Skip to main content
البرامج -

اعتقالات وتوقيفات في تونس.. أيّ تأثير للأمن والجيش في المشهد السياسي؟

السبت 4 مارس 2023

اتسعت مؤخرًا دائرة الاعتقالات والتوقيفات في تونس لتشمل معظم قيادات الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة لتوجهات الرئيس قيس سعيّد، في مشهد يعيد التذكير بـ"الدولة البوليسية"، التي كانت عليها البلاد قبل الثورة.

وبقيت قضية إصلاح أجهزة الأمن في تونس مسار جدل منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي عام 2011. فقد جرت عدة محاولات لتطوير عملها وإعادة هيكلتها.

ورغم توافر الإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة إلاّ أنّ البنية الأساسية التي أرساها الرئيس المخلوع بقيت تقاوم كل محاولات الإصلاح والتطوير.

ولعلّ التركيبة البيروقراطية من المسؤولين والنقابات الأمنية شكلت جماعات ضاغطة للحفاظ على مكتسبات أفراد الأجهزة الأمنية وسلطتهم التي ورثوها من العهد السابق.

أولى محاولات الإصلاح

وكانت أولى محاولات الإصلاح على مستوى التنظيم الرأسي للمؤسسة عندما تم إلغاء منصب مدير عام الأمن الوطني في وزارة الداخلية وإحداث تغييرات كبيرة في ديوان الوزارة.

وجرت في تلك الفترة حملة إقالات واسعة في مختلف القطاعات الأمنية وتحويل مهام حفظ الأمن في المحافظات والمناطق إلى الإدارات التي تتبع وزارة الشؤون المحلية.

وكان من شأن هذه الإقالات والتعديلات في بنية المؤسسة الأمنية أن أدت إلى رد فعل عكسي وسلبي انعكس على استقرار المؤسسة وفعاليتها. كما أنها لم تغيّر في الواقع من سلوك أفراد السلك الأمني واستخدامهم للقوة المفرطة والتعذيب حتى في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة.

تساؤلات بشأن دور الشرطة في التأثير على المشهد السياسي بتونس - وزارة الداخلية التونسية

"التحذير" من دور الجيش

ومنذ نجاح الثورة التونسية تناوب على الداخلية عدد كبير من الوزراء، وهو منصب سياسي يتبدل بتبادل الحكومات والتشكيلات الوزارية، ما أفقد أي محاولة للتغيير ميزتي الديمومة والاستمرارية.

وهذا بدوره أعطى فسحة للبيروقراطية الأمنية في عمق المؤسسة للمناورة واللعب على التجاذبات السياسية بين مختلف التيارات والأحزاب في ظل غياب رؤية موحدة للإصلاح.

أمّا بالنسبة للمؤسسة العسكرية التونسية فقد بقيت في منأى عن التجاذبات السياسية بعد ثورة 2011، واحتفظت بالموقف المحايد مكتسبة تلك السمعة الجيدة بين التونسيين.

إلاّ أنّ ناشطين وحقوقيين بدأوا بالتحذير من انحراف دور الجيش بعد استمالته من قبل الرئيس سعيّد لدعم قراراته الأخيرة، ولعب دور سياسي لا يتسق مع الدور المفترض له في الدستور لحماية الدستور والمسار الديمقراطي والحيادية.

تساؤلات بشأن دور الشرطة

وتمسّ الاعتقالات في تونس أبرز القيادات الحزبية والسياسية المعارضة للرئيس قيس سعيّد. كما لم تستثن هذه الاعتقالات شخصيات مستقلة من صحفيين وناشطين مدنيين أعلنوا معارضتهم الصريحة لإجراءات الرئيس في 25 يوليو/ تموز 2021.

وبحسب المعارضة التونسية، استفاد سعيّد من صلاحيات موقعه كرئيس للجمهورية في تنفيذ إجراءاته الاستثنائية مستخدمًا أدوات الدولة في قمع خصومه عن طريق الأجهزة الأمنية وقوات الشرطة، التي تنفذ عمليات التفتيش والتوقيف والاعتقال.

وأصبح دور الشرطة والأجهزة الأمنية موضع تساؤل مع اتهام خصوم سعيّد له بالجنوح إلى الدكتاتورية والانفراد بصلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية. فهل تكون هذه الأجهزة الأداة الطيعة لتنفيذ أجندته وضرب المسار الديمقراطي وشلّ دولة القانون والحريات التي أرادها التونسيون وكانت منطلق ثورتهم؟.

لكن السؤال ينسحب أيضًا على المؤسسة العسكرية التي بدت بحسب المعارضة التونسية وكأنها تقف على الحياد حتى الآن، دون التدخل في المشهد السياسي ظاهريًا على الأقل حتى باتت تلقب بـ"المؤسسة الصامتة".

ابتكر الرئيس قيس سعيّد جسمًا أمنيًا أطلق عليه "المجلس الأعلى للجيوش" – الرئاسة التونسية

الامتحان الأول

وبموجب الدستور التونسي فإن رئيس الجمهورية يتولى مهمة القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وهو من الرؤساء القلائل الذين حاولوا بناء علاقة خاصة مع الجيش عبر زياراته المتكررة لثكناتهم وحضور العروض العسكرية.

وابتكر الرئيس التونسي جسمًا أمنيًا أطلق عليه "المجلس الأعلى للجيوش"، وهو جسم مواز لمجلس الأمن القومي الذي يضم في عضويته رئيس الحكومة والبرلمان. والهدف منه الاستفراد بقادة الجيش والأمن بمعزل عن الحكومة والبرلمان.

وكان الامتثال لأوامر سعيّد بإغلاق البرلمان في باردو والقصر الحكومي بالقصبة أثناء إجراءات يوليو، الامتحان الأول لعقيدة المؤسسة العسكرية بشأن ما إذا كانت حامية للديمقراطية ومؤسساتها الدستورية أم مستجيبة لقرارات الرئيس؟ مبررًا ذلك بصدور أوامر عليا في إشارة لقرارات سعيّد بوصفه قائدًا للقوات المسلحة.

المسألة لم تقتصر على ذلك، فإقحام القضاء العسكري في قضايا مدنية وإصدار مذكّرات التوقيف والتفتيش أعاد إلى الأذهان الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية من خلال تحييد خصوم الرئيس دون أن تكون مضطرة لاتخاذ مواقف معلنة.

ولطالما حذّرت أحزاب وقوى سياسية معارضة الرئيس التونسي من توظيف المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية في البلاد، مثل جبهة الخلاص الوطني التي حذرت على لسان رئيسها أحمد نجيب الشابي قبل أسابيع من أن هذا "التوظيف مضر بالبلاد وبحياد الجيش وسمعته العالية".

الاعتقالات الأخيرة في تونس لم تستثن شخصيات مستقلة من صحفيين وناشطين مدنيين – وزارة الداخلية التونسية

غياب إصلاحات جوهرية

وتعليقًا على هذه القضية، يرى الكاتب المتخصص في الشؤون المغاربية منصف السليمي أن الأجهزة الأمنية في تونس هي من المؤسسات القلائل التي لم تحدث بها "إصلاحات جوهرية" بعد مرور 12 عامًا على الثورة التونسية.

ويؤكد في حديث إلى "العربي"، من بون الألمانية، أن محاولات إصلاح المؤسسة الأمنية لم تكلل بالنجاح خلال السنوات الماضية، باعتبار أن هذه المؤسسة "ظلت في طور محاولات الاستقطاب والتوظيف السياسي".

ويشير كذلك إلى أنّ نشأة ما يسمى بـ"النقابات الأمنية" قد خلق قوة موازية للأجهزة الأمنية على مستوى التأثير السياسي وفي الشارع، مبينًا أن الرئيس قيس سعيّد وقبل اتخاذ إجراءاته الاستثنائية في يوليو 2021، "كان قد أطلق توجيهاته للقوات الحاملة للسلاح".

حشد المؤسسة الأمنية خلف سعيّد

ويوضح الكاتب منصف السليمي أنّ سعيّد، الذي أنشأ جدلًا حول الأجهزة الأمنية والعسكرية في تلك الفترة، "ربما كان يعد لتوحيد تلك القوات لتكون وراءه باعتباره الرئيس الذي يتمتع بالصلاحيات والسلطة المباشرة عليها".

ويقول: إنّ القوة الأمنية تعتبر العماد الأساسي في السياسات التي يعتمدها الرئيس قيس سعيّد منذ 25 يوليو 2021".

ولا يرى السليمي أن القوة الأمنية "موالية مئة في المئة" للرئيس سعيّد، لكنه يعتبرها "قوة مؤثرة لها مصالحها وتوجهاتها داخل النظام". ويشير إلى أنّ المؤسسة الأمنية ظلت تاريخيًا هي "اليد القوية التي يستخدمها رجل السلطة الأول، أيّ رئيس الدولة".

وخلافًا للرئيس الراحل زين العابدين بن علي، فإنّ سعيّد الذي جاء من خارج المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية، "يريد تغيير شكل النظام السياسي"، بحسب السليمي، الذي يعتقد أنه في نهاية خطوات سعيّد "سيكون هناك اصطدام بين المصالح الأمنية المرتبطة بلوبيات وجماعات أخرى وإرادته هو في إحداث التغيير في النظام وبنيته العميقة".

المصادر:
العربي
شارك القصة