الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

أشبه بفيلم.. هارب من بوتشا يروي تفاصيل رحلة مليئة بالفظائع والرعب

أشبه بفيلم.. هارب من بوتشا يروي تفاصيل رحلة مليئة بالفظائع والرعب

Changed

" أنا العربي" يرصد مشاهد الموت في بوتشا الأوكرانية (الصورة: غيتي)
بينما كان يهرب، رأى شيفتشينكو الكثير من الجثث في إربين، "كان الكثير منهم جالسين في سياراتهم، ويبدو أنهم قُتلوا أثناء فرارهم، فيما كانت بعض الجثث على الأرصفة"

"لقد كان مشهدًا من فيلم"، بهذه العبارة وصف الأوكراني تاراس شيفتشينكو لصحيفة "الغارديان" البريطانية الساعات الأولى من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.

ففي السادسة من صباح ذلك اليوم، وبينما كان شيفتشينكو (43 عامًا)، ينظر من نافذة المطبخ في شقته في الطابق الخامس من مبنى يطل على مطار هوستوميل، في الضواحي الشمالية لمدينة بوتشا الأوكرانية، رأى حوالي 20 طائرة هليكوبتر روسية تحلق في الهواء، ويقفز منها مظليون إلى داخل المطار.

في تلك اللحظة بدأت الحرب في بلدة بوتشا، التي تقع على بعد 35 ميلًا شمالي غرب العاصمة الأوكرانية كييف، والتي سرعان ما أصبحت اسمها مرتبطًا بأسوأ الفظائع التي ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا.

وقال شيفتشينكو: "شعرت كما لو كنت في السينما، رأيت كل طائرات الهليكوبتر، حتى أنني رأيت وجوه هؤلاء المظليين"، مضيفًا أن ما حدث في الأيام التالية "لا يمكن تخيله. لقد قتل الروس كل ما كان في طريقهم حتى كبار السن".

وذكرت الصحيفة أن القنّاصة الروس أطلقوا النار على الرجال الذين حاولوا الفرار عبر الحقول، فضلًا عن الاتهامات باغتصاب وقتل فتيات صغيرات، التي لم يتم التحقق منها بشكل مستقل بعد.

ومع شهادات الشهود، ظهرت أدلة فوتوغرافية للجثث على طرق بوتشا من الأراضي التي تمت استعادتها حديثًا، ما يُظهر أن الادعاءات بارتكاب جرائم حرب جماعية من قبل القوات الروسية تبدو حقيقية للغاية بحسب الصحيفة.

يوم الأحد، نشر الجيش الأوكراني لقطات لما بدا أنها غرفة تعذيب في قبو، مع ثكنة في غرفة مجاورة. كما عُثر على مقابر جماعية تضم 280 جثة في أنحاء المدينة، بعد اكتشاف عشرين جثة على جانب أحد الطرق يوم السبت.

"مجرد وهم"

يتذكر شيفتشينكو، مدرب فنون الدفاع عن النفس في روضة أطفال، ووالدته يفدوكيا شيفتشينكو (77 عامًا)، والتي كان يعيش معها في شمال بوتشا، أن المكان ساده الهدوء لمدة ثلاثة أيام بعد هبوط القوات الروسية.

تحدّثوا عما يجب عليهم فعله، وما إذا كان عليهم الهروب؛ لأن أولئك القلائل الذين قرروا المغادرة في اليوم الأول، كان ينظر إليهم من قبل غالبية أولئك الموجودين في البناية التي يقطن فيها شيفتشينكو، على أنهم يبالغون في ردود أفعالهم.

لكن ما جرى بعد ذلك، أكد أن تلك الساعات الـ72 الأولى بعد بدء الهجوم الروسي كانت "مجرد وهم".

في اليوم الثالث للهجوم، شهد شيفتشينكو ومن معه، تبادل إطلاق نار حول بنايتهم بين القوات الروسية، وبين قوات دفاع بوتشا الإقليمية.

وقال: "في البداية، قررت البقاء لأنه لم يكن لدي أي مكان آخر أذهب إليه، ولسنا بهذا الثراء حتى نغير حياتنا تمامًا في يوم واحد".

أدرك شيفتشينكو أن الوقت قد فات على الهروب، لأن الحرب كانت تدور حول منزله، "في الشارع. كانت هناك دبابات تسير في شارعي، إنه أمر مرعب للغاية عندما يطلقون النار".

بحلول اليوم الرابع، ساد الذعر، وبدأ الجميع يبحث عن مخرج من خلال محادثات عبر "تليغرام" أو "فايبر"، "كل من كان لديه سياراته الخاصة هرب مخاطرًا بكل شيء، في عمارتنا توجد 69 شقة، لم يتبق فيها سوى أربع عائلات".

انتقلت والدة شيفتشينكو، التي شعرت بالرعب من القتال الدائر قرب عتبة منزلها، إلى الطابق السفلي الرطب البارد للمبنى الذي تبلغ مساحته 20 مترًا مربعًا فقط، حيث أضيئت الشموع، وانضمت إلى ثماني عائلات أخرى، بما في ذلك طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات، وامرأة تبلغ من العمر 86 عامًا.

بقيت يفدوكيا في ذلك المكان مع العائلات الأخرى لمدة 13 يومًا، مع دلو فقط يستخدم مرحاضًا.  

جثث على الأرض

وفي اليوم الخامس، انقطعت إمدادات الغاز عن البلدة، فأدركوا أنهم بحاجة إلى إيقاد نار لطهي بعض الحساء وللتدفئة أيضًا. في مدخل المبنى، صنع السكان مكانًا للطهي، وكان الحديث حول النار يدور حول أحدث القتلى.

قال شيفتشينكو: "كانت الجثث ملقاة في الشوارع، ولم يسمحوا لنا بنقلها".

وروى عن عملية قتل واحدة، لم يتسن التحقق منها بشكل مستقل، قائلًا: "كان هناك رجل عجوز وزوجته على وشك عبور الشارع، وقد أوقفهما بعض الروس، لكن الرجل العجوز جادل أفراد القوة فأطلقوا عليه النار؛ وأمروا زوجته بمواصلة السير، لكنها هرعت إلى زوجها وبدأت بالبكاء، فقالوا لها إذا كانت تريد الاستلقاء بجانبه، فيمكنهم إطلاق النار عليها أيضًا".

وأضاف: "أخبرتهم المرأة أنها بحاجة إلى أخذ الجثة، لكنهم رفضوا وأمروها بالاستمرار في السير، فواصلت المشي وهي تبكي"، مشيرًا إلى أن ذلك حدث على بعد 30 إلى 40 مترًا من منزله.

وقال إن المرأة اقتربت من بنايتهم، واستقبلتها والدته وآخرون، بينما كانت تكافح لالتقاط أنفاسها من شدة البكاء ورواية قصتها، في محاولة يائسة لاستعادة جثة زوجها.

وفي وصفها للحادثة، قالت يفدوكيا: "كنت قد خرجت من القبو لتنفس بعض الهواء، عندما أطلقت القوات الروسية النار على الرجل. قال ذلك العجوز شيئًا ما للجندي فقتلوه بالرصاص"، مشيرة إلى أنها كانت تراه وزوجته في السوق وفي المتاجر قبل الهجوم، لكن لم تكن متأكدة من أسمائهما.

الهروب المحفوف بالمخاطر من بوتشا

بحلول التاسع من مارس، أدرك شيفتشينكو أنه يجب عليهم الهروب من المدينة، "بدأت في تجميع كل السبل الممكنة للهروب، لكن لم أنفذ أي خطة لأننا كنا في حصار".

وقال: "أنا سعيد لأنني لم أحاول ذلك الحين، لأن أناسًا آخرين كانوا أشجع مني، لكنهم تعرّضوا لإطلاق النار بعد محاولة فرارهم، وعاد بعضهم مصابين لكن بعضهم ماتوا في سياراتهم".

في اليوم التالي، وافق الروس على إنشاء ممر إنساني لإجلاء المدنيين، لكنهم قالوا إنهم سيسمحون فقط للنساء والأطفال بالمغادرة".

وقال شيفتشينكو: "تشجعت عندما علمت أن جيراني في الطابق السفلي تمكنوا من الهرب؛ لذلك، في 11 مارس، استيقظت في السادسة صباحًا، ثم ركضت إلى الطابق السفلي لأخذ أمي. أتذكر بوضوح أن الساعة كانت 8:45 صباحًا، ركضت وصرخت: أمي، نحن سنهرب بعيدًا؛ وفي تلك اللحظة كان هناك إطلاق نار".

عندما وصلوا إلى الممر الإنساني، سمحت القوات الروسية للنساء والأطفال فقط بالمرور؛ قرّر شيفتشينكو أن ينضم إلى بعض الرجال الآخرين في خطة للسير إلى رومانيفكا، على بعد حوالي 12 كيلومترًا من بوتشا؛ ولكن كان عليهم عبور النهر وأراض من الطمي، وسط حرارة بلغت تسع درجات تحت الصفر.

في العاشرة صباحًا، بدأ شيفتشينكو بالسير مع حوالي 20 رجلًا آخرين عبر الحقول، بينما يتساقط الرصاص فوق رؤوسهم، سقط البعض ميتًا، وأصيب آخرون؛ بينما ركض آخرون، بمن فيهم شيفتشينكو، محاولين الاختباء ممن يُفترض أنهم قناصون.

وقال: "لم نتمكن حتى من مساعدة الجرحى لأنه بمجرد الاقتراب من شخص سقط، يمكن أن تصاب بالرصاص أيضًا. كان عددنا يقل مع مواصلة الهرب، وأصبحنا لا ننتبه لبعضنا وكأننا نهرب من معسكر اعتقال".

أخذهم الطريق عبر إربين، وهي بلدة أخرى سُجّلت فيها فظائع مروّعة منذ انسحاب الروس. شقّ شيفتشينكو طريقه إلى المقبرة المركزية بالمدينة، عبر غابة هناك، ثم اتجه نحو قرية ستويانكا المؤدية إلى وجهته، رومانيفكا.

بينما كان يهرب، رأى شيفتشينكو الكثير من الجثث في إربين، "كان الكثير منهم جالسين في سياراتهم، ويبدو أنهم قُتلوا أثناء فرارهم، فيما كانت بعض الجثث على الأرصفة".

لمدة سبع ساعات، بين ركض وسير واختباء، كان شيفتشينكو يأمل بالوصول إلى بر الأمان النسبي. وقال: "رأينا جنودنا. كانوا يعرفون أننا نحاول الهرب، طلبوا منا فقط أن نظهر لهم جوازات سفرنا وأظهروا لنا الطريق، وكانت الحافلات تنتظرنا".

نُقل شيفتشينكو بالحافلة إلى محطة السكك الحديدية الرئيسة في كييف حيث التقى بوالدته. وقال: "عندما وصلت إلى بر الأمان ومرّ بعض الوقت، شعرت أنني كنت في فيلم استمر لمدة 16 يومًا، إلى أن ربّت على رأسي شخص ما قائلًا لي: لقد نجوت".

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close