الإثنين 13 مايو / مايو 2024

الغزو الأميركي لبغداد.. كيف سقطت دفاعات صدام حسين بهذه السرعة؟

الغزو الأميركي لبغداد.. كيف سقطت دفاعات صدام حسين بهذه السرعة؟

Changed

استمرّ الغزو الأميركي لبغداد 20 يومًا سقطت بعدها العاصمة بغداد، وتهاوى معها نظام حزب البعث الذي حكم البلاد لـ35 عامًا - غيتي
استمرّ الغزو الأميركي لبغداد 20 يومًا سقطت بعدها العاصمة بغداد، وتهاوى معها نظام حزب البعث الذي حكم البلاد لـ35 عامًا - غيتي
أين اختفت التشكيلات العسكرية العراقية خلال الاجتياح الأميركي؟ ولمَ اختفت قوات الحرس الجمهوري التي كلفت بحماية بغداد؟ وماذا عن جيش القدس وفدائيي صدام حسين؟

في مقر القيادة المركزية الأميركية في ولاية فلوريدا، كان الجنرال تومي فرانكس قائد الحملة العسكرية على العراق في انتظار أن يبدأ الاجتماع الذي سيعلن ساعة الصفر للحرب.

وخلال لحظات، انتقلت شاشة العرض إلى غرفة في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن، ثم ظهر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وسط أعضاء مجلس الأمن القومي، وكان إلى جانبه كل من نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الخارجية كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وغيرهم.

الجميع كان في انتظار أمر الرئيس لينطلق بعدها آلاف من جنود التحـالف الدولي صوب العراق لغزوه.

وفي حوار مُقتضب، قال الجنرال فرانكس: "سيدي الرئيس، القوة جاهزة الليلة، ساعة الصفر التاسعة مساء بتوقيت العراق". أومأ الرئيس بوش بنظره لمجلس الأمن القومي ثم قال للجنرال: "حسنًا، من أجل السلام في العالم ومن أجل الأمن لبلادنا ولبقية العالم الحر ومـن أجـل حريـة الـشعب العراقي، بارك الله الجند"، ليَنتهي اللقاء بالتحية العسكرية بين الجنرال والرئيس، وتبدأ الحرب.

عشرون يوما، سقطت بعدها العاصمة بغداد، وتهاوى معها نظام حزب البعث الذي حكم البلاد لـ35 عامًا، لكن الغزو ترك خلفه أسئلة كثيرة: أين اختفت التشكيلات العسكرية العراقية خلال الاجتياح الأميركي؟ ولمَ اختفت قوات الحرس الجمهوري التي كلفت بحماية بغداد؟ وماذا عن جيش القدس وفدائيي صدام حسين؟ كيف تهاوى العراق بهذه السرعة؟

عاصفة الصحراء

في 27 فبراير/ شباط عام 1991، انتهت عاصفة الصحراء وانسحب الجيش العراقي من الأراضي الكويتية، بعد أن انتصرت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وكانت المرة الأولى لمواجهة مباشرة بين الطرفين.

قتل في المعارك أكثر من 20 ألفًا من جنود الجيش العراقي في معركة غير متكافئة لم يكن مفاجئًا من الخاسر فيها.

وفي 3 مارس/ آذار 1991، في خيمة صفوان قرب الحدود العراقية الكويتية، انعقدت الهدنة واتفق على معاهدة استسلام الجيش العراقي دون قيد أو شرط.

التقى الجنرال الأميركي نورمان شوارزكوف مع رئيس أركان الجيش العراقي للعمليات سلطان الهاشم، الذي لم يكن أمامه من خيار سوى التوقيع على الشروط الأميركية؛ فالجنرال العراقي يدرك أنها بداية النهاية بالنسبة للجيش وأن العد التنازلي قد بدأ.

جاءت الاتفاقية بعد قصف قوات التحالف للقطاعات العسكرية العراقية المنسحبة، ما خلف آلاف القتلى من ضباط وجنود الجيش العراقي فيما عرف بمذبحة "طريق الموت".

ومنذ تلك اللحظة، لم يعد الجيش العراقي لحاله السابق، وربما تعلم صدام حسين دروسًا عام 1991 لكنها لم تؤهله لما بعد العاصفة.

فالزعيم العراقي لم يرَ في تلك الحرب الخاسرة مؤشرًا كافيًا على أن الخطر الخارجي كفيل بتهديد نظامه، فالتفت إلى معالجة أخطار داخلية، وهو ربما ما دفع ثمنه الجيش العراقي الذي عانى تسليحًا وإعدادًا وتدريبًا.

حصار اقتصادي

على الجانب الآخر، بقيت القوات الأميركية متأهبة لأكثر من عقد كامل، إضافة لعقوبات دولية استمرت ثماني سنوات ونالت من الاقتصاد العراقي وبنية البلد التحتية حتى عام 1999.

حصار اقتصادي ولجان لمراقبة وتدمير أسلحة الدمار الشامل، كلها تهدف إلى تقويض نظام صدام حسين حتى السقوط المحتوم.

وفي يناير/ كانون الثاني عام 2001، عاد دونالد رامسفيلد إلى وزارة الدفاع للمرة الثانية، وهو أحد صقور السياسة الأميركية الذين آمنوا بأهمية القوة الظاهرة للحفاظ على هيبة بلاده.

وعاد بمهمة واضحة وهي تحديث وإعادة هيكلة القوات الأميركية في عهد الرئيس المنتخب حديثًا آنذاك جورج بوش الابن.

تعزز إيمان رامسفيلد بإستراتيجية تسخير التقنيات العسكرية لهجوم سريع مباغت يحد من الانتشار الواسع لقوات برية بعد ما حققته تلك الإستراتيجية من سقوط سريع لنظام طالبان في أفغانستان، ورأى في هذا الأسلوب العسكري طريقًا سريعًا للخلاص من نظام صدّام حسين.

وثائق سرية

في إحدى الوثائق المتعلقة بغزو العراق، وهي مذكرة أرسلها دونالد رامسفيلد إلى مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس بتاريخ 27 يوليو/ تموز 2001، قال الوزير الأميركي إن "وضع إيران سيكون أفضل في المنطقة حال سقط نظام صدام على يد الولايات المتحدة".

وتأكدت مخاوف رامسفيلد لاحقًا خلال فترة التخطيط للحرب بأن إيران تتحين لملء الفراغ من بعد سقوط نظام صدام حسين.

ورصد الأميركيون بالفعل قوّات لفيلق بدر ترافق كتائب مشاة في تحركاتها على طول الحدود بين البلدين. كما أعدّ الفيلق قوائم اغتيالات لعسكريين مرتبطين بالنظام البعثي، ترقباً لأي فرصة قد تحين.

هذه التحركات الإيرانية أكّدتها تقارير صادرة عن جهاز المخابرات العراقي منذ عام 2001 حول رصد زوّار إيرانيين يحتمل أن يكونوا عناصر استخبارية تابعة لطهران.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، أصدر رامسفيلد ضمن خطة أولية للغزو قائمة تضم ذرائع تمهد لغزو العراق أعدها بالتشاور مع مساعده بول وولفويتز ووكيل وزارة الدفاع آنذاك دوغلاس فيث.

وكانت خطة التمهيد الأميركية انعكاسًا لنقاط وضعها المؤتمر الوطني العراقي المعارض ومن بينها الأعمال العسكرية العراقية ضد إقليم كردستان، والربط بين صدام حسين وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول.

ورجح رامسفيلد التفكير في الخلافات حول عمليات التفتيش على أسلحة الدمار الشامل التابعة للأمم المتحدة، وكان لافتًا في هذه المرحلة ملاحظات دوغلاس حول ضرورة التفكير فيمن سيحكم العراق بعد ذلك.

تقسيم العملية الدفاعية

قرعت طبول الحرب، ومعها بدأت الإدارة الأميركية استعدادات جدية لغزو العراق.

في بغداد، أدركت قيادة البعث أن التهديدات الأميركية جدية، لكن ربما لم يقتنع الجميع بأن الهدف هو إسقاط النظام، وهو الأمر الذي انعكس على خطط الدفاع عن البلاد عسكريًا.

تقرر أن يكون الدفاع عن المدن العراقية من مسؤولية الجيش النظامي، باستثناء العاصمة بغداد التي وضعت في عهدة قوات الحرس الجمهوري.

وقبل شهرين من بدء الحرب، وتحديدًا في 18 ديسمبر 2002، فاجأ صدام حسين قادته خلال اجتماع عسكري شاركت فيه قيادة الجيش النظامي من أجل إقرار خططهم الدفاعية عن كامل البلاد.

لم يصادق صدام على الخطط المعدة، وفي المقابل وضع أمامهم خططًا بديلة للدفاع عن المدن العراقية وبغداد، كلف وفقها الحرس الجمهوري بالانتشار حول المدينة في أربع دوائر دفاعية تفصل بين كل منها 10 كيلومترات وتمنح مساحة للتراجع إلى الداخل تحت وقع الهجوم المحتمل وعند الدائرة الأخيرة يكون قتال حتى الموت.

تولى بعد ذلك رئيس الأركان العامة للحرس الجمهوري الفريق سيف الدين الراوي تقديم الخطة إلى القادة وضباط الأركان، وذلك بحضور نجل الرئيس قصي صدام حسين الذي كان يشرف على قوات الحرس الجمهوري.

بعض الضباط نبهوا إلى عدة ثغرات في خطة الدفاع عن بغداد، الأمر الذي رفضته القيادة، وقالت إن الرئيس قد أقرها بشكل نهائي.

هجوم جوي مكثف

اعتقد صدام أن هجوم التحالف سيبدأ بعملية جوية مكثفة، لكنه استبعد وصول الهجوم البرّي إلى بغداد بشكل سريع.

وافترض صدام أن قوات التحالف ستفشل في الوصول إلى بغداد مع مرور الوقت، وكان ظنه الغالب أن الأمور ستسير على نهج عاصفة الصحراء: هجوم جوي مكثف يتمكن خلاله النظام العراقي من حشد رأي عام دولي قادر على إيقاف الحرب.

هاجس صدام الأكبر كان أن تؤدي الحرب إلى اندلاع انتفاضة داخلية، تزيد من احتمالية الانقلاب العسكري.

يوم 19 مارس/ آذار 2003، غادر آخر مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة الأراضي العراقية، وفي ذلك المساء أعلن الرئيس جورج بوش أنّ أمام صدام وأبنائه 48 ساعة للتنحي والبديل مواجهة عسكرية حتمية.

وبالفعل، بدأت الحرب فجر 20 مارس 2003 بضربات جوية مكثفة، وتصاعدت ألسنة النار في سماء العراق، وذهل العالم من حجم الضربة العسكرية.

أخطاء نجل صدام

خلال السنوات التي تلت الحرب، تسربت الكثير من الشهادات العسكرية عن كواليس الغرف العسكرية العراقية متحدثة عن نقاط الضعف العسكري التي أحاطت بها، خاصة ما أسموه فوضى الأوامر وضعف الاتصال.

الضابط علاء عبد القادر أحد ضباط الحرس الجمهوري يقول في شهادته: "كنا هدفًا سهلًا للقوات الأميركية بعد أن انقطع التواصل مع قيادتنا، ولم نكن نعرف أي هدف نضرب أو إلى أي مكان نتجه".

وأشار عبد القادر إلى أن تعيين قصي على رأس الجيش لم يكن له أي مبرر، حيث اتخذ قرارات مصيرية خاطئة كإرسال تشكيلات من الحرس الجمهوري بعيدًا عن العاصمة، تحديدًا إلى مناطق قرب كربلاء وغرب الفرات، ظنًا منه أن القوات الأميركية ستأتي من هناك، وعندما اكتشف خطأه أمر الجنود بالعودة إلى بغداد، لكن الوقت كان متأخرًا جدًا".

جورج بوش مع القوات الأميركية المقاتلة في العراق - غيتي
جورج بوش مع القوات الأميركية المقاتلة في العراق - غيتي

ووفقًا لما ذكره عبد القادر، أدرك قصي أن العسكريين غير راضين عن قراراته، فدعا لاجتماع موسع وصب كل اللوم عليهم، حتى إن أحد كبار القادة العسكريين انهار وراح يبكي قائلًا بأن خيرة جنوده قتلوا.

وفي 21 مارس، وعند الساعة التاسعة مساءً بتوقيت غرينيتش، عبرت القوات البرية الحدود بين العراق والكويت لبدء الغزو البري.

وتم تعجيل قرار بدء العمليات البرية بعد تقارير مخابراتية عن وجود صدام وبعض مستشاريه الرئيسيين في موقع في جنوب بغداد.

المعركة الأولى كانت ميناء أم قصر والذي هاجمه من البحر لواء بريطاني يعززه مشاة البحرية الأميركية، مما أدى إلى سقوط الدفاعات العراقية سريعًا.

ثم تقدمت الفرقة الثالثة التي قادت الهجوم البري في عمق الأراضي العراقية وباتجاه الشمال على المحور الصحراوي بالجانب الغربي من نهر الفرات، والهدف كان العاصمة بغداد.

عيوب أميركية

عامل مهم كان سببًا وراء تخلخل الكتائب والتشكيلات العسكرية العراقية وهو اضطراب العلاقة بين صدام وبنية نظامه العسكري بعد عام 1991، حيث ترسخ الولاء الحزبي والعرقي والطائفي كأولوية فوق كل عامل موضوعي آخر، واختفت التقارير الواقعية، فأي شخص يقدم حقائق غير مستساغة غالبًا ما يدفع ثمناً باهظاً، وكانت النتيجة انفصال القيادة عن الواقع.

طبقًا لشهادة ضباط عراقيين، فإن الجيش النظامي قاتل حتى النهاية والتزم بالخطط التي وضعتها القيادة السياسية.

لكن الأميركيين لم يكملوا هم أيضًا استعدادهم الكامل للحرب وسيناريوهاتها رغم التخطيط طويل الأمد لإسقاط نظام صدام.

فهناك دراسة أعدّها الجيش الأميركي لتحليل أدائه في حرب العراق، أقرّت بأن التخطيط للحرب من جانب الولايات المتحدة فشل في إشراك عدد كافٍ من القوات لتأمين البلاد بعد الإطاحة بصدام حسين.

واعترفت الدراسة أيضاً بأن الجيش الأميركي لم يكن يعرف سوى القليل جدًا عن العراق وسياساته، بل إن الفجوات المعلوماتية سببت الكثير من العيوب في الافتراضات الأميركية قبيل الاجتياح.

وفي مذكرة صادرة عن وزارة الدفاع بعنوان "من سيحكم العراق؟" جاءت في أغسطس/ آب 2002، ناقش الأميركيون إنشاء "سلطة مدنية انتقالية" في العراق بعد اكتمال الغزو، لكنهم رفضوا تشبيه الغزو المرتقب باحتلال اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت النتيجة إنشاء سلطة التحالف المؤقتة بقيادة البنتاغون في العراق.

كما خشي الأميركيون أيضًا عنصر المفاجأة، ويظهر ذلك في خطة عسكرية كتبت عام 2002 بعنوان "خطط لتحرير" بغداد أوكلت إلى قيادة القوات البرية للتحالف.

أثارت الخطة المخاوف من القتال في المناطق الحضرية بشكل يشبه القتال في مدينة غروزني أو مقديشو، وبالتالي لم تكن خطة الاستيلاء على بغداد محسومة.

كتيبة عراقية

واحدة من الأفكار التي طرأت على خطة الهجوم على بغداد فكرة إنشاء كتيبة عراقية تابعة لقوات التحالف.

وفعلًا في ربيع عام 2002، أجرى دوغلاس فيث وكيل وزارة الدفاع مشاورات مع قادة المعارضة العراقيين، وكان مهتمًا باستخدام وجه عراقي حتى يُنظر إلى الغزو لاحقًا على أنّه تحرير وليس احتلالا.

كانت فكرة فيث تعتمد على تجنيد عراقيين يعيشون في الخارج للقتال إلى جانب قوات التحالف الغازية، وأطلقت وزارة الدفاع على الكتيبة العراقية اسم القوات العراقية الحرة.

ويؤكد هذا التوجه مذكرة وزارة الدفاع الصادرة في 12 أبريل/ نيسان 2002، التي أشارت إلى أن التدريب القتالي هو خطوة ضرورية في تنفيذ توجيهات الرئيس بوش وسوف يبني الثقة مع المعارضين العراقيين، "ويقلل من إمكانية قتل قوات الحلفاء" في عملية عسكرية.

تصحيح العلاقات مع الأكراد

وفي حوارات كُشف عنها لاحقاً مع الزعيم الكردي مسعود البرزاني، حاول نظام البعث تدارك الموقف مع الأكراد عشية الحرب، إلا أن المحاولة جاءت متأخرة في نظر الأكراد.

افتراضات القيادة العراقية كانت متضاربة وتفتقر إلى المعلومات الدقيقة، إذ لم يتوقع الجيش العراقي بأن يشارك الأكراد في القتال عبر قوات البيشمركة.

أيضًا لم يقم صدام بتركيز الاهتمام على الجبهة الجنوبية حتى مطلع مارس/ آذار، عندما رفضت تركيا السماح لقوات التحالف بالمرور من أراضيها إلى العراق.

وتوقع العراقيون أن يتم فتح جبهة غربية عن طريق الأردن وظهرت العديد من المؤشرات التي تؤيد توقعهم هذا.

وفي الأول من أبريل/ نيسان 2003، هاجمت القوة المدرعة لقوات المارينز الأميركي الممر فوق نهر دجلة في قطاع النعمانية، وكان الأميركيون يتقدمون بسرعة من اتجاهين مختلفين نحو بغداد، فوقع بعض قادة الحرس الجمهوري في مأزق كبير.

القوات الأميركية في بغداد - غيتي
القوات الأميركية في بغداد - غيتي

وفي شهادة أدلى بها قائد الفيلق الجنوبي بالحرس الجمهوري الجنرال رعد مجيد الحمداني والذي تحدث بإسهاب عن كواليس معركة بغداد، قال إن كل الجهود قد فشلت في إقناع القيادة العليا بضرورة إرسال التعزيزات إلى الجبهة، حيث أصيبت القوة الرئيسية في قطاع كربلاء بضربة قاسية.

وإثر الضربات الأميركية المتتالية، تم استدعاء القادة أمام رئيس الأركان العامة للحرس الجمهوري بحضور قصي صدام وكان من بين الحضور رعد الحمداني ووزير الدفاع سلطان هاشم، وكان اللقاء هو الأهم في تلك المرحلة.

قال الحمداني في شهادته، إن قصي افتتح الاجتماع بالإعلان عن أن أوامر الرئيس بالانتشار الفوري ضد تهديد التحالف المتوقع من الأردن، وعليه لابد من نقل فرقة "النداء" إلى الشمال وتحميلها مسؤولية الدفاع عن شمال بغداد، ثم أمر بزرع حقول الألغام شمال وغرب بغداد.

أضاف الجنرال الحمداني: "الحديث عن إنشاء حقول ألغام جعلني أتيقن أنهم كانوا يعتقدون أننا نحارب إيران مرة أخرى".

اعترض الحمداني على هذه الخطط التي ستبقي لديه فرقتين فقط لمواجهة القوات الأميركية التي تهاجم بغداد من الجنوب، ومن المحتمل أن يسيطروا على المنطقة ويعبروا الجسر فوق نهر الفرات في نفس الليلة مما يجعلهم على مسافة قريبة مِن بغداد. رد وزير الدفاع أن صدام اتخذ قراره ولا مجال للجدال.

هزيمة الحرس الجمهوري

في الثالث من أبريل 2003، بدأت قوات التحالف في عبور نهر الفرات صوب العاصمة، ووجدت قوات الحرس الجمهوري نفسها وجهًا لوجه مع القوات الأميركية، مفتقرة إلى القوة البشرية والسلاح والروح القتالية.

هُزمت قوات الحرس الجمهوري، تحديدًا اللواء العاشر مدرع، طليعة الجيش العراقي في الحرب ضد إيران، وأحد ألوية النخبة العراقية المدرعة في عهد صدام حسين.

كان انهياره يرمز إلى تلك النهاية الحتمية أكثر من أي شيء آخر، فهو اللواء الذي عزز البعث في السلطة، وكانت هزيمته أوضح نذير بسقوط بغداد.

فوجئ الأميركيون بسرعة اختراقهم دفاعات الحرس الجمهوري في كربلاء، لكن لم يفارقهم الحذر من ظهور 15 ألف مقاتل من فدائيي صدام، كما أن بعض التقارير كانت تشير إلى زيادة احتمالات استخدام أسلحة كيميائية.

عقب انهيار الجيش العراقي، صرح قائد الحملة العسكرية الأميركية على العراق الجنرال تومي فرانكس أن عدداً من كبار ضباط الجيش العراقي تقاضوا رشاوي من الولايات المتحدة حتى يمنعوا قواتهم من القتال أثناء الحرب.

تصريح الجنرال الأميركي وغيره من تصريحات زادت الأسئلة حول أسباب الانهيار السريع للجيش العراقي.

لكن بعد عشرين عامًا على الحرب، لم يثبت أحدًا أمر الرشاوى المزعوم، ما رجح أن يكون تسريبات أميركية تدخل ضمن أدوات الحرب النفسية.

"خزائن خاوية"

بعد الحرب، شكل عدم استخدام أي أسلحة محظورة هاجسًا لدى المحققين الأميركيين، حيث تم استجواب كبار قادة النظام العراقي منهم طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي السابق.

قال المحقق لطارق عزيز: "إذا كان العراق لا يملك أسلحة كيماوية فلماذا لم يحاول صدام حسين أن يوضح ذلك للعالم؟".

إلا أن الإجابة كانت صادمة: "لم يستطع صدام أن يقول ذلك، لأنه يخشى إراقة ماء وجهه أمام جيرانه العرب. لا يريد أن يقول إن خزانته كانت خاوية، وليس ثمة سبب للخوف منه".

صدام حسين خلال محاكماته - غيتي
صدام حسين خلال محاكماته - غيتي

وفي استجوابات أخرى، قال عدد من الضباط العراقيين للمحققين الأميركيين إنهم كانوا مقتنعين بأن الأسلحة الكيماوية موجودة وسيتم نشرها للدفاع عن بغداد، لكن لم يعترف أي منهم أن الأسلحة كانت ضمن كتيبته.

وقال مسؤول أميركي إن الإجابة كانت موحدة: "يقول كل واحد من هؤلاء الضباط العراقيين إن وحدتي لم تكن لديها هذه الأسلحة، لكن الوحدة المجاورة لوحدتي يمينًا أو يسارًا كانت تمتلكها".

افترض الأميركيون أن صدام حسين قد خدع حتى جنرالاته منعًا لاحتمال تمردهم.

معركة المطار

في 7 يوليو/ تموز عام 2004، خرج تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، وتضمن نقدًا تفصيليًا لاذعًا للتقديرات الاستخباراتية قبل غزو العراق.

وأشار التقرير إلى مجموعة من مصادر غير موثوقة ومعلومات مضللة ساهمت في حجب بعض الحقائق.

ولعل تصريح لويس رويدا مسؤول عمليات العراق في السي آي إيه هو ما يوضح كيف كانت مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل أو وجود علاقة له مع القاعدة مجرّد ذرائع وأن الهدف كان دوما الإطاحة بنظام صدام حسين.

وقال رويدا: "كنا سنغزو العراق، حتى لو كان ما بحوزة صدام هو مجرد رابط مطاطي ومشبك ورق. كنا سنقول إنه سيستخدم هذه الأشياء لفقأ عينك".

وثائق بريطانية أفرج عنها مؤخرًا أشارت إلى علم كل من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الأميركي جورج بوش بعدم قدرة العراق على امتلاك أو تطوير أسلحة دمار شامل قبل عامين من الغزو.

في 3 أبريل، استمر الهجوم على بغداد لتندلع معركة المطار الشهيرة، التي خاضها الحرس الجمهوري مع مقاتلين من فدائيي صدام إضافة إلى متطوعين عرب، واستمر الهجوم ليومين، لكن قوات الحرس الجمهوري النخبوية فقدت قدرتها على مواصلة القتال.

يقول القائد السابق للحرس الجمهوري العراقي الفريق أول سيف الدين الراوي: إن "الجيش الأميركي استخدم القنابل الفوسفورية في هجومه على مطار بغداد قبيل الاستيلاء على العاصمة العراقية، وإن الجنود العراقيين الذين كانوا من قوات النخبة لم يفروا، بل قاتلوا حتى الموت ولم ينج أحد منهم خلال معركة المطار".

سقوط صدام

بعد ذلك، سيطرت قوات التحالف الناشطة داخل المدينة على قصور صدام والمكاتب، وكانت هذه آخر ملامح الانهيار الكامل.

وفي صباح 9 أبريل، نجحت واشنطن في تطويق العاصمة من كل الاتجاهات، وانسحب معظم مقاتلي المليشيات العراقية من تشكيلات جيش القدس وفدائيي صدام، ولم يبق في شوارع بغداد سوى بعض المتطوعين العرب، وتبخرت قوات النظام العسكرية كأنها لم تكن موجودة؛ فسقطت بغداد، وسقط أحد أكبر تماثيل صدام حسين في ساحة الفردوس.

قالت ابنة الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي صدام تماره وطبان التكريتي، إن عمها صدام كان يزورهم في المنزل كل يوم خلال الحرب حتى التاسع من أبريل.

وأضافت: "عندما رأى الأحداث عبر التلفاز ورأى الشعب العراقي وهو يسقط تمثاله، تألم كثيراً وذهب ولم يروه بعدها".

أكثر من عشرين عامًا مضت على سقوط بغداد، ومعها نظام البعث الذي حكم العراق لأكثر من 35 عامًا.

سقوط لعاصمة عربية بقدر ما كان مؤلمًا لمشاعر العرب كان في رأي الكثيرين حتميًا لحكم ديكتاتوري، أدخل البلاد في مغامرات متهورة كان آخرها أسلوب إدارته لهذه المعركة الفاصلة.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close