في سبتمبر/ أيلول 1981، شهدت مصر أشهر حملة اعتقالات في تاريخ البلاد، وطالت في ذلك الحين أكثر من 1500 شخصية معارضة من الأطياف السياسية والدينية كافة.
وحملة الاعتقالات تلك التي حملت معها نُذر نهاية عصر أنور السادات، جاءت وفق من عاصروها بعدما فاقمت اتفاقية كامب ديفيد الأزمة بين أنور السادات ومعارضيه.
برنامج "كنت هناك" يسلّط الضوء على حملة اعتقالات سبتمبر 1981، ويقدّم شهادات معتقلين ومن عاصروا تلك الفترة بما حملته من تفاصيل الاعتقال والتحقيق الذي أُجري، وكيف تم الإفراج عن المعتقلين عقب اغتيال السادات.
زيارة أنور السادات إلى إسرائيل
تقول فريدة النقاش، وهي من معتقلي سبتمبر 1981، إن مرحلة جديدة في الحياة السياسية العربية بدأت بعد زيارة السادات إلى إسرائيل.
وتلفت إلى أن "السادات أراد أن تكون كل القوى السياسية مؤيّدة للخطوات التي يتخذها للاعتراف بإسرائيل، التي اعتبر أنها جزء من المنطقة، وأننا لن نبقى في قطيعة دائمة معها".
وبحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل، فإن السادات أبرم معاهدة غير متكافئة مع إسرائيل.
ويرى كامل أن طريقة تفكير نظام السادات لا تسمح بوجود مثل هذه المعارضة، التي تختلف مع الأساس الذي تقوم عليه سياساته.
وبينما يقول إنه تم إلقاء القبض على الذين لم يكونوا ينوون اغتيال السادات فيما لم يكن من ضمنهم من أرادوا ذلك، يؤكد أن الإجراءات التي اتخذها لم يكن لها جدوى على حياته.
ويذكر بأن عملية اغتيال أنور السادات تمت من داخل القوات المسلحة؛ على يد 4 جنود ووسط استعراض عسكري.
من جانبه، يستعيد جمال أسعد، أحد معتقلي سبتمبر 1981، المشهد قبل بدء حملة الاعتقالات. فيقول: "بعد زيارة السادات لإسرائيل وكامب ديفيد، بدأ خلاف سياسي بين كثير من فرق التيار السياسي الإسلامي وأنور السادات"، متحدثًا أيضًا عن محاولات لاغتيال هذا الأخير.
ويضيف أن السادات راح قبل اعتقالات سبتمبر 1981 يهاجم علانية التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين.
ومما يقوله عن تلك الفترة أن السادات "استشعر الخطر الحقيقي، ولا سيما بعد تجربة 18 و19 يناير/ كانون الثاني 1977، حينما كانت المظاهرات التي خرجت قاب قوسين أو أدنى لإسقاطه، فما بالك بعدما وصلت الأمور إلى هذا المستوى من الخلاف والمعارضة السياسية في الشارع كله".
اعتقال 1536 شخصية سياسية ودينية
بحسب رئيس جهاز أمن الدولة السابق فؤاد علام، كان العدد الذي اقترحه وزير الداخلية في ذلك الوقت النبوي إسماعيل يستهدف الآلاف، إذ قال إسماعيل إن لا مانع من اعتقال 5 أو 6 آلاف شخص.
ويوضح علام أنه تمكن من إقناع وزير الداخلية بخفض العدد إلى قرابة 1530، مؤكدًا في الآن عينه أن هذا الرقم كان كبيرًا أيضًا، ولا سيما أنه لم يستثن أي اتجاه سياسي.
ويذكّر بأن كلًا من محمد حسنين هيكل وفؤاد سراج الدين كانا من بين المعتقلين، إلى جانب أسماء أخرى ممن كانوا يحظون بتأثير في المجتمع المصري.
وبينما يشير إلى أن الاعتقالات طالت عناصر من كل توجه سياسي وديني، يقول إن الأخطر كان اعتقال عمر التلمساني وتحديد إقامة البابا في أحد الأديرة بالدمنهور.
ويرى أن القرار الوحيد الذي اتسم ببعض العقلانية كان احتجاز التلمساني في قصر العيني، وتحديد إقامة بعض القساوسة في أماكن مماثلة.
إلى ذلك، ينفي رئيس جهاز أمن الدولة السابق فؤاد علام حصول تحقيقات بما تعنيه الكلمة، عازيًا ذلك إلى عدم وجود وقائع محددة قام بها المعتقلون.
ويردف بأنه تم التحقيق مع جميع الأشخاص تقريبًا بمعرفة المدعي العام الاشتراكي، ولم يوجه لهم قرار اتهام محدد.
شهادات لمعتقلي سبتمبر 1981
من جانبه، يروي كمال أبو عيطة، أحد معتقلي سبتمبر 1981، عن ليلة اعتقاله. فيقول: "لم يكن أحد ليتوقع اعتقالات بهذا الشكل والاتساع".
ويضيف: "كنت في سيارة نقل السجناء عند الثالثة فجرًا، وكان الضباط في المقعد الأمامي يتبادلون التحية مع آخرين، حيث كانت الشوارع مليئة بسيارات الشرطة".
وبحسب ما يقول، تم رصد حركات الأشخاص المزمع اعتقالهم، وكان هو في تلك الليلة يبيت في منزل أنسبائه، فتم اعتقاله من هناك.
بدوره، يوضح جمال أسعد أنه كان في شارع الجلاء عند اعتقاله في سبتمبر 1981، وأنه أودع في زنزانة منفردة.
ويتحدث عن عمليات التفتيش التي كانت تجري في السجن، حيث تُفتح أبواب الزنزانات ويؤمر نزلاؤها بخلع ملابسهم بشكل كامل كنوع من الإذلال.
وبينما يشير إلى انتشار الكوليرا في ذلك الوقت، يقول: "فوجئنا بإصابة كل من في السجن بإسهال مفاجئ، فأدركنا أن هناك حالة من حالات التمويت الفعلي بالكوليرا وأنه تم إحضار طعام ملوث لنا".
ويمرّ على المظاهرة "غير العادية" التي شهدها السجن على الأثر، وقيام المأمور بالتفاوض مع مجموعة من النزلاء لتهدئة الأوضاع ونفي ما تراود إلى أذهان السجناء.
ماذا عن المعتقلات؟
من ناحيتها، همّت عواطف عبد الرحمن بالنزول من بودابست إلى مصر مرورًا ببرلين، لكن أصدقاءها حذروها في المطار من أن اسمها يتصدر لائحة الأشخاص الذين سيتم اعتقالهم. ومع ذلك أكدت لهم إصرارها على المغادرة إلى مصر.
ولدى وصولها نقلتها سيارة السجن إلى سجن القناطر للنساء، والذي سبقتها إليه نوال السعداوي التي تمكنت من تمييزها من شعرها الأبيض.
وتردف: "سألتني الدكتورة لطيفة عن سبب عودتي، فأجبتها بأنني جئت إلى بلدي".
وتتحدث عن عمليات التفتيش التي شملت الفراش والملابس وأطباق الطعام في الزنزانات، لتصف ما كان يجري بحملة تكدير وليس حملة تفتيش.
إلى ذلك، تعود فريدة النقاش بذاكرتها إلى سجن القناطر نفسه، وتقول إن الزنزانة لم تكن تتسع لأكثر من نزيلتين. وتضيف: في بداية الأمر كنت أتشاركها مع صديقتي شاهندة مقلد، ثم راحت تفد أجيال جديدة من السجينات السياسيات.
وتلفت إلى أن الإدارة في إحدى الفترات ضيّقت على النزيلات، مستذكرة ما قالته لشاهندة وفيه أن السجينات لن يمتن من جراء السجن بل الجوع.