الإثنين 13 مايو / مايو 2024

حكايا العنف المنزلي تخرق صمت الجدران في العراق.. ناجيات ينشطن للمساعدة

حكايا العنف المنزلي تخرق صمت الجدران في العراق.. ناجيات ينشطن للمساعدة

Changed

يطبق قانون العقوبات العائد للعام 1969 على قضايا تعنيف النساء في العراق (غيتي)
يطبق قانون العقوبات العائد للعام 1969 على قضايا تعنيف النساء في العراق (غيتي)
يتلقى الخطّ الساخن لوحدة حماية الأسرة في وزارة الداخلية العراقية نحو مئة اتصال يوميًا في بغداد فقط، للإبلاغ عن عنف ضد نساء، وسط تنديد المنظمات بتقاعس السلطات.

في مجتمع أبوي ومحافظ إلى حد كبير، تقود المنظمات غير الحكومية والناشطات النسويات المعركة للدفاع عن حقوق المرأة بالعراق في مواجهة العنف، مندّدة بتقاعس السلطات في مواجهة هذه الحالات وقوانين لا تنصف النساء.

تجربة مريرة

تدخل أزهار مسرعةً إلى مكتبها في إحدى الإدارات العامة في بغداد قبيل انتهاء الدوام. تلملم أغراضها قبل أن تتوجه لبدء إعطاء دورات قانونية لنساء معنفات مستفيدة من تجربتها المريرة في انتشال عائلتها من أيدي رجل "كادت أن تموت" على يده.

لسنوات، واجهت عائلتها والأعراف الاجتماعية وقانونًا لا يعطي أولوية لقضايا النساء، قبل أن تنجح في أن تحصل على الطلاق من رجل عنيف تزوّجته بضغط عائلي بعدما ترمّلت بسنّ صغيرة.

وتروي أزهار (56 عامًا)، التي باتت الآن ناشطة حقوقية منخرطة في منظمة "شبكة النساء العراقيات"، أنها شعرت بأنها "ضعيفة أمام القانون، لذلك قررت دراسة" الحقوق.

وتضيف أنها بعدما حصلت على شهادتها الجامعية في القانون، باتت تساعد نساء أخريات من معرفتها وتجربتها.. "لكي يعرفن حقوقهن ويتمكنّ من الدفاع عن أنفسهن".

ثم تردف: "أي امرأة معنّفة أو تحتاج إلى مساعدة قضائية أدعمها".

تُخرج أزهار من حقيبة يدها المليئة بالأوراق صورًا توثّق آثار ضربٍ مبرح تعرّضت له على يد زوجها. وتقول: "اعتقدت أنني كدت أموت".

تضيف، وعلى وجهها الذي لفّته بوشاح قرمزي علامات تحدٍ: "كان ذلك في العام 2010، حينها قرّرت أن أكسر الطوق وأقمت دعوى تفريق، لكن القاضي كان يعرف زوجي، وقام بردّ الدعوى".

وتستطرد قائلةً: "قدّمت للقاضي ثلاثة تقارير طبية توثّق الضرر الجسدي الذي أصابني. جوابه كان: لن أفرق عائلة على أساس تقارير طبية، وماذا لو ضرب رجل زوجته؟".

بعد عشر سنوات، حصلت أزهار على الطلاق. خلال تلك الفترة، استأجرت منزلًا خاصًا بها مع أولادها الثمانية، وعملت في ثلاث وظائف لتعيلهم، بينها إعطاء دروس خصوصية وقيادة سيارة أجرة.

"على حساب الضحية" 

يتلقى الخطّ الساخن لوحدة حماية الأسرة في وزارة الداخلية العراقية نحو مئة اتصال يوميًا في بغداد فقط، للإبلاغ عن عنف ضد نساء.

ويقول مدير العلاقات والإعلام في الوزارة اللواء سعد معن لوكالة "فرانس برس": إن الوحدة أحصت "17 ألف دعوى اعتداء زوج على زوجة خلال العام 2021". 

إلى ذلك، أظهر إحصاء لوزارة التخطيط العراقية ارتفاعًا بنسبة زواج القاصرات خلال عشر سنوات. فقد تزوجت "25,5% من النساء قبل بلوغهن 18 سنة، و10,5% قبل بلوغهن 15 سنة"، بينما بلغت النسبتان عام 2011 على التوالي 21,7% و4,9%".

ويشير مدير وحدة حماية الأسرة في وزارة الداخلية علي محمد إلى أن معظم القضايا تنتهي، حتى بعد تحويلها إلى القضاء، بالمصالحة.

لكن الناشطة هناء إدوار ترى أن "المصالحة دائمًا ما تكون على حساب الضحية". 

وترأس هناء إدوار منظمة "الأمل" العراقية، التي أحصت أكثر من 1800 حالة عنف أسري ضمن مراكزها الستة في كركوك هذا العام. وللمنظمة مركزان آخران في النجف والبصرة. 

"قضايا عادية"

وتضيف الناشطة النسوية منذ أكثر من 50 عامًا: "نلاحظ أن حساسية القضاء فيما يخصّ النوع الاجتماعي، فيما يخص المرأة، أضعف بكثير من الذكورية المتلبسة بها عقول القضاة".

وتشاركها الرأي المحامية مروة عليوي، رئيسة منظمة "لأجلها" التي تقدّم خدمات قانونية للنساء. وتقول: "لا تنظر المحاكم ومجلس القضاء الأعلى لقضايا النساء على أنها أولوية، بل تتعامل معها على أنها قضايا عادية".

ويطبق قانون العقوبات العائد للعام 1969 على قضايا تعنيف النساء أو يتم التعامل معها في معظم الأحيان على أنها جنح عادية. 

وفيما يُسقط هذا القانون العقاب عن المغتصب إذا تزوّج من ضحيته، يُعد ذلك من أبرز المواد التي تطالب الجمعيات النسوية بإلغائها. 

ولا يزال مشروع قانون العنف الأسري الذي تعمل عليه منظمات محلية عدة، في أدراج البرلمان منذ 2010، بعد عرقلة أحزاب إسلامية تمريره.

وتشرح عليوي أن "أهمّ ما يتضمنه مشروع القانون هو إنشاء مآوٍ للنساء المعنفات". 

"خارجة من سجن" 

وكانت السلطات في العراق قد تحركت أخيرًا بعدما أثارت قضية تعنيف غضبًا عارمًا في الرأي العام.

فقد تعرّضت مريم (16 عامًا) للتشويه بالأسيد من قبل رجل رفضت الزواج منه، وفق ما روت عائلتها لقنوات تلفزيونية محلية. 

وعندما خرجت القضية للإعلام المحلي بعد سبعة أشهر من الجريمة، استقبلها مسؤولون من ضمنهم رئيس الجمهورية، وأبدوا استعدادهم لمساعدتها في العلاج. 

كما أصدر قاضي التحقيق المختصّ في قضيتها بياناً أكّد فيه أن المشتبه فيهما موقوفان ويجري التحقيق معهما. وترى عليوي أن "النظر بقضية مريم كان سيأخذ أكثر من عامين لولا الضغط الإعلامي".

طوق نجاة

في كركوك، كانت منظمة "الأمل" طوق نجاة للينا (اسم وهمي) بعدما عانت من التعنيف من زوجٍ أُرغمت على الارتباط به حين كانت في الثالثة عشرة من عمرها.

تقول لـ "فرانس برس": "كان عمري 25 عامًا حين قلت كفى. ضربني زوجي بطريقة لا توصف. لم يلمه أحد. ثم أرسلني هو ووالدي إلى طبيب نفسي ليقول إنني أعاني من خلل نفسي خشية من أن أفضح أمره. الطبيب لاحظ آثار الضرب على جسدي ووصلني بالجمعية".

وتزيد الشابة البالغة من العمر 29 عامًا بالقول: "كانت لي ثقة بالجمعية أكثر من الشرطة. يوم أخذت ورقة طلاقي وخرجت من المحكمة، كنت كما الخارجة من سجن". 

تطمح لينا الآن إلى إكمال دراستها في مجال علم النفس. وهي تعمل ناشطة في الجمعية نفسها التي أنقذتها، حيث تسعى برفقة باحثات اجتماعيات إلى مساعدة النساء.

وتقوم وظيفتها على زيارة البيوت وإعطاء محاضرات للنساء عن حقوقهن، ما يمكنها من رصد حالات محتملة لعنف أسري. 

المصادر:
أ ف ب

شارك القصة

تابع القراءة
Close