاتٌ قليلة تفصل بين التصريحين، ما يعزّز فرضية التواطؤ للترويج لهذه الرواية.
ودعمت صحيفة "نيويورك تايمز" ادعاءاتها بشهادةٍ لناجية تدعى Sapir تعمل كمحاسبة وتبلغ 24 عامًا، كما قيل إنّها تفضل عدم ذكر كنيتها حتى لا تتمّ ملاحقتها.
"اغتصاب مزعوم"
ولكن من خلال بحثنا، رصدنا اسم Sapir Cohen الذي يعود لامرأتين، إحداهما عمرها 29 عامًا وليس 24، كان قد أطلِق سراحها في عمليات تبادل الأسرى، ولم تذكر أيّ معلومة عن الاغتصاب. أما الأخرى فهي شرطيّة وليست محاسبة، ولم تذكر أيضًا أيّ تفاصيل عن الاغتصاب المزعوم.
ولم تجد الصحيفة الأميركية شهادة قوية تدعم هذه المزاعم، لكنها استعانت ببعض الاقتباسات والتحليلات التي روّجت من خلالها لوجود بعض الشهود الذين رفضوا الإدلاء بتصريحاتهم بسبب حالتهم النفسية.
بيد أنّ الرواية التي حاولت الصحيفة إعادة إحيائها كانت قد سقطت سابقًا، مع محاولة الاحتلال لتضخيمها، حيث حرّفت صحيفة "واشنطن بوست" تصريحًا لوزير الأمن يوآف غالانت، ردّد فيه أنّ العملية مخططٌ لها بدقة متناهية، حتى إنّ مقاتلي حماس حدّدوا النسوة اللاتي سيُغتصَبن، ومن الذي سيغتصبهنّ، على حد قوله.
وها هي الرواية نفسها تسقط مجدّدًا أمام الرأي العام، فإلى جانب ضعف الأدلة التي استندت إليها صحيفة "نيويورك تايمز"، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في الرابع من الشهر الحالي، إنّ الشرطة تواجه صعوبة في العثور على شهود عيان يؤكدون وقوع حالات اعتداء جنسيّ يوم السابع من أكتوبر. وفي هذا الإعلان، وفي المعطيات التي توصّلنا إليها، دلائل هشاشة ما نقلته الصحيفة الأميركية.