الأحد 12 مايو / مايو 2024

فاروق الأول "ملك النهاية".. قصة آخر ملوك مصر بقلم مستشاره المقرب

فاروق الأول "ملك النهاية".. قصة آخر ملوك مصر بقلم مستشاره المقرب

Changed

حلقة برنامج "مذكرات" تتطرق إلى حياة الملك فاروق بعيون مستشاره الصحفي كريم ثابت (الصورة: غيتي)
أحاط الجدل بالملك فاروق الأول حتى بعد مماته، وتكشفت تفاصيل حياته وزوال ملكه من خلال مذكرات مستشاره الصحفي كريم ثابت.

عام 1952، أصدر الملك فاروق الأول أمرًا ملكيًا جاء فيه: "لما كنا نطلب الخير دائمًا لأمتنا ونبتغي سعادتها ورقيها، ولما كما نرغب رغبةً أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة، ونزولًا على إرادة الشعب قررنا النزول عن العرش لولي عهدنا أمير أحمد فؤاد".

 وأصدر الملك المصري حينها قراره هذا، لعلي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه.

فكان الملك فاروق الأول آخر ملوك مصر، وهو الذي أحاط به الجدل في حياته وبعد مماته، وتكشفت تفاصيل حياته وزوال ملكه من خلال مذكرات مستشاره الصحفي كريم ثابت.

 ويروي ثابت في مذكراته أن صفحات كتابه ليست سيرة لفاروق أو ترجمة لحياته وإنما هي صفحات ضمّن فيها ما يظن أنه يهم القراء معرفته عنه.

ويقول: "تخيلت أنني كنت في مجلس دار الحديث فيه عن فاروق، وتخيلت جميع الأسئلة التي كان من المحتمل أن يوجهها إلي المشتركون في هذا المجلس، ثم سجلت هذه الأسئلة ونسقتها وشرعت في الردّ عليها".

نهاية الحكم الملكي في مصر

 وبتوقيعه وثيقة التنازل عن العرش في 26 يوليو/ تموز عام 1952، كتب الملك فاروق نهاية الحكم الملكي في مصر، لكن حركة الجيش التي عرفت فيما بعد باسم "ثورة الثالث والعشرين من يوليو"، هي من ستكتب تاريخه وستنسب له أقلامها الكثير من الاتهامات بالفساد المالي، والأخلاقي.

الملك فاروق خلال فترة حكمه - غيتي
الملك فاروق خلال فترة حكمه - غيتي

 وإلى جانب الرواية الرسمية للجمهورية الوليدة، راجت شهادات حول عهد فاروق، وسال كثير من الحبر في وصف ملك انصاع للاحتلال الإنكليزي وزاد من سيطرة رأس المال على الحكم، وتسبب في ضياع فلسطين، قبل أن تنهض شهادات أخرى تثير النظر في تناقضات عهده.

فيعود إلى الملك فاروق وضع أول لبنات الوحدة العربية، عبر تأسيس جامعة الدول العربية وإلغاء الامتيازات التي كانت تحصل عليها السفارة البريطانية، وإبعاد الموظفين الإنكليز عن القصر.

ومذكرات مستشاره الصحفي كريم ثابت، واحدة من أكثر الشهادات التي أثارت الجدل لا من جهة خصوصية معلوماتها وحسب، وإنما لشخصية كاتبها أيضًا.

من هو كريم ثابت؟

وكريم ثابت المستشار الصحفي لفاروق، كان أحد أكثر رجال عهده قربًا منه، فوفق الكاتب والباحث في التاريخ طاهر عبد الرحمن كان ثابت المستشار الصحفي للملك فاروق لفترة طويلة استمرت لحوالي 10 أعوام.

كما كان ثابت من حاشية الملك، وأحد أعضاء الحاشية الذين كانوا حوله وساعدوه على اتخاذ إجراءات معينة باعتباره أنه هو لا يملك أي خبرة سياسية أو حتى حياتية من واقع نشأته، وفق أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان عاصم الدسوقي.

وفي مذكراته يقدم كريم ثابت شهاداته عن فصول نهاية الملكية، بحكم قربه من الملك، وقد قبض عليه الضباط الأحرار بالفعل بحكم هذا الموقع، وسجن لفترة بتهمة إفساد الحياة السياسية قبل أن يُفرج عنه لاحقًا بأمر سيادي.

 وقد كان هذا الأمر أحد أهم بواعث الجدل المثار حول مذكراته، حيث اتهمه بعض معاصريه بأنها كانت سبيل خروجه من السجن، عبر استغلالها في دعاية تشويه حقبة الملك. بينما يقول هو أنه كتبها بواعز من الأمانة التاريخية.

كما يبرز التناقض في تصوير شخصية الملك في قلم ثابت نفسه، إذ كان له كتاب عن الملك في أثناء حكمه سنة 1944 أي بعد اختياره مستشارًا صحفيًا بعامين.

وما بين سطور الكتابين، يظهر مدى التحول الذي طرأ بين إبراز التقدير والامتنان للملك فاروق الأول، وسعيه في المذكرات إلى ترسيخ الصورة السيئة للملك بل وتبرأة نفسه من أية مسؤولية عما يمكن أن يكون قد حدث في عهده، على الرغم من قربه منه إلى درجة اختياره وزيرًا في إحدى الحكومات قبل قيام الثورة.

حياة مأساوية لملك النهاية

ولعلّ تتبع مسيرة الملك فاروق منذ لحظة تنصيبه وحتى خروجه من مصر، كفيلة لفهم أسباب سقوط العهد الملكي في مصر، وقد أسهب محمد حسنين هيكل في مقدمته لهذه المذكرات في وصف هذه المسيرة.

صورة للملك فاروق الأول خلال فترة حكمه - غيتي
صورة للملك فاروق الأول خلال فترة حكمه - غيتي

فيقول هيكل: "إن ملك النهاية كان مطاردًا بمأساة مطبقة بالحصار في كل ناحية، ظروف التربية، والتعليم، والتجربة، وأحوال السياسة في الداخل، وقد أرخت له العنان في درجة الانفلات، وأثقال السياسة في الخارج".

ويتابع: "قيّد ذلك حركته إلى درجة الحصار، وزيادة عليه قصص الأم والزوجة، وكل هذه عناصر أدت بحاصل جمعها وبكيمياء تفاعلاتها إلى تركيب شخصية من أغرب ما عرفت قصور مصر".

ويرى الكاتب والباحث في التاريخ طاهر عبد الرحمن، أن حياة الملك فاروق منذ ولادته حتى لحظة وفاته عبارة عن مأساة شخصية، فهو لم يتلق تعليمًا منتظمًا حتى إن توليه العرش كان بعيدًا عن أي دائرة إنسانية خارج نطاق القصر.

حصار قلب المعادلة

وفي وقت كانت تموج فيه البلاد بالاضطرابات، لم يكن لشخصية مثل فاروق الشاب حديث السن مقوّمات الصمود، خصوصًا مع افتقاده الخبرة السياسية أمام معارضة نصبت له العداء منذ لحظة تنصيبه، وحاشية سعت لتعزيز مصالحها على حسابه.

صورة محطمة للملك فاروق بعد الثورة التي أطاحت بحكمه عام 1952 - غيتي
صورة محطمة للملك فاروق بعد الثورة التي أطاحت بحكمه عام 1952 - غيتي

ويمكن القول إن الأحداث التي شهدتها هذه الفترة، كانت تسعى به إلى قدره المحتوم بالتنازل عن العرش، وكتابة نهاية هذا العهد.

كما تتطرق ثابت في مذكراته إلى سر خلافات الملك مع حزب الوفد وزعيمه مصطفى النحاس، وتحدث عن حقيقة سعي فاروق الأول للحياد في الحرب العالمية الثانية.

ولم ينس الملك فاروق معارضة الوفد بزعامة مصطفى النحاس لتنصيبه، فكانت أكبر مخاوفه في سنوات حكمه الأولى أن يتنازع سلطاته مع الحكومة بدعم من الإنكليز حتى تمكن من الإطاحة بها في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1937، مستفيدًا من شعبيته الكبيرة في ذلك الوقت وأجواء التوتر الدولي التي بدأت تنذر بالحرب العالمية الجديدة.

 ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تأزم الأمر أمام الإنكليز فما بين عدو يلاحقهم من عقر دارهم إلى مستعمراتهم، وملك يحاول الوقوف على الحياد عمدوا إلى تأمين وجودهم في مصر عن طريق حكومة تحظى برضى الشعب، وتعمل على الوفاء بالالتزام بمعاهدة 1936.

فلم يجدوا ما يؤمن لهم كل هذه الجوانب سوى وزارة الوفد، فكانت حادثة حصار القصر في فبراير/ شباط عام 1942، حين أجبره المندوب السامي البريطاني على تسمية النحاس مجددًا رئيسًا للحكومة أو التنازل عن العرش.

ويروي الدسوقي لـ"العربي" أن حادثة 4 فبراير " مهمة جدًا لأنها هزت العرش في نفوس المصريين والسياسيين الذين كانوا على دراية بما تم في هذا اليوم.. فالإنكليز كانوا يخشون من هزيمتهم أمام هتلر وموسوليني في الحرب، وكانوا يريدون البحث عن وسيلة من وسائل ضمانهم في مصر، فلم يجدوا إلا حكومة الوفد ليفرضوها على الملك لأن ولاء النحاس سيكون لهم وليس للملك".

"أضعف من أن يكون طاغية"

ويذكر ثابت في مذكراته: "عشر سنوات في خضم تلك الحياة متضاربة النزوات الحافلة بالمفارقات، أراقب عن كثب الشخصيتين اللتين كانتا تتجاذبان فاروق وتصطرعان في داخله".

دبابات الجيش المصري في شوارع القاهرة بعد تنازل الملك فاروق عن العرش - غيتي
دبابات الجيش المصري في شوارع القاهرة بعد تنازل الملك فاروق عن العرش - غيتي

فأدانت شهادات كثيرة سلوكيات الملك فاروق، وتواترت الحكايات حول انفلاته واستهتاره وأحيانًا نزواته في ظروف حكم بالغة التعقيد.

لكنها تنفي في المقابل صفات الطغيان عنه فتعارض ما تناولته بعض الدعاية السياسية في أعقاب ثورة 23 يونيو، من تشويه لصورة فاروق إلى حد وصفه بالطاغية، وهو ما نفاه كريم ثابت نفيًا قطعيًا في مذكراته واصفًا إياه بأنه كان أضعف من أن يكون طاغية.

وأدت ثورة الثالث والعشرين من يونيو إلى انسحاب بريطانيا من مصر بعد أربع سنوات، ويقول الدسوقي: إن سبب نجاح الثورة هو أن الملك لم يكن خادم الشعب، فلو استجاب فاروق لاحتياجات شعبه "لكان وقف الشعب ضد الضباط وليس العكس".

ويكتب ثابت في كتابه: "لا أعتقد أن حكامًا كثيرين يعرفون ما يقال عنهم في بلادهم كما كان فاروق يعرف، فقد كان يعرف كل ما يقال عنه".

سبعون عامًا على تنحية فاروق، عرف العالم خلالها مبادئ الديمقراطية وتداول السلطة لكن العديد من التجارب العربية حتى اللحظة تظهر صورة إيجابية للملك فاروق في تجنيب البلاد إراقة أي دم كما أشار في بيان نزوله عن العرش.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close