الخميس 9 مايو / مايو 2024

الحرب على العراق.. كيف أقام مناهضوها أكبر مظاهرة في تاريخ بريطانيا؟

الحرب على العراق.. كيف أقام مناهضوها أكبر مظاهرة في تاريخ بريطانيا؟

Changed

تتناول حلقة "كنت هناك" المظاهرات المناهضة للغزو الأميركي – البريطاني التي شهدتها المملكة المتحدة عام 2003 (الصورة: تويتر)
استبق نشطاء السلام المناهضون للحرب على العراق حصولها، وملؤوا شوارع العواصم الغربية، لتشهد العاصمة البريطانية لندن أكبر مظاهرة في تاريخها.

بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، بدأت الولايات المتحدة تعد لحربها الانتقامية تحت شعار الحرب على الإرهاب، فدخلت أواخر ذلك العام، وبمشاركة التحالف الدولي، في حرب على أفغانستان ضد حكم حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

ولم تهدأ تلك الحرب، حتى بدأ الرئيس الأميركي جورج بوش للحشد لحرب أخرى في العراق. وفي يوم 15 فبراير/ شباط 2003، خرجت مظاهرات حاشدة منددة بشن حرب على بغداد، في أكثر من 600 مدينة عبر العالم، فشهدت لندن أكبر تحرك شعبي في تاريخ البلاد، حيث قدرت أعداد المشاركين فيها بحوالي مليون ونصف شخص.

وقالت المنسقة العامة لتحالف "أوقفوا الحرب" ليندسي جيرمن: "في الفترة التي سبقت غزو أفغانستان، قلنا إنها ستكون بداية لسلسلة من الحروب وليست النهاية، وإنه لا يوجد أي مبرر للحرب مهما كانت أحداث 11 سبتمبر فظيعة".

من جهتها، قالت الأمينة العامة لحملة نزع الأسلحة النووية كيت هيدسون: " بعد ذلك، سرعان ما اتضح أن جورج بوش وتوني بلير، رئيس الوزراء آنذاك، يريدان المضي قدمًا وإعلان الحرب في العراق".

اجتماع بوش وبلير

وفي كامب ديفيد، رحب جورج بوش بتوني بلير واجتمعا في سبتمبر 2003 حول آليات الحفاظ على السلام.

ولفت زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن إلى أنه كان من الواضح حينها أن علاقة توني بلير الوثيقة جدًا ببوش، ودعمه لأهدافه الجيوسياسية، يعني أن بريطانيا ستتورط على الأرجح مع واشنطن.

من جهته، أوضح مدير المركز العربي البريطاني كريس دويل أنه "إذا عدنا إلى عام 2002، نجد أنه في اجتماع بليز وبوش، كان القرار قد اتخذ تقريبًا حول الحرب على العراق". يومها، قال بلير: إن بوش "محق في التحذير من تهديد أسلحة الدمار الشامل، وهذا التهديد حقيقي".

ولفت الأمين العام لمنظمة المغتربين العراقيين الدولية عبد المنعم المولى، إلى "أننا تفاجأنا أن الضمير الغربي الحي لدى الشعوب كان واعيًا ومتيقنًا أن كارثة ما سوف تحل في هذا البلد".

الرأي العام البريطاني المناهض للحرب

قبل 18 عامًا، وفي مقر رئاسة الوزراء البريطانية، وضع توني بلير بتنسيق مع البيت الأبيض في واشنطن خطط الحرب على العراق، لكن الرأي العام في شوارع بريطانيا كان يرسل أكثر من إشارة لرفض مشاركة البلاد في تلك الحرب.

وقال زعيم حزب العمال البريطاني السابق: "تم الحشد على مدار عام 2002 وكنا ندرك جيدًا المخاطر المستمرة، وكنا نرى في الحشد للمعدات العسكرية في المنطقة كأساس يمهد لمهاجمة العراق، ولكن أيضًا الحشد السياسي الذي كان يجري من قبل بلير وحكومته واستمر ذلك بوتيرة بطيئة".

وطوال عام كامل، ومع تواتر المعلومات عن حرب محتملة ووشيكة، كان نشطاء السلام المناهضون لتدخل عسكري مجهول العواقب في العراق يملؤون شوارع العواصم الغربية. 

في هذا السياق، أوضحت جيرمن أن تحالف "أوقفوا الحرب" اجتمع مع أشخاص في جميع أنحاء أوروبا وأميركا وأماكن أخرى في العالم، "واتفقنا على العمل لإعداد يوم حراك دولي".

وقالت: "أجرينا مناقشة حول التاريخ ومواضيع عدة، واتفقنا على الخامس عشر من فبراير تاريخًا لتحركنا، ثم عملنا لتكون أكبر مظاهرة حدثت في بريطانيا على الإطلاق، وهذا ما نجحنا في القيام به".

وأضافت: "علمنا أن خطر الحرب كان حقيقيًا للغاية، أعتقد أن الكثير من الناس شعروا أنهم يستطيعون إيقاف الغزو بمجرد المشاركة، لذا حصلنا على تفاعل لم نشهده أبدًا من قبل".

السعي لاستمالة النخب البريطانية

وأشار دويل إلى أن المظاهرات ضد الحرب كانت مستمرة منذ فترة، لكن المنظمين بدأوا في عقد لقاءات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، باقتراح من مجموعة بريطانية تسمى "المقاومة العالمية"، وطرحوا الأمر على نظرائهم الأوروبيين، وظهرت فكرة يوم عالمي للتحرك في الخامس عشر من فبراير 2003.

وقال: "كان الأمر غير عادي، خاصة عندما تفكر في عدد المدن في جميع أنحاء العالم التي انضمت للفعاليات وليس فقط في بريطانيا، فروما شهدت إحدى أكبر المسيرات في التاريخ وكذلك مدريد". لكنه اعتبر أن التحرك الأكثر تأثيرًا كان في لندن بسبب موقف رئيس الوزراء، بحسب دويل.

وكان رئيس الوزراء البريطاني يواجه في البرلمان ضغطًا مشابهًا لزخم الاحتجاجات في الشوارع، وكان يحاول بكل الطرق إقناع النخب بضرورة الذهاب لتلك الحرب. 

ولفت كوربن إلى محاولات من قبل حكومة بلير آنذاك للتواصل معنا، وقال: "كانت هناك اجتماعات مع أعضاء البرلمان ممن كانت لديهم مخاوف بشأن حرب العراق، وكان لدي اجتماع مطول للغاية مع توني بلير في ذلك الحين، ولم يسر على ما يرام، حيث بدا لي وكأنه في نفق ويردد عبارة نحن ذاهبون إلى الحرب، وفي نهاية الاجتماع قلت له حسنًا، أنت لم تقنعني على الإطلاق لماذا نقوم بهذا".

وقال كوربن أنه أجابه: "نحن نفعل ذلك لأنه الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به ثم ضرب يده على الطاولة".

ملف المراوغة

واعتبر مدير المركز العربي البريطاني كريس دويل أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا تستعدان لاحتلال العراق وكان عليهما إعداد الجمهور لهذا الأمر، ما استدعى إطلاق عدد من الملفات والنقاشات في البرلمان، ومنها ملف سبتمبر/ أيلول 2002 الذي قامت الحكومة على أساسه بصياغة الكثير، "حيث يظهر نظام صدام حسين كتهديد خطير ووشيك".

وأكّدت الأمينة العامة لحملة نزع الأسلحة النووية كيت هيدسون أنه كان هناك رأي عام قوي ضد ذلك، لكن رئيس الوزراء تقدّم بملفه الخاص الذي زعم من خلاله أن بريطانيا في خطر نتيجة ما يجري في العراق، مدعيًا امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.

وأضافت: "اتضح أن كل ذلك هراء، خصوصًا أن المواطنين تعبوا من أكاذيب الحكومة، ولم يريدوا أن يدخلوا في حرب غير شرعية".

ومع اقتراب تاريخ 15 فبراير، الموعد الي كان يستعد فيه مناهضو قرار بلير لخوض الحرب، لم يكن أحد يتوقع أن شوارع لندن ستكون على موعد مع أكبر مظاهرة في تاريخ البلاد.

وبدأ العمل في مكتب كيت قبل أشهر وحصلت منظمة "أوقفوا الحرب" على دعم كبير، ثم شُكل ما سيعرف لاحقًا بالتحالف الثلاثي بين "أوقفوا الحرب" و"حملة نزع السلاح النووي" و"رابطة المسلمين في بريطانيا" التي بدأت تقيم اجتماعات أسبوعية لتنظيم الأمور المالية واللوجستية.

وأشارت جيرمن إلى أن الحكومة قالت قبل أسبوع من المظاهرة، إنه لا يمكن التجمع في هايد بارك، لأن ذلك سيضر بالعشب، لهذا كان هناك خلاف سياسي كبير حول الموضوع، ما دفع النشطاء للضغط على الحكومة.

وقالت هيدسون: "كان علينا إجراء الكثير من الاجتماعات وحشد الآراء من أعضاء البرلمان والمحامين والشخصيات لنقول إن العشب مهم، لكن الإرادة الديمقراطية والسياسية للناس في مثل هذا الوقت الحاسم يجب أن تكون أولوية".

مظاهرة 15 فبراير 2003

استيقظت العاصمة البريطانية صبيحة 15 فبراير 2003 على حركة غير عادية؛ ففي ذلك اليوم كانت الوجهة التي سيتقاطر إليها كل رافضي الحرب على العراق من أنحاء المملكة. 

اضطر كوربن على اجتياز قائمة انتظار طويلة ليتمكن من دخول محطة القطار. وانطلقت الحافلات من كل المناطق. 

وحتم أعداد المشاركين الكبير اختيار نقطتي انطلاق للمظاهرة؛ لذا، وبدلًا من محاولة حشد الجميع على الجسر قبالة نهر التايمز، اختير مكانان لانطلاق المسيرة، بحسب هيدسون. 

وشارك في المسيرة كينيث كاوندا الرئيس السابق لزامبيا والمغنية كايلي مينوغ وغيرهم. وقال كوربن للحشود: "إن الحرب لن تحل أي شيء، بل ستكون بداية حروب كثيرة وإرهاب الغد".

دعم البرلمان لقرار بلير

لكن الأصوات التي أشهرت رفضها للحرب في تلك المظاهرات، لم تكن بالقوة ذاتها داخل البرلمان البريطاني، حيث كان بلير ينال المزيد من الدعم.

وكان غالبية نواب حزب العمال يدعمون توني بلير، وكان تقريبًا جميع النواب المحافظين في تكتل المعارضة.

وكان بلير يصرّ على أن يضيف لتاريخ بلاده حربًا أخرى. وفي 20 مارس/ آذار 2003 أعلن بلير "بدء الحرب على العراق للإطاحة بنظام صدّام حسين ونزع أسلحة الدمار الشامل".

وكانت الأحداث في بريطانيا تتلاحق بعد دخولها الحرب في العراق، حيث بدأ زمن سياسي آخر. فغادر توني بلير رئاسة الوزراء بعد قراره المشاركة في الغزو، لكن البريطانيين لم يغادروا الشوارع طوال تلك السنوات، وهم يتظاهرون ضد قرار الحرب ويطالبون بالمحاسبة.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close