الثلاثاء 12 نوفمبر / November 2024

بين مطالب روسيا والغرب.. حرب أوكرانيا تختبر قوة عمالقة التكنولوجيا

بين مطالب روسيا والغرب.. حرب أوكرانيا تختبر قوة عمالقة التكنولوجيا

شارك القصة

تقرير حول تداعيات العقوبات الغربية على روسيا (الصورة: غيتي)
أصبح الهجوم الروسي على أوكرانيا لحظة جيوسياسية حاسمة لبعض أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، لكنها تجد نفسها مضطرة لاختيار أحد الجانبين.

موازاة مع تقدم العملية العسكرية الروسية في الميدان الأوكراني تخوض شركات التكنولوجيا ومنها "غوغل" و"ميتا" و"تويتر" و"تلغرام" صراعًا من نوع آخر، فهي عالقة بين مطالب كل من أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

فقد أصبح الهجوم الروسي على أوكرانيا لحظة جيوسياسية حاسمة لبعض أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، حيث تحولت منصاتها إلى ساحات قتال رئيسية لحرب معلومات موازية وأصبحت بياناتها وخدماتها روابط حيوية في الصراع.

وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، اضطرت "غوغل" و"ميتا" و"تويتر" و"تلغرام"، وغيرها إلى تأطير ممارسة هذه القوة، وسط مطالب متصاعدة من قبل المسؤولين الأوكرانيين والروس والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ماذا فعلت شركات التكنولوجيا؟

ناشد القادة الأوكرانيون، الجمعة، شركات "أبل" و"ميتا" و"غوغل" لتقييد خدماتها داخل روسيا. ثم منعت شركتا "غوغل" و"ميتا" (المالكة لفيسبوك)، وسائل الإعلام الروسية التي تديرها الدولة من بيع الإعلانات على منصاتها. كما تحدث سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة "غوغل"، أيضًا مع كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي حول كيفية مواجهة التضليل الروسي.

وفي الوقت نفسه، هدد تطبيق "تلغرام"، وهو تطبيق مراسلة واسع الاستخدام في روسيا وأوكرانيا، بإغلاق القنوات المتعلقة بالحرب بسبب انتشار المعلومات الخاطئة. 

وفي هذا الأسبوع، قال موقع "تويتر": "إنه سيصنف جميع المنشورات التي تحتوي على روابط لوسائل إعلامية روسية تابعة للدولة". 

ومن جهة أخرى، قالت "ميتا" و"يوتيوب" إنهما سيقيدان الوصول إلى بعض هذه المنافذ في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي "لدرء الدعاية للحرب". 

فرصة لتلميع الصورة

بالنسبة للعديد من هذه الشركات، تعدّ الحرب فرصة لتحسين صورتها بعد مساءلتها في السنوات الأخيرة عن الخصوصية وهيمنة السوق ونشر محتوى سام ومثير للانقسام.

وتقطف شركات التكنولوجيا الفرصة لإظهار قدرتها على استخدام تقنياتها بطريقة لم نشهدها منذ الثورات العربية عام 2011، عندما ربطت وسائل التواصل الاجتماعي بين النشطاء وتم الترحيب بهم كأداة للديمقراطية.

لكن شركات التكنولوجيا تواجه قرارات صعبة. وقد تكون أي خطوة خاطئة مكلفة، مما يضيف مزيدًا من الزخم للجهود المبذولة في أوروبا والولايات المتحدة لتنظيم أعمالها أو دفع روسيا لحظرها تمامًا.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن يائيل آيزنستات، الزميلة في معهد بيرجروين للأبحاث في لوس أنجلوس، قولها: " كانت هذه الشركات تريد جميع مزايا احتكار اتصالات العالم دون أي مسؤولية عن الانجراف في الجغرافيا السياسية والاضطرار إلى اختيار أحد الجانبين".

من جهتها، أشارت ماريتي شاك، خبيرة السياسة التكنولوجية والعضو السابق في البرلمان الأوروبي، إلى أن العديد من الشركات تحركت بحذر شديد. فبينما منعت "غوغل" و "ميتا" وسائل الإعلام الحكومية الروسية من بيع الإعلانات على مواقعها الأسبوع الماضي، لم تحظر الشركتان المنافذ، كما حث العديد من صانعي السياسة الغربيين.

خطوات إضافية

ومع تصاعد الصراع، اتخذت الشركات خطوات إضافية. فيوم الأحد، توقف قسم خرائط "غوغل" عن عرض معلومات حركة المرور داخل أوكرانيا بسبب مخاوف من أن ذلك قد يؤدي إلى مخاطر تتعلق بالسلامة من خلال إظهار مكان تجمع الناس. وأعلن موقع "فيسبوك" أنه أزال حملة تأثير مؤيدة للكرملين وحملة قرصنة منفصلة تستهدف مستخدميها في أوكرانيا.

كما بدأ موقع "تويتر" يوم الإثنين في تصنيف جميع التغريدات التي تحتوي على روابط لوسائل إعلامية روسية تابعة للدولة حتى يكون المستخدمون على علم بمصادر المعلومات. وقالت الشركة: "إنه منذ بدء الصراع في أوكرانيا، قام المستخدمون بمشاركة روابط وسائل إعلام تابعة للدولة حوالي 45000 مرة في اليوم". 

واعتبرت شاك، وهي الآن مديرة السياسة الدولية في مركز السياسة الإلكترونية بجامعة ستانفورد: "أن الإجراءات لم تكن كافية".

وقالت: "إنه يتعين على الشركات حظر منافذ الدعاية الروسية ووضع سياسات أوضح بشأن معتقداتها عن حقوق الإنسان والديمقراطية يمكن تطبيقها خارج روسيا". 

عواقب سلبية

وحذر آخرون من أنه ستكون هناك عواقب سلبية إذا تم حظر المنصات في روسيا. قال أندريه سولداتوف، الصحفي الروسي وخبير الرقابة: "إنه أهم مكان للنقاش العام حول ما يجري". وأضاف: "لن يعتبرها أي شخص علامة جيدة إذا حظر فيسبوك وصول المواطنين الروس". 

وفيما أعلنت "غوغل" أنها تواصل مراقبة الوضع في أوكرانيا، أكدت "تويتر" أنها تأخذ دورها في الصراع على محمل الجد. 

وتوضح تجربة "تلغرام" الضغوط المتنافسة. ويشتهر التطبيق في روسيا وأوكرانيا لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو والمعلومات حول الحرب. لكن التطبيق أصبح أيضًا ساحة تجمع للمعلومات المضللة عن الحرب، مثل الصور التي لم يتم التحقق منها من ساحات القتال.

ونشر بافيل دوروف، مؤسس "تلغرام"، يوم الأحد، إلى أكثر من 600 ألف متابع على المنصة أنه "يفكر في حظر بعض القنوات المتعلقة بالحرب داخل أوكرانيا وروسيا لأنها قد تؤدي إلى تفاقم الصراع والتحريض على الكراهية العرقية". 

ورد المستخدمون بقلق، قائلين إنهم يعتمدون على التطبيق للحصول على معلومات مستقلة. وبعد أقل من ساعة، عكس دوروف المسار. وكتب: "طلب منا العديد من المستخدمين عدم التفكير في تعطيل قنوات تلغرام لفترة الصراع، لأننا مصدر المعلومات الوحيد لهم". 

وداخل "ميتا"، التي تمتلك أيضًا "إنستغرام" و"واتساب"، كان الوضع "فوضويًا" بسبب حجم المعلومات المضللة الروسية على تطبيقاتها، كما قال موظفان للصحيفة. ناقش فريق "ميتا" الأمني منذ فترة طويلة ما إذا كان سيتم تقييد "سبوتنيك" "وروسيا اليوم"، وهما من أكبر المواقع الإعلامية التي تديرها الدولة في روسيا، على منصاتها أو تسمية منشوراتها بحيث تذكر مصدرها بوضوح.

وقال الموظفون إن المديرين التنفيذيين في "ميتا" قاوموا التحركات، قائلين إنهم سيثيرون غضب روسيا. ولكن بعد بدء الهجوم، أعلن نيك كليغ، رئيس الشؤون العالمية لشركة "ميتا"، يوم الإثنين أن الشركة ستقيد الوصول إلى "روسيا اليوم" و"سبوتنيك" عبر الاتحاد الأوروبي.

ضغوط متوازية

وتواجه شركات التكنولوجيا الآن نوعين رئيسيين من المطالب المتعلقة بالحرب من الحكومات.

تضغط روسيا عليهم لفرض رقابة متزايدة على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وتدفق المعلومات الأخرى داخل البلاد. وقد فرضت موسكو بالفعل قيودًا شديدة على الوصول إلى "فيسبوك" و"تويتر"، ومن المحتمل أن يكون "يوتيوب" هو التالي.

ويوم الإثنين، طالبت روسيا "غوغل" بحظر الإعلانات التي تُنقل على منصتها المتعلقة بالحرب. وجاء ذلك في أعقاب أمر صدر يوم الأحد برفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام الموالية للكرملين والمتعلقة بأوكرانيا، دون توضيح كيف ستنفذ الأمر.

وفي الوقت نفسه، يدفع المسؤولون الغربيون الشركات إلى منع وسائل الإعلام والدعاية الحكومية الروسية. 

وكتب قادة إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا يوم الإثنين إلى "ميتا" و"غوغل" و"يوتيوب" و"تويتر" لمطالبتها بتعليق الحسابات المؤيدة للكرملين والحسابات الحكومية الرسمية، بما في ذلك "روسيا اليوم" و"سبوتنيك".

وجاء في الرسالة: "يتعين على مزودي المنصات الإلكترونية وشركات التكنولوجيا اتخاذ موقف لأن الأنظمة الاستبدادية تسعى إلى تسليح انفتاح مجتمعاتنا لتقويض السلام والديمقراطية".

كذلك تواصل وزير السياسة الرقمية في فرنسا، يوم الإثنين مع سوزان وجسيكي، رئيسة "يوتيوب". كما قدم صناع السياسة الأمريكيون طلبات لتضييق الخناق على الدعاية الروسية.

وقالت شاكي: "ما يذهلني هو أن قوة المنصات معترف بها بشكل لا لبس فيه". وأضافت: "لا أتذكر أبدًا رؤية مثل هذا الضغط السياسي رفيع المستوى للشركات لبذل المزيد". 

تابع القراءة
المصادر:
العربي - ترجمات
Close