السبت 28 Sep / September 2024

جنة تحطّمت وحلم يندثر.. آخر أيام عوّامات القاهرة

جنة تحطّمت وحلم يندثر.. آخر أيام عوّامات القاهرة

شارك القصة

"أنا العربي" يرصد الجدل الذي أثاره قرار الحكومة المصرية بإزالة العوامات السكنية في نهر النيل (الصورة: غيتي)
يعود تاريخ المراكب إلى العصر العثماني، عندما استخدمتها النخب المصرية كأماكن للترفيه عن الضيوف. وفي منتصف القرن العشرين، ظهرت في الأفلام والأدب المصري الكلاسيكي.

كان من المفترض أن يكون كورنيش النيل على الجانب الغربي من العاصمة المصرية القاهرة الصاخبة مكانًا هادئًا لسكان المراكب، إلى أن أصدرت الحكومة قرارًا بإزالة العوامات السكنية الراسية وإخراج سكانها.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن قرار إزالة المراكب النيلية الثابتة أثار استياء العديد من سكان القاهرة الذين يعتقدون أن الحكومة تريد بناء مطاعم ومقاهٍ إضافية للحصول على دخل ضريبي.

وأعرب السكان عن قلقهم من أن مثل هذه الأعمال ستجلب المزيد من الضوضاء والتلوّث إلى ضفة النهر، فيما يرى كثيرون أيضًا أن إزالة هذه المراكب السكنية تمثّل إهانة للتراث والثقافة المصرية.

تاريخ المراكب

ويعود تاريخ المراكب إلى العصر العثماني، عندما استخدمتها النخب المصرية أماكن للترفيه عن الضيوف. وفي منتصف القرن العشرين، كان عدد المراكب في القاهرة يبلغ المئات، وظهرت في الأفلام والأدب المصري الكلاسيكي.

ومع مرور الوقت، تم تدمير معظم القوارب حيث ازدهرت الأعمال التجارية على ضفاف النيل. ولم يتبق سوى 32 مركبًا بصفتها منازل خاصة، إلى أن سحبت السلطات أكثر من نصفها، واحتجزتها أمام مركز للشركة في اتجاه مجرى النهر.

عام 2016، بدأ المسؤولون برفع الإيجارات، مما دفع العديد من المالكين إلى التوقّف عن الدفع تمامًا احتجاجًا على ذلك، فيما رفع البعض دعاوى قضائية.

عوامات النيل

قبل حوالي عام، أبلغ الجيش بعض سكان المراكب أنه يتولّى إدارة ممتلكاتهم بعد أن باتت ضفاف النيل تخضع لسيطرة الجيش، الذي يدير بشكل متزايد المزيد من العقارات على ضفاف النهر، من النوادي الحكومية إلى المطاعم.

ودافع أيمن أنور، رئيس الإدارة المركزية لحماية نهر النيل بالقاهرة الكبرى، عن الإجراءات الحكومية عبر التلفزيون المصري. وقال: "أرسلنا العديد من الإخطارات من خلال وزارة الري وأعطينا المالكين الفرصة لفرز الأمور بحلول عام 2020"، مضيفًا: "وضعهم مخالف للقانون. منحتهم الدولة العديد من الفرص، لكن لم يستجيب أحد".

ومع ذلك، قال أصحاب المراكب إنه لم يتم إخطارهم بشأن الإزالة حتى أواخر يونيو/ حزيران، وإن إجراءات تسويق قواربهم غامضة.

وأشاروا إلى أن الحكومة تبحث عن أعذار لطردهم، من رفضهم دفع الإيجار إلى عدم الحصول على تراخيص، مؤكدين أنهم سعوا مرارًا وتكرارًا للحصول على الأوراق المناسبة.

هوية ثقافية

واشترت الكاتبة المصرية، أهداف سويف (72 عامًا)، مركبًا ورمّمته عام 2013، حيث كانت تحلم بالعيش بقية حياتها على ضفاف نهر النيل.

ووصفت سويف الجهود الحكومية بإبعادهم بالعملية التصاعدية التي بدأت برفع الرسوم مقابل السماح لهم بالبقاء في تلك المنازل العائمة. وأشارت إلى أن الرسوم ارتفعت من 100 دولار إلى 3200 دولار.

عوامات النيل

وأوضحت، لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن "هذه المراكب هي جزء كبير من الهوية الثقافية. الجميع، وأعني كل العرب، يعرفون مشهدًا سينمائيًا واحدًا على الأقل تم تصويره في منزل عائم".

"أكره حياتي الآن"

أما إخلاص إبراهيم صالح حلمي، وهي أرملة تبلغ من العمر 87 عامًا، فعاشت معظم حياتها في المراكب.

عندما تزوّجت عام 1961، وانتقلت إلى شقة زوجها الجديدة الفسيحة في حي الزمالك في القاهرة، شعرت وكأنها انتقلت إلى سجن.

وطلبت من زوجها الانتقال للعيش على مركب في النيل. ووافق زوجها على طلبها، وعملوا معًا على تصميم وبناء منزل عائم خاص بهما عام 1996، حيث عاشت فيه بقية حياتها مع بعض الحيوانات الأليفة، حتى قررت الحكومة الأسبوع الماضي إزالة ما تبقى من المراكب النيلية.

وقالت حلمي لصحيفة "واشنطن بوست": "الشخص الذي يعيش في منزل عائم يشعر بكل الأشياء الجميلة من حوله، الهواء النقي، الحيوانات. وبالنسبة لأرملة مثلي، لا تشعر بالوحدة، أشعر وكأن العالم كله معي".

وأضافت: "بعد أن عشت بسعادة بالغة، أكره حياتي الآن".

بدورها، انقلبت حياة منار الحجرسي ووالديها المسنين، إلى جانب العشرات من مالكي وسكان المراكب، بعد القرار الحكومي. واتصل السكان ومحاموهم بجهات حكومية لمحاولة استيضاح خطط الحكومة.

وقالت الحجرسي للصحيفة: "إنهم (المسؤولين) لا يفكرون إلا بالمال، لا بحياة الناس أو مشاعرهم".

وأكدت: "هذا المركب هو جنتنا. إنه حلمنا. ولا يزال حلمنا".

واعتبر أستاذ التخطيط العمراني في جامعة حمد بن خليفة علي عبد الرؤوف، أن العوامات في مصر لديها لغة معمارية أنيقة ومتواضعة ولا يمكن أن توصف بأنها سكن عشوائي.

وأعرب عبد الرؤوف، في حديث إلى "العربي" من الدوحة، عن قلقه من تحوّل أصحاب العوامات الذين امتلكوها بشكل قانوني إلى مخالفين ومطاردين من قبل السلطة.

تابع القراءة
المصادر:
العربي - ترجمات