الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

تذكرة للازدهار.. كيف تستفيد روسيا من تغير المناخ؟

تذكرة للازدهار.. كيف تستفيد روسيا من تغير المناخ؟

Changed

بيفيك بلدة ساحلية صغيرة في أقصى شمال روسيا
بيفيك بلدة ساحلية صغيرة في أقصى شمال روسيا (نيويورك تايمز)
توسّعت الأراضي الصالحة للزراعة مع ارتفاع درجة الحرارة، وبدأ المزارعون بزراعة الذرة في أجزاء من سيبيريا في خطوة لم تكن ممكنة في السابق بسبب الصقيع.

يُشكّل تغيّر المناخ كارثة تُهدّد العالم بالفيضانات والحرائق والجفاف، في ظلّ تكاليف مالية كبيرة لمُواجهة ذلك، إلا أن ذلك تحوّل إلى تذكرة لازدهار إحدى البلدات الروسية بالمحيط المتجمد الشمالي.

فقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن "بيفيك"، وهي بلدة ساحلية صغيرة في أقصى شمال روسيا، بدأت تستفيد من ارتفاع درجة الحرارة لتحريك عجلة الاقتصاد، حيث تمّ بناء ميناء جديد ومحطة جديدة لتوليد الكهرباء، وأعيد تعبيد الطرق للاستفادة من طفرة الشحن في القطب الشمالي.

وقالت فالنتينا خريستوفوروفا، أمينة متحف التاريخ المحلي: "أود أن أسميها ولادة جديدة. نحن في عصر جديد".

ومع ارتفاع درجة الحرارة، توسّعت الأراضي الصالحة للزراعة، وبدأ المزارعون بزراعة الذرة في أجزاء من سيبيريا، وذلك لم يكن ممكنًا في السابق بسبب الطقس البارد. كما انتعش الصيد البحري في مياه المحيط المتجمد بعدما توافرت فيه الأسماك.

كما فُتحت الأبواب أمام مشاريع التعدين والطاقة. وقد يُوفّر نشاط الشحن على مدار السنة مع حاويات "جليدية" مصمّمة خصيصًا، بديلًا لقناة السويس عبر طريق الشمال الروسي.

مشاريع اقتصادية

وفي الوقت الذي تُعدّ سياسة الكرملين تجاه تغيّر المناخ متناقضة، بدأت مجموعة من الشركات تدعمها الحكومة، خطة لاستثمار 735 مليار روبل (حوالي 10 مليارات دولار)، على مدى خمس سنوات لتطوير الممرّ الشمالي الشرقي، وهو ممرّ ملاحي بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي يُسمّيه الروس طريق البحر الشمالي. وتهدف الخطة لجذب الشحن البحري بين آسيا وأوروبا الذي يعبر الآن قناة السويس، وتمكين التعدين والغاز الطبيعي والمشاريع السياحية.

وكلما انحسر الجليد، ظهرت الفرص للمشاريع الاقتصادية. وقال باحثون في المركز الوطني لبيانات الثلوج والجليد ومقرّه كولورادو العام الماضي، إن الحد الأدنى لحزمة الجليد في فصل الصيف في المحيط المتجمّد الشمالي أقلّ بنحو الثلث من المتوسط في الثمانينيات.

عانت بيفيك من فشل المشاريع التجارية
عانت بيفيك من فشل المشاريع التجارية (نيويورك تايمز)

عودة الحياة

وفي السابق، عانت بيفيك من فشل المشاريع التجارية، وانخفض عدد سكانها، لكن الاحتباس الحراري أعاد لها الحياة من جديد، وارتفع عدد السكان بنحو 1500 شخص.

ونقلت الصحيفة عن ماريسول مادوكس، مُحلّلة شؤون القطب الشمالي في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين في واشنطن، قولها إنّ "روسيا تتحدّث عن مزايا نهج التكيّف مع تغير المناخ الذي تتبعه، لأنها تُريد تحقيق الإمكانات التجارية لمواردها من الوقود الأحفوري".

وأضافت أن الأدلة تُشير إلى أن "المخاطر بالنسبة لروسيا تفوق بكثير الفوائد، بغض النظر عن مدى تفاؤل الحكومة الروسية".

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول أن روسيا، إحدى الدول الأكثر تلويثًا في العالم، تُريد الوصول إلى حيادية الكربون بحلول عام 2060. وتهدف موسكو إلى خفض انبعاثاتها بحوالي 80% بحلول عام 2050، ولا سيما عبر التخلّي تدريجيًا عن الفحم كمصدر للكهرباء واستبداله أكثر بالطاقة النووية بين مصادر أخرى.

وقالت "روساتوم"، الشركة النووية الروسية الحكومية التي تُنسّق الاستثمار في ممرّ الشحن، إن المبادرة "تستفيد من تغيّر المناخ، ولكنها ستُساعد أيضًا في مكافحته من خلال تقليل الانبعاثات من السفن المبحرة بين أوروبا وآسيا بنسبة 23% ، مقارنة بقناة السويس الأطول بكثير".

بديل لقناة السويس؟

وارتفعت حركة السفن في القطب الشمالي الروسي بنحو 50% العام الماضي، رغم أنها لا تزال تُمثّل 3% فقط من حركة المرور عبر قناة السويس.

لكن يوري تروتنيف، نائب رئيس الوزراء، قال إن التشغيل التجريبي في فبراير/ شباط الماضي بسفينة تجارية مُعزّزة بشكل خاص قدّم دليلًا على أنه يُمكن عبور الممر في الشتاء، لذلك من المتوقّع أن ترتفع حركة المرور بشكل حاد عندما يُفتح الطريق على مدار العام العام المقبل.

وعن الخطة، قال تروتنيف: "سنأخذ النقل تدريجيًا بعيدًا عن قناة السويس".

وبدأ تدفّق الاستثمارات على مشاريع القطب الشمالي. ففي يوليو/ تموز الماضي، وقّعت "روساتوم" صفقة مع موانئ دبي العالمية لتطوير الموانئ وأسطولًا من سفن الحاويات من الدرجة الجليدية مع هياكل معزّزة صُنعت خصيصًا للتنقّل في البحار الجليدية.

بلغ متوسط درجة الحرارة 2.1 درجة فهرنهايت في بيفيك
بلغ متوسط درجة الحرارة 2.1 درجة فهرنهايت في بيفيك (نيويورك تايمز)

استثمار دولي

كما أدى ذوبان الجليد إلى جعل مشاريع النفط والغاز الطبيعي والتعدين أكثر ربحية، ما قلّل من تكاليف شحن الإمدادات وإخراج المنتجات. ويقوم مشروع مشترك بمليارات الدولارات بين شركة "نوفاتك" الروسية و "توتال" الفرنسية، و"سي أن بي سي" الصينية ومستثمرين آخرين، بتصدير حوالي 5% من الغاز الطبيعي المسال الذي يتمّ تداوله على مستوى العالم عبر المحيط المتجمد الشمالي.

وبشكل عام، يقول محلّلون إن ما لا يقلّ عن ستّ شركات روسية كبيرة في مجال الطاقة والشحن والتعدين ستستفيد من ظاهرة الاحتباس الحراري.

ولعل أبرز الفوائد هو أنه بالنسبة لسكان بيفيك، ورغم الاحتباس الحراري، يبدو الطقس باردًا وبائسًا كما كان دائمًا، على الرغم من أن متوسط ​​درجة الحرارة 2.1 درجة فهرنهايت يعتبر دافئًا مما كان عليه قبل 20 عامًا.

وقالت أولغا بلاتونوفا، أمينة مكتبة، إن ظاهرة الاحتباس الحراري كانت "ميزة إضافية من وجهة نظر اقتصادية". ومع ذلك، تقول إنه في ضوء التغييرات المُكلفة والخطيرة في جميع أنحاء العالم، ليس لديهم سبب للاحتفال.

وحتى هنا، فإن الآثار البيئية غير مؤكدة يقول الكثيرون، مُستشهدين بالمظهر المُقلق في السنوات الأخيرة لقطيع من الغربان الصاخبة لم يسبق له مثيل من قبل.

كما تأسف بلاتونوفا لأن "أحفادنا وأحفاد أحفادنا لن يختبروا الشمال المتجمّد كما عشناه".

المصادر:
ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close