الإثنين 29 أبريل / أبريل 2024

28 عامًا على إبادة مسلمي البوسنة.. شهادات ناجين من مذبحة سربرنيتسا

28 عامًا على إبادة مسلمي البوسنة.. شهادات ناجين من مذبحة سربرنيتسا

Changed

ترصد حلقة "كنت هناك" شهادات ناجين من ذكرى مذبحة "سربرنتيسا" عام 1995 (الصورة: غيتي)
كانت سربرنيتسا مثالًا للتعايش بين أربعة أديان، إلى أن قرّر ملاديتش تصفية ممنهجة لأكثر من ثمانية آلاف شخص من مسلمي البوسنة "البوشناق".

مرّ 28 عامًا على مذبحة سربرنيتسا، أكبر مأساة إنسانية شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت سربرنيتسا مثالًا للتعايش بين أربعة أديان، يُشكّل المسلمون الأغلبية الكبرى فيها.

وفي 11 يوليو/ تموز 1995، قرّر راتكو ملاديتش قائد القوات الصربية دخول سربرنيتشا بعد إعلانها منطقة آمنة من قبل الأمم المتحدة.

وخلال حوالي عشرة أيام، قامت هذه الوحدات بتصفية ممنهجة لأكثر من ثمانية آلاف شخص من مسلمي البوسنة "البوشناق"، تراوحت أعمارهم بين 7 إلى 70 عامًا.

مثال رائع للتعايش وأطماع صربية وكرواتية

وقالت منيرة سوباشيج، مديرة جمعية أمهات سربرنيتسا وشاهدة عيان، في حديث لبرنامج "كنت هناك" من "العربي": إنّ سربرنيتسا كانت قبل الحرب مدينة وديعة ومثالًا رائعًا للتعايش بين الناس من جمع الأطياف والأديان. كان المسلمون البوشناق يعيشون جنبًا إلى جنب مع كل من الصرب والكروات وبعض الغجر. كنا نحتفل بأعيادنا مع بعض، ويذهب أطفالنا معًا إلى المدارس من دون أي مشاكل.

وأضافت أنّ عدد سكان سربرنيتسا قبل الحرب بلغ حوالي 38 ألف نسمة، وكانت أكبر بلدية في البوسنة والهرسك. كان البوشناق المسلمون يًشكّلون الغالبية أي حوالي 76% من السكان، والصرب حوالي 20%، والباقي من الكروات وغيرهم.

بدوره، قال أدهم باسيج دبلوماسي بوسني سابق في حديث إلى "العربي": إنّ البوسنة عبر القرون كانت منطقة لتعايش أربعة أديان.

وأضاف أنّه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تخلّت جمهورياتها عن الاشتراكية ودخلت إلى الديمقراطية الغربية، وكان لصربيا وكرواتيا الدولتين الجارتين أطماعًا في البوسنة، بحيث جرى الاتفاق بين الزعيم الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش وفرانيو تودجمان عام 1991 على تقسيم البوسنة.

من جهته، أشار شاكير فيلاندرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سراييفو، في حديث إلى "العربي" إلى وجود سببين محتملين للإبادة الجماعية في سربرنيتسا وللحرب بشكل عام، يتمثلان في أطماع الصرب لإنشاء دولة قومية خاصة بهم ذات عرقية صربية بعد تفكّك دولة يوغوسلافيا، ناهيك عن الموقف المعادي للإسلام والمسلمين، وهو ما يتجسّد في سياسة صربيا.

جرى الاتفاق بين الزعيم الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش وفرانيو تودجمان عام 1991 على تقسيم البوسنة
جرى الاتفاق بين الزعيم الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش وفرانيو تودجمان عام 1991 على تقسيم البوسنة- العربي

وقالت شهرة سينانوفش، ناجية من مذبحة سربرنيتسا والتي لجأت إلى البلدة أيام الحرب وكانت شاهدة على الإبادة الجماعية فيها، في حديث إلى "العربي": "عايشت جرائم عديدة خلال الحرب بين عامي 1992 و1995، حيث لم يكن لدينا طعام وشراب، ونعيش تحت الحصار، ونخوض معركة لنبقى على قيد الحياة".

إعلان سربرنيتسا منطقة محمية

أما حسن نوهانفوش، مترجم سابق لدى قوات الأمم المتحدة وشاهد عيان فأوضح أنّه في 16 يوليو/ تموز 1993، بينما كان الهجوم الصربي مستمرًا من جميع الجهات، عقد مجلس الأمن جلسة للنظر في الوضع في سربرنيتسا، وجرى إعلانها منطقة محمية.

وبعد يوم واحد من قرار مجلس الأمن وصلت الكتيبة الكندية التابعة للأمم المتحدة مؤلفة من 200 فرد، وتوقّف القصف الصربي من مدافع وقنابل الطائرات على المنطقة تمامًا.

بدأ الوضع يتحسّن في المنطقة مع وصول الكتيبة الكندية- العربي
بدأ الوضع يتحسّن في المنطقة مع وصول الكتيبة الكندية- العربي

وأضاف أنّه في الأيام والأشهر التالية بدأ الوضع يتحسّن في المنطقة، وبدأت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ترسل المعونات والطعام للأهالي.

الكتيبة الهولندية ومخيم بوتوتشاري

وأوضح أنّه خلال تلك الفترة، حلّت الكتيبة الهولندية المؤلفة من 600 فرد محلّ الكتيبة الكندية. وعندها اختلفت الأمور، وقرّر الصرب البدء بحملتهم العسكرية الشرسة على سربرنيتسا في بداية يوليو 1995.

وأشارت سينانوفش إلى أنّ الأمور ازدادت سوءًا مع اشتداد القصف الصربي على المنطقة في 7 يونيو/ حزيران 1995.

وروت كادا هوتيش، ناجية من مذبحة سربرنيتسا في حديث إلى "العربي" أنّ المدينة كانت مليئة بألسنة اللهب، وبعض المسنّين وذوي الاحتياجات الخاصة أُحرقوا في منازلهم لأنهم لم يستطيعوا الخروج منها. بينما تخلّت القوات الدولية عن نقاط المراقبة على التلال المحيطة بالمدينة وهرب عناصرها إلى قاعدة بوتوتشاري.

وأضافت أنّ الكتيبة الهولندية خاطبت الأهالي عن طريق مكبرات الصوت ليتوجّهوا إلى مخيم بوتوتشاري، حيث ساروا تحت القصف من سربرنيتسا باتجاه المخيم لمسافة خمسة كيلومترات.

بدورها، قالت سينانوفش: "اضطررنا للهرب من منزلنا تحت القصف باتجاه محطة الوقود التي تبعد عنه بضعة كيلومترات. وأصعب لحظة كانت عندما ودعني زوجي قبل ذهابه إلى الغابة، وكان أولادنا صغارًا حينها، وقال لي أن انتبه للأطفال".

وشرحت شهيدة عبدالرحمانوفش ناجية من مذبحة سربرنيتسا في حديث إلى "العربي": "لقد عشت الحرب في سربرنيتسا، وعندما ذهب ابني إلى الغابة مع الرجال، قرّرت اللجوء إلى قاعدة بوتوتشاري حيث وُعدنا بأن نكون بأمان".

بدوره، قال نوهانفوش: "اجتاح الصرب المدينة، ووقعت في قبضتهم وبدأ السكان بالنزوح إلى مخيم بوتوتشاري. أتذكر جيدًا أنّه في الليلة الأولى للنزوح، لم يدخل الصرب إلى بوتوتشاري. وكان خارج أسوار المخيم، تواجد حوالي 20 ألفًا من النازحين المسلمين لأن الهولنديين لم يسمحوا لهم بالدخول. بينما سمح الهولنديون بدخول ما بين خمسة إلى ستة آلاف لاجىء. كان المخيم يتّسع لعدد أكبر من النازحين، لكن الهولندييمن لم يسمحوا لهم بالدخول".

وأضاف: "كان والدي من بين الذين اجتمعوا مع راتكو ملاديتش، بمبادرة من قائد الكتيبة الهولندية توماس كارمينس وحضوره. وعندما عاد أبي من الاجتماع، قال لي إن الأمر ليس جيدًا".

اغتصاب وقتل أمام راية الأمم المتحدة

وأوضحت هوتيش أنّها بقيت في المخيم ليلتين كاملتين، "وفي اليوم الثاني دخل ملاديتش برفقة القوات الصربية، حيث قال إنّه لن يحدث لنا شيء، وإّنّه لا داعي للذعر، سنقوم بمبادلتكم وتأكدوا من عدم ضياع أطفالكم. لكن عندما أُطفأت الكاميرات، كنت بالقرب منه، خاطب ملاديتش جنوده قائلًا لهم بالحرف: "إخواني الصرب استغلّوا هذه الفرصة الذهبية لأنها لن تتكرّر أبدًا لنا".

وأضافت: في تلك الليلة، سمعت صراخ النساء وبكاءهن، ورأيت الخوف في وجوه الناس، خوفًا لم أر مثله في حياتي من قبل، حتى ظننت أننا نعيش يوم القيامة".

من جهتها، قالت سينانوفش: "في 12 و13 يوليو، اجتاح الصرب المكان المحيط بمخيم بوتوتشاري، كنت خائفة جدًا واحتضت أطفالي، ولم أتمكن من النظر لما يحدث حولي".

وتابع نوهانفوش: "بدأ الصرب بترحيل النساء والأطفال من خلال وضعهم في حافلات وشاحنات لإرسالهم إلى مناطق بعيدة مثل كلاديا، وعزلوا الرجال والشباب والمراهقين ومنعوهم من الصعود إلى الحافلات والشاحنات، بحضور عناصر الكتيبة الهولندية. ووضعوهم في شاحنات أخرى لأخذهم إلى مكان غير معروف. حينها، عرفنا أنّهم يسوقونهم إلى الموت".

دخل ملاديتش برفقة القوات الصربية مخيم بوتوتشاري
دخل ملاديتش برفقة القوات الصربية مخيم بوتوتشاري- العربي

بدورها، قالت سينانوفش: "يوم 13 يوليو، ركبت بحافلة مع أطفالي لكن والد زوجي مُنع من الذهاب معنا، وبقي في بوتوشاري. وفي طريقنا إلى توزلا، قام الصرب المتطرفون بايقاف حافلتنا وأخذوا كل ما نملك من مجوهرات ومال".

وقال نوهانفوش: "بعدما انتهى الصرب من ترحيل النساء والأطفال الذين كانوا خارج المخيم، أبلغ عناصر الكتيبة الهولندية اللاجئين داخل المخيم بالمغادرة. وكان المسلّحون ينتظرون اللاجئين عند بوابة المخيم. لم يخبر الهولنديون الناس بوجود خطر في الخارج، أو أنّهم رأوا القتلى، أو أن الرجال والشباب قد يتمّ عزلهم".

وأضاف: "كنت أرتعش من الخوف، لأنني عرفت أن عائلتي، أمي وأبي وأخي، ستكون التالية. توسّلت الهولنديين كثيرًا أن يبقوا عائلتي داخل المخيم، لكنّهم رفضوا ذلك بشدة. فخسرتهم جميعًا".

المجتمع الدولي "مراقب صامت أو شريك"

وأشارت سوباشيج إلى أنّه "تحت حماية ومرأى قوات الأمم المتحدة وتحت رايتهم، سجّلت إحصاءاتنا مقتل حوالي 10701 من البوشناق المسلمين، خلال ثلاثة أيام فقط، من بينهم 1042 طفل بوسني تتراوح أعمارهم بين حديثي الولادة و16 عامًا".

وأضافت أنّه بعد الإبادة، "بقي حوالي 5500 طفل يتيم أحد الوالدين أو كليهما، منهم من شاهد اغتصاب أمهاتهم، وخطف آبائهم لقتلهم".

أما فيلاندرا فقال: إنّ "قوات الأمم المتحدة في سربرنيتسا، والكتيبة الهولندية على وجه الخصوص، استسلمت بالفعل، وسلّمت سكان سربرنيتسا لرحمة الجيش الصربي، وتركوهم فريسة جاهزة للمجرمين الصرب المتطرفين".

وأضاف أنّ المجتمع الدولي "كان إما مراقبًا صامتًا أو شريكًا".

بدأ الصرب بترحيل النساء والأطفال في حافلات وشاحنات لإرسالهم إلى مناطق بعيدة
بدأ الصرب بترحيل النساء والأطفال في حافلات وشاحنات لإرسالهم إلى مناطق بعيدة- العربي

أما عبدالرحمانوفش فقالت: "خلال عام 1994، فقدت مثل أي شخص آخر، عددًا كبيرًا من الأقارب الذكور، بينهم أخي الذي لم أجده بعدها. لم أحصِ عددهم، ولم أجرؤ على ذلك، لأنه رقم كبير. حيث أن أصغر أطفال أختي كان يبلغ من العمر 16 عامًا عندما قُتل".

بدوره، أوضح باسيج أنّ تمثال الرجل المسلم في سربرنيتسا يمثّل الرجل الذي دفعه الصرب لدعوة ابنه الهارب  نيرمين إلى العودة وطمأنته إلى أنّهم لن يؤذونه. لكنّهم قتلوا العائلة بأكملها.

تدخّل "الناتو"

وأكد فيلاندرا أنّ الإبادة في سربرنيتسا أجبرت المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة، على العمل بحزم أكبر. وكانت الإبادة بداية نهاية الحرب في البوسنة والهرسك.

وشرح باسيج أنّ ميلوراد دوديك، زعيم الكيان الصربي في البوسنة، هو عنصري، ويجب على الأقل أن تكون سربرنيتسا مستقلة داخل الكيان البوسني.

وقالت سوباشيج: "تعاونا منذ البداية مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي شكّلها مجلس الأمن بين عامي 1993 و1995، وقدّمنا لها كثيرًا من الوثائق والإحصائيات، وشهادات الأمهات وزوجات الضحايا، كما قدّمنا رئيس الكيان كاراجيتش والقائد العام للجيش ملاديتش إلى العدالة".

وأضافت: "لكن لم يُحكم على ميلوشيفيتش، ويُزعم أنّه مات رغم أننا لا نصدّق ذلك".

وقال فيلاندرا: "هذه جريمة وحشية ضد سكان أبرياء، مواطنين أبرياء، والصرب يرفضون الاعتراف بذلك، لأنه عار أخلاقي كبير. وهناك ذلك الجانب القانوني الدولي، للتورّط في الجريمة قد يؤدي إلى دعاوٍ قضائية وأضرار مختلفة للغاية بين الدول".

وأوضح باسيج قائلًا: "لا كراهية بيننا في البوسنة، حتى بعد سنوات على الإبادة، ستجد أنّ سربرنيتسا آمنة".

بدورها، أكدت سوباشيج أنّ "أمهات سربرنيتسا المسلمات، علّمن أطفالهن كيف يعيشون ويُكملون حياتهم دون كراهية، وعلى المحبة بدلًا من الكراهية والانتقام. علّمنا أطفالنا وأصبحوا أطباء ومهندسين وأساتذة ومثقّفين يتكمّلون أكثر من لغة".

وقالت: "كل أمهات العالم يجب أن يتعلّموا من تجربة أمهات سربرنيتسا".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة