الإثنين 6 مايو / مايو 2024

غموض حول مصير عمر المحيشي.. ضابط ليبي معارض أخفته قبضة القذافي

غموض حول مصير عمر المحيشي.. ضابط ليبي معارض أخفته قبضة القذافي

Changed

برنامج "مختفون" يروي قصة اختفاء الضابط الليبي عمر عبد الله المحيشي
اختفى الضابط الليبي عمر عبد الله المحيشي في ديسمبر 1983 على يد نظام معمر القذافي ولم يعرف مصيره حتى الآن.

بعد سنوات من المآسي التي عاشها الشعب الليبي تحت حكم العقيد معمّر القذافي، ثار المقهورون في وجه جلاديهم مطلع عام 2011.

ولم تمض سوى بضعة أشهر قبل أن يتمكن الثائرون من إحالة النظام المستبد إلى خبر موت أفرح الجمهور، لينفتح صندوق باندورا وتخرج خبايا شرور القذافي إلى العلن.

سنوات قضاها ذوو المخفيين قسرًا في انتظار خبر يهدئ روعهم ويطفئ نيران غياب وفقد بقيت في أفئدتهم، لتنبعث بسقوط الطاغية أسئلة الحاضرين عن الغائبين، وتستمر رحلة البحث سنوات أخرى مصحوبة بكثير من عذاب السؤال ومرارة التيه عن الإجابة.

وعلى الرغم من قيام حكومة الثورة بإنشاء الهيئة العامة للبحث والتعرف عن المفقودين بهدف دعم جهود الأهالي في الكشف عن مصير أبنائهم، إلّا أن كثيرًا من تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح وبقيت قلوب تلك العائلات أسيرة القلق والانتظار الأبدي.

وهذا ما عاشته أسرة المعارض الليبي الرائد عمر المحيشي، ويروي نجله غازي المحيشي، في حديث إلى "العربي"، أنه بعد ثورة فبراير/ شباط، قام بمجهود خاص للبحث عن والده حيث سأل عددًا من المساجين. من جهته، بحث عبد الحميد المحيشي، شقيق المفقود، عنه في عدد من السجون.

رفيق درب القذافي

كان الرائد عمر المحيشي، أحد الضباط الوحدويين الأحرار ورفيق درب معمر القذافي في المدرسة الثانوية والكلية العسكرية وشريكه في ما عُرف بثورة الفاتح من سبتمبر/ أيلول 1969 ضد النظام الملكي.

ويشير الباحث في تاريخ ليبيا السياسي د. فتحي الفاضلي إلى أن موجة المد القومي كانت إحدى الدوافع والأسباب لما حصل.

فتجمع بعض الضباط على غرار ما حدث في مصر وقد تحرّك عمر على رأس قوة من المعسكر من ترهونة إلى طرابلس، وكانت المهمة الأساسية السيطرة على قصر ولي العهد في ذلك الوقت حسن الرضا واعتقاله داخل القصر، وهو ما قامت به المجموعة.

لكن تلك الشراكة المتجذرة بين المحيشي والقذافي تحولت حربًا ضروسًا بينهما على طريقة إدارة البلاد وتنظيم الحكم فيها.

وأخذ الخلاف يتعمق يومًا بعد يوم حتى أصبح صوت المحيشي يتصاعد ويزداد حدة، منقضًا على مضجع القذافي وصلاحياته اللامتناهية وسعيه للتفرد بالسلطة، ليبصر الشاب الثلاثيني بحكمة الشيوخ صديقه يجر البلاد نحو الهاوية.

ويرى عبد الحميد المحيشي أن التناكد بين الشخصين هو سبب الخلاف بين أخيه والقذافي، لافتًا إلى أن خلع النظام الملكي كان بهدف تخليص البلاد من النظام الروتيني ووضع نظام ديمقراطي يحمي حقوق الليبيين، لكن أهداف القذافي كانت ضد هذا التوجه وكان يريد أن يستفرد بالحكم.

كان الرائد عمر المحيشي، أحد الضباط الوحدويين الأحرار ورفيق درب معمر القذافي
كان الرائد عمر المحيشي، أحد الضباط الوحدويين الأحرار ورفيق درب معمر القذافي

ويقول محامي عائلات الضباط المعتقلين د. جمعة عتيقة: "كان عمر المحيشي معتزًا بنفسه وربما كان هذا سبب الخلاف مع القذافي، وقد ظهر ذلك للناس من خلال ما يقوله المحيشي لوسائل الإعلام وانتقاداته المبطنة وأحيانًا الصريحة". ويضيف: "كانت بوادر الخلاف والصدام ظاهرة".

ويؤكد عضو "التجمع الوطني الليبي" المعارض عبد الله البيرة الأمر، مشيرًا إلى أن شخصية عمر كانت قوية وكان يصر على مواجهة القذافي.

رغبة القذافي في التفرد بالسلطة

وقعت مشادة كلامية بين الرجلين في أحد اجتماعات مجلس قيادة الثورة، وحاول المحيشي تجنب المزيد من الصدام مع القذافي وسعى مع بقية أعضاء مجلس قيادة الثورة إلى دفع القذافي لتقديم استقالته، حيث تلقى وعدًا منه بإعلان ذلك في مؤتمر عام.

وفي اليوم الموعود، حضر الجميع إلى مدينة زوارة ينتظرون خطبة العقيد. لكن رغبة القذافي في الانفراد بالسلطة غيّرت مسار الأحداث بشكل كامل.

وصل القذافي إلى المنصة وتغيّر الأمر؛ حيث ظهر سعي العقيد لتمكينه من السلطة عبر أدوات أخرى أكثر فاعلية. 

يتحدث الفاضلي عن ثورة ثقافية للقذافي، لكنه يعتبر أن أخطر ما في الأمر كان تعطيل القوانين حيث بدأ القمع والمراقبة واشتداد القبضة الأمنية حتى على زملائه. 

ومع حلول شهر أغسطس/ آب 1975، كانت فكرة الإطاحة بالقذافي تنضج في عقل عمر المحيشي، فبدأ يدعو ضباط الجيش للانضمام إلى تنظيمه الساعي إلى الانقلاب، بينما كان القذافي يزيد من قمعه وحملاته ضد معارضيه.

لكن عمر رأى أن الوسيلة الوحيدة لتخليص البلاد هو اللجوء إلى الرجال الوطنيين والشرفاء من ضباط الجيش الليبي، بحسب رواية شقيقه. وقد التف الضباط من حوله ووافقوه على الفكرة.

فشل المحاولة الانقلابية 

لكن محاولة الانقلاب على القذافي فشلت وألقي القبض على عدد من الضباط ومنهم العضو في "التجمع الوطني الليبي" المعارض عبد الله البيرة.

دبّر المحيشي محاولة انقلابية على القذافي برفقة عدد من الضباط في الجيش الليبي
دبّر المحيشي محاولة انقلابية على القذافي برفقة عدد من الضباط في الجيش الليبي

ويشير الباحث في تاريخ ليبيا السياسي د. فتحي الفاضلي إلى وجود روايتين حول ما جرى بعد ذلك، تقول إحداهما إن الضابط مصطفى الخروبي شارك في الانقلاب وهو معروف بولائه الكامل للقذافي، وكان ذلك خطأ إستراتيجيًا كبيرًا، وهكذا بدأ تتبع الضباط. أمّا الرواية الثانية والتي يؤيدها الفاضلي، فهي أن استخبارات خارجية يُقال أنها فرنسية أو أميركية، أعطت القذافي المعلومات.

بعد ذلك، هرب بعض الضباط وعناصر الجيش إلى تونس واعتقل العديد منهم، حيث أعدم 21 ضابطًا في معسكراتهم في 2 أبريل/ نيسان 1977 بتهمة الاشتراك بتلك المهمة، بحسب الفاضلي. 

ويلفت عبد الحميد المحيشي إلى أن جوازات السفر سُحبت من جميع عائلة المحيشي ومُنعوا من السفر، كما تعرض عبد الحميد للاعتقال وأحيل إلى سجن الشديدة دون تحقيق أو محاكمة حتى أمضى 3 سنوات في الاعتقال. 

كما فرض الحبس المنزلي على عائلة عمر المحيشي. ويؤكد نجله غازي أن العائلة أمضت سنوات في الإقامة الجبرية، حيث منع الأولاد من الدراسة ومنع جميع أفراد العائلة من الخروج من المنزل. 

النضال في تونس

ومع فشل المحاولة الانقلابية ونجاة رأسها المدبر، بدأ عمر المحيشي على الضفة الأخرى من الحدود مرحلة جديدة من النضال السياسي رافضًا محاولات القذافي لإقناعه بالعودة.

حاول رجال القذافي خطف المحيشي من تونس، وعندما فشلت المحاولة، سعى إلى قتل وزير تونس الأول الهادي مويرة، ما اضطر المحيشي إلى مغادرة تونس وفي ذهنه يجول مصير رفاقه من المعارضة وهم يتدلون على المشانق وسط هتافات تتعالى بحياة العقيد.

خرج عمر المحيشي من تونس إلى مصر وبقي فيها وبدأ بمعارضة النظام الليبي من هناك، حيث كان أنور السادات والقذافي أعداء.

لذا فتحت مصر المجال الإعلامي والسياسي للرائد عمر المحيشي، وكان يبث برنامجًا عبر أثير صوت الشعب، كما أصدر جريدة باسم "صوت الشعب الليبي".

استغل عمر المحيشي موقف أنور السادات من القذافي
استغل عمر المحيشي موقف أنور السادات من القذافي

وانضم المحيشي إلى التجمع الوطني الليبي المعارض في مصر، وهناك تعرض لعدة محاولات اغتيال، وفق نجله. 

المعارضة من المغرب

وبعد توقيع معاهدة كامب دايفد التي كان المحيشي يعارضها، سافر إلى بريطانيا قبل أن ينتقل إلى المغرب عام 1980. 

وفي المغرب، استغل المحيشي عداء البلاد للعقيد القذافي وعاش فيها معارضًا ليبيًا مرهق الأعصاب ككثير من رجال المعارضة الذين وصلوا محاولين العثور عن أمل للعودة إلى بلادهم. 

ويخبر د. جمعة عتيقة كيف ساء وضع المحيشي في المغرب ولم يستطع أن يتصرف وفقًا لرغبة المغرب فأُهمل.

واعتمادًا على معلومات مسربة، يكمل عتيقة أن المحيشي رغب في الذهاب برحلة عمرة، فجاءت طائرة وُضع عليها شعار الخطوط السعودية لكي تقلّه، لكنها هبطت في سرت بليبيا.  

شهداء ضباط حركة أغسطس 1975
شهداء ضباط حركة أغسطس 1975

يلفت نجل المحيشي إلى معلومات تحدثت عن صفقة بين المغرب والقذافي لتسليم المحيشي ومجموعة من المعارضين مقابل كمية من النفط ومبلغ مالي ومعارضين من البوليساريو.

إخفاء المحيشي والتنكيل بعائلته

لم يكتف نظام القذافي بإخفاء المحيشي وحجب أي معلومات عنه، بل سعى كذلك إلى مزيد من الانتقام والإرهاب ضد إخوته وأقربائه. 

اعتُقل شقيقا المحيشي عام 1984 ومكثا في سجن أبو سليم لمدة 4 سنوات كاملة بتهمة التعاون مع جبهة الإنقاذ الليبية. 

وحول ما حصل مع عمر المحيشي بعد وصوله إلى سرت، يخبر نجله غازي أن سيارة إسعاف أقلته إلى مزرعة بطاطا في طرابلس ثم حوّل إلى باب العزيزية حيث مكث في سرداب. وبعدها نقل في سيارة إسعاف إلى مكان مجهول. 

كما سُمعت رواية عن مقتل المحيشي بطريقة وحشية وأخرى عن وجوده في مكان ما، لكن مصيره بقي مجهولًا رغم مرور أكثر من 10 سنوات على سقوط القذافي، بحسب عتيقة. 

وبين الشك واليقين، عاشت عائلة المحيشي لسنوات تبحث عن أي أثر لابنها في بلاد ابتلعت رمالها أجساد آلاف من أبنائها منذ أن حكمها العسكر بالحديد والنار، ولم يرحلوا إلا بعد أن تركوا جراحات مفتوحة عانى منها شعب ليبيا باستمرار.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close