الجمعة 10 مايو / مايو 2024

حملة لإزالة "النفوذ العربي".. معالم المساجد التاريخية في الصين تتغيّر

حملة لإزالة "النفوذ العربي".. معالم المساجد التاريخية في الصين تتغيّر

Changed

مسجد تونغوان هو أكبر مساجد مدينة شينينغ الصينية
مسجد تونغوان هو أكبر مساجد مدينة شينينغ الصينية (غيتي)
تقوم السلطات الصينية بإزالة القباب والمآذن من آلاف المساجد في جميع أنحاء البلاد، بحجة أنها تعكس التأثير الديني الأجنبي، وذلك وسط تصاعد ظاهرة "الإسلاموفوبيا".

بعد أن ظلّ معلمًا تاريخيًا لحوالي 700 عام، تغيّرت معالم مسجد دونغوان، أكبر مساجد مدينة شينينغ الصينية، خلال السنوات الأخيرة.

للمرة الثالثة في أقل من قرن من الزمان، يخضع المسجد لعملية تجديد. بُني المسجد على طراز القصر الإمبراطوري الصيني، مع أسقف من القرميد وبدون قباب، وزُيّن بالرموز البوذية. ولاحقًا دُمّر المسجد تقريبًا بسبب الإهمال أثناء الاضطرابات السياسية في أوائل القرن العشرين. في التسعينيات، استبدلت السلطات بلاط السيراميك الأصلي على السطح والمآذن بقباب خضراء.

وهذا العام، أزالت السلطات المحلية في المدينة المتعدّدة الأعراق قباب المسجد، في إطار حملة بكين لجعل المساجد أكثر "صينية" وإزالة "النفوذ العربي". 

وقال علي، وهو مزارع مسلم يبيع الرمان خارج المسجد، للإذاعة الأميركية العامّة "أن بي آر": "تقول الحكومة إنها تريد أن تجعل مساجدنا صينية، لذلك هي تبدو أشبه بميدان تيانانمين في بكين".

وعلى بعد أقل من كيلومترين من مسجد دونغوان، يتم أيضًا تجهيز مسجد نانشان الرخامي في شينينغ لإزالة القبة البيضاء التي يتميز بها.

وتقوم السلطات الصينية بإزالة القباب والمآذن من آلاف المساجد في جميع أنحاء البلاد، بحجة أنها تعكس التأثير الديني الأجنبي، كما تقوم بإزالة العمارة الإسلامية بشكل صريح كجزء من حملة لإضفاء الطابع الصيني على المساجد والجماعات العرقية الإسلامية التاريخية.

وتأتي هذه الحملة وسط تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في الصين والقيود الدينية المتزايدة، ما أثار نقاشًا في جميع أنحاء البلاد بين العلماء ومنظّمي السياسة العرقية والمجتمعات الصينية المسلمة تاريخيًا حول ما يجب اعتباره بالضبط "صينيًا".

حكم شي جين بينغ

تمّ تصميم السياسة العرقية للصين على غرار النهج السوفيتي، وجرى تصنيف المواطنين إلى 55 مجموعة من الأقليات العرقية المتميزة، كل منها، من الناحية النظرية، مُنحت استقلالًا ثقافيًا محدودًا داخل أراضيها. 

لكن الخبراء يقولون إن الحزب الشيوعي في ظلّ حكم تشي جين بينغ قد تحول إلى نهج جديد، نهج يُفضّل الاندماج والاستيعاب- وهي عملية يطلق عليها اسم "التعميم" في الخطب والوثائق الرسمية.

بعد أكثر من 1300 عام من العيش والتزاوج في الصين، تكيّف مسلمو "الهوي"- الذين يبلغ عددهم حوالي 10.5 ملايين نسمة أي أقل من 1% من سكان الصين- ليصبحوا صينيين ثقافيًا ولغويًا. حتى إنهم يتبنّون المفاهيم والمصطلحات الروحية الموجودة في الفلسفة الصينية القديمة لشرح التعاليم الإسلامية، وأدرجت طوائفهم الممارسات الدينية الصينية في عبادتهم، مثل حرق البخور في الاحتفالات الدينية.

كما تشتهر مجتمعات الهوي في مقاطعة خنان بوسط البلاد بمساجدها المخصّصة للنساء فقط والتي تقودها النساء، والتي يُعتقد أنها تقليد طويل وفريد في الصين.

ويقول درو غلادني، الخبير في شأن مسلمي الصين للإذاعة الأميركية، إن المشكلة من وجهة نظر السلطات الصينية هي أن "الهوي" ليسوا صينيين بالطريقة التي يريدها أنصار الاتجاه الجديد، وهو جعل المسلمين الصينيين أشبه بأغلبية "الهان" العرقية.

ويرى باحثون أن لدى بكين "فهمًا أضيق كثيرًا" لما يعنيه أن تكون "صينيًا"، ويرون أن الأمر يجب أن يقتصر على الالتزام بقيم الحزب الشيوعي، والتحدث باللغة الصينية "الماندرين" فقط، ورفض أي تأثير أجنبي.

تحكّم ثقافي

وقال ما هايون، أستاذ التاريخ المشارك في جامعة "فروتسبرغ": "يحاول الشيوعيون في الوقت الحاضر أن يحكموا الصين ثقافيًا".

في شوارع مدينة شينينغ بمقاطعة تشينغهاي الصينية تذكير بالتركيبة الصينية التاريخية المتعدّدة الأعراق والديانات المشتركة. يرتدي الكثير من الناس القبعة البيضاء أو الوشاح الذي يفضلّه مسلمو "الهوي"، كما يسمع الزوار لغة الماندرين الصينية، وأيضًا التبتية التي يتحدث بها حوالي خمس سكان تشينهاي. وينتمي حوالي سدس سكان المقاطعة إلى مجموعات عرقية تصنفها الصين على أنها مسلمة.

بعد تنصيبه عام 2016، ألقى تشي خطابًا قال فيه إن الجماعات الدينية والعرقية يجب أن "ترفع راية الوحدة الصينية عاليًا"، بمعنى أنها يجب أن تضع الثقافة الصينية قبل الاختلافات العرقية.

لكنّ التوجّه الجديد للحزب الشيوعي الصيني سمح للسلطات بمصادرة أصول المساجد، وسجن الأئمة، وإغلاق المؤسسات الدينية، وفرض قيود على استخدام اللغات غير الصينية، مثل التبتية أو الأويغورية.

سياسة فرّق تسد

وتشتدّ هذه الحملة في منطقة شينجيانغ، في شمال غرب البلاد، حيث تحتجز السلطات مئات الآلاف من أقلية الإيغور في معسكرات تقول بكين إنها مدارس تدرس اللغة الصينية والنظرية الشيوعية الصينية. كما دمرت الدولة آلاف المساجد والمواقع الدينية.

وأدت إزالة القبة في مسجد دونغوان في شينينغ إلى انقسام المجتمع المسلم الصيني المنقسم بالفعل، والذي هو عرضة للانقسامات الطائفية، وفقًا لما ذكره فروستبيرغ ، الذي ولد في شينينغ وترعرع حول المسجد.

وقال: "أعتقد أن الحكومة تحاول أن تنفّذ سياسة فرّق تسد".

بدوره، قال غلادني: "يمكن للسلطات الصينية بناء القباب والمساجد الجديدة قرب القديمة، ويجب أن تحافظ على ما لديها".

وأشار يوسف، وهو مسلم صاحب متجر يقع بالقرب من مسجد تونغوان للإذاعة، إلى أن "الهوي" يجب أن يستمروا في التكيف، كما فعلوا ذلك لقرون، مضيفًا: "كل شيء يتغيّر من عصر إلى آخر. خلال فترة الرئيس ماو، قاموا بهدم جميع مساجدنا. ثم بنوها. الآن يقومون بهدمها مرة أخرى. فقط اتبع أي شعار سياسي تصرخ به الدولة".

وأضاف: "بالنسبة للشخص العادي، لا يهمنا النمط الذي يُبنى عليه المسجد سواء النمط الصيني أو العربي. إيماننا لا يتجسّد في أبنية. إنه يكمن في قلوبنا".

المصادر:
ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close