الأحد 12 مايو / مايو 2024

حلف عسكري آخر يتشكل.. حرب باردة وخطوط تماس خطرة بين أميركا والصين

حلف عسكري آخر يتشكل.. حرب باردة وخطوط تماس خطرة بين أميركا والصين

Changed

أثار حلف أميركا الجديد حفيظة كثيرين في مقدّمتهم فرنسا، وبدا ذلك إشارة إلى أنّ أميركا تعيد الاصطفافات الدولية في حربها مع الصين.

في واقع سياسي وجغرافي معقّد، جاء الإعلان الأميركي البريطاني عن تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية وبتكنولوجيا أخرى متطورة استعدادًا لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة، وتمدّد الحرب الباردة.

باختصار، هو حلف عسكري آخر بأكثر من بعد سياسي يتشكل في منطقة المحيط الهادي والهندي، حيث تتضارب مصالح دول عدّة أهمّها الصين والولايات المتحدة.

وقد أثار هذا التكتل حفيظة كثيرين في مقدّمتهم فرنسا التي خسرت صفقة كانت قد وقّعتها مع أستراليا لتزويدها بمثل تلك الغواصات، وبدا ذلك إشارة إلى أنّ أميركا تعيد الاصطفافات الدولية في حربها مع الصين.

إزاء ذلك، تُطرَح علامات استفهام بالجملة عن أهداف هذا الحلف الجديد وماذا يعني الإعلان عنه في هذا التوقيت، وكيف يُقرَأ موقف الصين ردًا عليه ومواقف شركاء أميركا أيضًا في تكتلات أخرى.

واشنطن تحدد وجهة حروبها القادمة

في مياه الهادي والمحيط الهندي حيث تتقاطع الحدود والمصالح والأحلاف، ستحرّك الغواصات بالدفع النووي الكثير في توازنات السياسة، بحسب المؤشرات الظاهرة.

سترسم هذه التقنية التي لا تشاطرها أميركا الآن إلا مع البريطانيين والأستراليين؛ خطوط التماس الخطرة، حيث يحاذي التكتل الجديد العدو الجديد أيضًا، الصين.

فلأجل النفوذ في تلك المنطقة، ولأجل مجاهيل أيامها المقبلة، يقول الحلفاء إنّهم يهيئون ويستعدّون، كما أوحى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي تحدّث عن "عهد جديد في الشراكة".

هكذا يبدو أنّ الأستراليين لا يمانعون في أن يصبحوا حائط صدّ لكن دون طموح أكبر، حيث يحرص رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون على تأكيد عدم رغبة بلاده في امتلاك السلاح النووي.

وبهذا المعنى، تكون واشنطن قد حدّدت وجهة حروبها القادمة وهي ترسو شرقًا، في محاولة لمد حبال الطوق على مجال نفوذ الصينيين.

الأوروبيون يستشعرون الخطر

لكنّ حلف أميركا الجديد ليس باعث قلق للصين وحدها، بل لآخرين ولحلفاء مقرّبين، حيث كانت باريس أول الخاسرين.

لعلّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ألمح إلى ذلك، بمقارنته بين إدارة جو بايدن ودونالد ترمب.

بتلك المقارنة، لا يأسف وزير الخارجية الفرنسي لخسارة الصفقة فقط؛ ولكن لإهدار الثقة بين الشركاء القدامى ولضياع الفرصة في منطقة للفرنسيين فيها أراض ومطامع.

ذاك ما يستشعره الأوروبيون وهم يردّدون منذ أسابيع أنّ حاجتهم الدفاعية فيما يبدو قد تغيّرت عن تلك التي كانت تحكم تكتلاتهم منذ عقود.

"تحول مهم" في الصراع

يرى مدير وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات منير قبلان أنّ ما حصل اليوم يشكّل "تحولًا مهمًا"، مشيرًا إلى أنّ الولايات المتحدة تحاول أن تبني شراكات أوسع.

ويعتبر قبلان، في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، أنّ أوروبا لم تعد اليوم مركز السياسة الدولية ولم تعد مسرحًا للصراع كما كانت بعد الحرب العالمية الثانية.

ويوضح أنّ الأمور انتقلت اليوم إلى منطقة المحيط الهندي الهادي أي إلى آسيا، لافتًا إلى أنّ الولايات المتحدة تركز تحالفاتها في هذه المنطقة بغضّ النظر عن علاقاتها مع أوروبا، بدليل الانزعاج الفرنسي وانزعاج الأوروبيين الذين لديهم مصالح تضرّرت.

ما الذي أثار "ذعر" الولايات المتحدة؟

ويذكّر قبلان بأنّ الولايات المتحدة أنشأت منذ عام 2007 التحالف الرباعي الذي يضمّ إليها اليابان والهند إضافة إلى أستراليا، وقد عقدت أول قمة لهذا التحالف في مارس/آذار الماضي استعدادًا لمواجهة مع الصين.

ويشدّد على أنّها قد لا تكون بالضرورة مواجهة عسكرية، "لكن نحن بالتأكيد نستعيد أجواء الحرب الباردة".

ويعتبر قبلان أنّ ما فعلته الولايات المتحدة اليوم عمليًا هو أنها عزّزت هذا الأمر من خلال بيعها الصواريخ لأستراليا وهو ما يشكّل بالنسبة للصين تحديًا كبيرًا.

ويلفت إلى أنّ التقرير الذي قدّمه البنتاغون للكونغرس قبل بضعة أشهر كان مهمًا وقد أثار ذعر الولايات المتحدة ودفعها لتتحرك بسرعة لمحاولة احتواء الصين، لأنّ التقرير يقول إنّ الأخيرة أصبحت اليوم القوة البحرية الأولى في العالم.

الصين "مُستهدَفة" بالحلف الجديد

من جهته، يرجّح الباحث في معهد كاتو دوغ باندو أن تدخل الولايات المتحدة في مشكلة مع الفرنسيين خصوصًا على مستوى العلاقات الدبلوماسية.

ويقول باندو في حديث إلى "العربي"، من واشنطن: "نحن ندخل في حلف مع بريطانيا رغم أنها لم تعد في الاتحاد الأوروبي إلا أنها جزء من القارة، وهذا يتماشى مع سياسة الإدارة السابقة التي كانت تحاول أن تجعل من شركائنا الأوروبيين والآسيويين فعالين أكثر في الوقوف بوجه الصين".

ويلفت إلى أنّ الحلف الجديد لم يأتِ على ذكر الصين من قريب أو من بعيد، لكن كان واضحًا أنّ الرسالة من خلفه موجّهة لبكين بالدرجة الأولى.

ويشير إلى أنّ العلاقات الصينية مع أستراليا حاليًا متقطعة، مضيفًا: "طلبت كانبيرا تحقيقًا حول منشأ فيروس كورونا والصين استغربت ذلك وبدأت بوضع عراقيل على المنتجات التجارية الأسترالية".

وإذ يعتبر أنّ العلاقة صعبة بين الدولتين، يضيف: "حاولت الصين أن تقيم علاقات جيدة مع أستراليا لكن الأمور تطورت سلبًا في السنوات الأخيرة".

الصين "تنبذ" فكرة الحرب الباردة

في المقابل، يؤكد الصحافي الصيني نادر رونغ هوان أنّ الصين تتابع الأمر عن كثب، مشيرًا إلى أنّ الخارجية الصينية أكدت أن بكين تشعر بالقلق.

ويلفت رونغ هوان، في حديث إلى "العربي"، من بكين أنّ الصين تعتبر أنّ صفقة تزويد أستراليا بالغواصات النووية ستهدّد السلام والاستقرار في المنطقة، مشدّدًا على أنّ هذا العمل يخالف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وفيما يرى أنّ هذا الأمر لا يساعد على حماية السلام والاستقرار في المنطقة، يشير إلى أنّ الصين تعتقد أنّ المواجهة لا تفيد أي طرف، "وهذا تصعيد للوضع في المنطقة".

ويشدّد على أنّ الصين تدعو كذلك إلى نبذ فكرة الحرب الباردة وتدعو إلى تخفيف التوتر والتعاون، مشيرًا إلى أنّ التعاون ممكن رغم الخلافات.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close