الخميس 9 مايو / مايو 2024

المدارس الأجنبية بدلًا من الوطنية.. أي أثر على التعليم في العالم العربي؟

المدارس الأجنبية بدلًا من الوطنية.. أي أثر على التعليم في العالم العربي؟

Changed

"قراءة ثانية" يناقش إشكالية التربية والتعليم بين المدرسة والجامعة الوطنية وتلك الأجنبية وتتساءل الحلقة عما إذا كانت المؤسسات الأجنبية مجرد ذراع للاستعمار السابق (الصورة: غيتي)
مقابل الأصوات التي تحذّر من خطورة المدارس الأجنبية على لغة وثقافة الطلاب العرب، لا ترى أصوات بديلًا عنها في ظل تعليم وطني ضعيف.

فيما لا يخلو بلد عربي من مدارس أجنبية يتلقى فيها الطلاب المعارف والعلوم الحديثة بلغة أجنبية، يرى البعض أن الأمر لا يتوقف عند التدريس بلغة أجنبية، إنما يشمل ثقافة وتاريخ البلدان التي تنتمي إليها هذه المدارس.

ومقابل الأصوات التي تحذّر من خطورة ذلك على لغة وثقافة الطلاب العرب وعلى هوية المجتمعات العربية، لا ترى أصوات بديلًا عن المدارس الأجنبية في ظل تعليم وطني ضعيف ومناهج تدريس متأخرة.

"جزء من سياسات المستعمر"

في عام 1882، كتب المفوض البريطاني في مصر لورد دوفرين "إن أملّ التقدم ضعيف طالما أنّ العامة تتعلم اللغة الفصيحة العربية"، حيث كانت إزاحة العربية عن مناهج التعليم جزءًا من سياسات المستعمر الأوروبي في مصر وغيرها.

وفرضت المدارس الأجنبية التعليم بالإنكليزية في مصر والسودان والعراق، وبالفرنسية في لبنان وسوريا وتونس والجزائر والمغرب.

ودأب الاستعمار على محو الحضور العربي الفصيح في بعض البلدان الإفريقية؛ مثل زنجبار وكينيا وأوغندا لصالح الإنكليزية.

رحلت جيوش الاستعمار ولم ترحل مدارسه ومناهجها، بل ازدادت حضورًا بسبب ضعف التعليم الوطني الذي وصفه الأديب العالمي نجيب محفوظ في كتابه "حول الثقافة والتعليم" بأنه ليس بالتعليم وليس بالمجّان، وبأن مناهجه قاصرة عن تدريب التفكير والذكاء والإبداع أو تكوين الشخصية الاجتماعية المنشودة.

وفي حين ذهب خبراء التعليم الوطني إلى استحالة مواجهة العالم وتحصيل معارفه من دون لغة أجنبية، إلا أنهم اختلفوا حول سياسات تعليم اللغتين العربية والغربية.

ويؤيد فريق تأجيل اللغة الأجنبية إلى ما بعد مرحلة التعليم الأساسية، ريثما يتمكّن الطالب العربي من تحصيل لغته وترسيخ هويته، بينما يشير آخرون إلى إمكانية الجمع بين اللغتين في مراحل التعليم الأساسية، وفاعلية ذلك وفق دراسات لسانية ونفسية.

الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ يصف التعليم الوطني بأنه ليس بالتعليم وليس بالمجّان – أرشيف غيتي
الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ يصف التعليم الوطني بأنه ليس بالتعليم وليس بالمجّان – أرشيف غيتي

الخطورة في "بناء الإطار المرجعي"

ويتحدث رئيس قسم العلوم التربوية في جامعة قطر عبد الله أبو تينة، عن وجود مزايا وعيوب حول مسألة التعليم في المدارس الأجنبية، لكنه يشير إلى وجود "تأثير" للمدارس الأجنبية بتفرعاتها المختلفة. 

ويتوقف في إطلالته عبر "العربي" من إستديوهاته في لوسيل عند التصنيفات بشأن المدارس، فيقول إن منها الوطنية التي تقدم المنهج الحكومي في الدول العربية، والخاصة التي تسير على نهج المدارس الحكومية لكنها تختلف من حيث تقديمها بيئة يدعي البعض أنها أفضل في ما يتعلق ببعض الخدمات اللوجستية المساندة للطلاب.

ويشير إلى المدارس التي تُسمى في بعض الدول بمدارس الجاليات، وتقدم المنهج الوطني للدولة التي ينتمي إليها الطلاب، وأخرى تسمى المدارس الدولية التي نراها أحيانًا في الوسط، ويكون فيها البعدان العربي والأجنبي.

كما يلفت إلى المدارس الدولية الأجنبية المحددة، التي ربما يكون بعضها فروعًا من مدارس دولية أخرى تأتي من دول مثل بريطانيا أو فنلندا أو الدنمارك أو الولايات المتحدة.

ويتوقف عند خطورة المدارس الأجنبية في ما يسمى بـ"بناء الإطار المرجعي" للأطفال في مرحلة رياض الأطفال وما بعد ذلك، مبينًا أنّ في هذه المرحلة يبدأ تشكل القيم والمسلمّات والتعميمات وكيفية النظر إلى الآخر لدى الطلاب.

ويذكر بأن جزءًا أساسيًا من المنظومة القيمية والفكرية بشكل عام لدى الأشخاص متى تشكل في المراحل الأولى يصعب تغييره في المراحل اللاحقة. 

وبينما يلفت إلى أن كثيرًا من القيم نؤمن بها دون اختبارها وتصبح من المسلمات بناء على ما قرأناه من قصص وروايات، يوضح أن "إحدى الإشكاليات الموجودة في المدارس الأجنبية، أنها تبدأ بتشكيل نظام قيمي فكري لدى الطلاب يستند إلى إرثها وتاريخها".

"يفترض حصره بأبناء الجالية"

من جانبه، يرى أستاذ العلوم التربوية في الجامعة اللبنانية عدنان الأمين وجوب عدم المبالغة في موضوع المدارس الأجنبية، لأن الموضوع قديم في زمن الاستعمار.

ويعتبر في حديثه إلى "العربي" من بيروت، أن المدارس الأجنبية التي كانت في ذلك الوقت وعملت على تنشئة المواطنين على مناهجها، لم تعد ذات قيمة في سائر الدول العربية.

ويوضح أن المدارس الأجنبية الحالية موجودة في عدد من الدول وهي موجهة للجاليات، التي تتعلم بمناهج بلدانها، في حين يتعلم المواطنون في المدارس الوطنية. ويؤكد ألا مشكلة الآن في هذا السياق. 

وحول قبول المدارس الأجنبية كل الطلاب وليس فقط أبناء الجاليات، يقول: "إن هذا الالتحاق يفترض أن ينحصر بأبناء الجالية، أما أبناء البلدان العربية فيجب أن يتعلموا إما في مدارس حكومية أو خاصة تتبع المنهج الوطني".

ويؤكد "أنها مسألة تنشئة الصغار على ثقافة بلادهم وشؤونها"، لافتًا إلى أن "الأهم من ذلك هو أن على الحكومات العناية بمدارسها الحكومية والخاصة والحرص على نوعية التعليم فيها".

ويقول: "هكذا بدلًا من طرد تلاميذنا من المدارس الخاصة والرسمية إلى مدارس أجنبية، فلنعتن بمدارسنا بدلًا من مهاجمة المدارس الأجنبية".

ويشدد على أن "القضية متعلقة بسياسة الحكومات بإدارة الشأن التربوي العام.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close