السبت 11 مايو / مايو 2024

شلل تام وانهيار كامل.. مستشفيات السودان تئن على وقع الاقتتال المستعر

شلل تام وانهيار كامل.. مستشفيات السودان تئن على وقع الاقتتال المستعر

Changed

إضاءة على وضع القطاع الصحي المنهار في السودان وسط اشتداد وتيرة المعارك بين طرفي النزاع (الصورة: غيتي)
يعيش القطاع الصحي في السودان أوضاعًا صعبة جراء اشتداد المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع وسط خروج مستشفيات عن الخدمة.

اكتشف الشاب إبراهيم محمد أن الشخص الذي يتلقى العلاج إلى جانبه في أحد مستشفيات الخرطوم، بات جثة هامدة، لكن ضراوة المعارك في العاصمة السودانية حالت لأيام دون نقل جثمانه.

حصل ذلك في 15 أبريل/ نيسان، يوم أفاق السودانيون على أصوات اشتباكات عنيفة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

وبعد أن صارت الخرطوم ومناطق أُخرى ميادين حرب مفتوحة أعاق ذلك تقديم خدمات صحية وعرقل عمل الأطباء ووضعهم تحت ضغوط إضافية في بلد عانى من النزاعات والعقوبات على مدى عقود.

وفي العاصمة التي يقطنها زهاء خمسة ملايين نسمة، يروي أطباء ومرضى قصصًا مروّعة عن وضع مستشفيات باتت عاجزة عن إنجاز أحد أبسط المبادئ الإنسانية والدينية: إكرام الميت دفنه.

وكان محمد (25 عامًا) يتلقى العلاج من سرطان الدم في مستشفى الخرطوم التعليمي، وفق والده إبراهيم (62 عامًا) الذي كان يزوره باستمرار.

ويقول الوالد لوكالة "فرانس برس": "بسبب القتال العنيف، لم يتم نقل الشخص (المتوفى) ليتم دفنه" بعد وفاته.

انهيار صحي كامل

وبقي محمد في الغرفة حيث تنبعث رائحة الموت تدريجيًا، في مدينة تُعرف بحرارة مناخها حتى في هذه الفترة من العام، وبعد ثلاثة أيام، ترك الأب وابنه المستشفى، والجثة في مكانها. ووفق مصادر طبية، بات هذا المشهد مألوفًا في السودان منذ بدء المعارك.

ويوضح أمين عام نقابة أطباء السودان عطية عبد الله أن في مستشفيات عدة "تبقى الجثث المتحللة في العنابر".

ويشير لوكالة "فرانس برس" إلى أن المعارك تسبّبت في "انهيار كامل وشامل لنظام الرعاية الصحية" في البلاد، وأدت الى امتلاء "المشارح والشوارع بالجثث".

وقبل مغادرة المستشفى، كان إبراهيم ونجله أمام خيارين أحلاهما مرّ.

ويشرح الأب: "لقد ملأت الرائحة الكريهة الغرفة"، وفاقمها انقطاع التيار الكهربائي لثلاثة أيام وارتفاع حرارة الطقس، فكان الخيار "إما أن نبقى في غرفة ذات رائحة عفنة، أو نخرج ونواجه طلقات الرصاص".

ويؤكد إبراهيم محمد أن "المستشفى كان يتعرض للقصف"، وتبادل الأعيرة النارية كان يجري "خارج المستشفى مباشرة"، مشيرًا إلى أن بعض المرضى الذين غادروا آنذاك أصيبوا بالرصاص.

مستشفيات تحت النار

وقالت منظمة الصحة العالمية أمس الأحد عن سقوط "ثمانية قتلى واثنين من الجرحى" من الأطقم الطبية المعالِجة. وبحسب نقابة الأطباء، تعرّض 13 مستشفى للقصف وتم إخلاء 19 منشأة طبية أخرى خلال ثمانية أيام من القتال.

وبالنسبة الى الطواقم الطبية، كان السماح لنزلاء المستشفيات بالمغادرة عوضًا عن البقاء للعلاج خيارًا صعبًا للغاية، خصوصًا مع استمرار الاشتباكات. ويوضح عبدالله "وجدنا أنفسنا مضطرين للسماح للمرضى بالمغادرة... إذا بقوا فسيقتلون".

وإضافة إلى خطر الإصابة جراء المعارك، تضع مغادرة المستشفى المرضى أمام مخاطر صحية أخرى. ويوضح محمد أنه اضطر للسير ونجله خارج المستشفى، وتطلّب وصولهما إلى المنزل زهاء خمس ساعات.

ويؤكد أن "صحة ابني تدهورت منذ ذلك الحين"، لا سيما وأنه لم يتمكن من نقله إلى مركز طبي آخر لاستكمال العلاج. ويقول: "أريد فقط أن يتوقف كل هذا حتى أتمكن من معالجة ابني".

ويشير عبد الله إلى أن حوالي ثلاثة أرباع المستشفيات أغلقت أبوابها، والمنشآت الطبية باتت تكتفي بتقديم خدمات الطوارئ وعلاج المصابين جراء المعارك.

نداءات يومية بلا جدوى

وحتى المنشآت التي أبقت أبوابها مفتوحة "معرّضة لخطر الإغلاق في أي لحظة" جراء الوضع، وفق عبدالله الذي يؤكد أنها تعاني أيضًا نقصًا حادًا في المستلزمات الطبية لا سيما أكياس الدم والمعدات الجراحية الكافية، وكذلك الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية وحتى سيارات الإسعاف.

أما الطواقم، فباتت عرضة للانهاك لأن "الفريق (الطبي) نفسه يعمل في بعض المستشفيات" لمدة ثمانية أيام متواصلة، وفق عبد الله الذي يشير إلى أن "البعض لديه جرّاح واحد فقط...". ويضيف بأسى: "الجميع منهك للغاية".

ووجه المسعفون نداءات يومية لوقف إطلاق النار للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، ونقل الجرحى ودفن الموتى، ولكن أي هدنة فعلية وثابتة لم تتحقق بعد زهاء عشرة أيام من المعارك.

وفي حين يسعى سودانيون عبر منصات التواصل الاجتماعي لتوفير أدوية للذين يعانون من الأمراض المزمنة، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" من أن انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود يعرّض مخزونًا من اللقاحات وجرعات الأنسولين بقيمة أكثر من 40 مليون دولار، لخطر التلف.

ودفع الوضع الحالي نقابة الأطباء لتقديم نصائح للمدنيين حول كيفية التعامل مع الجثث المتحللة وطرق تكفينها ودفنها.

وفي السياق، نقلت كاميرا "العربي" مشاهد من الوضعية التي وصلتها بعض المستشفيات في العاصمة الخرطوم حيث لا تهدأ أصوات الرصاص والقذائف التي سقطت على مستشسفيات عدة ما أدى لإخلائها من المرضى والطواقم الطبية.

وبحسب نقابة الأطباء فإن نحو 75 مستشفى خرجت عن الخدمة منذ بدء النزاع المسلح وأكثر من نصفها في العاصمة الخرطوم.

ووفق بيان للنقابة فإن أربعة مستشفات في مدينة الأُبيّض تعرضت للقصف ما يرفع العدد الكلي للمستشفيات التي قصفت إلى 13 مستشفى و19 أُخرى تعرضت للإخلاء القسري بسبب ضراوة المعارك في محيطها.

المصادر:
العربي - أ ف ب

شارك القصة

تابع القراءة