Skip to main content

الهجرة غير النظامية بلبنان.. ملف متفجر مع غياب التشريع والأمن لمواجهته

الثلاثاء 6 سبتمبر 2022

تتوزّع قوارب الموت من لبنان في عرض المياه الإقليمية، وباتت الهجرة حلمًا وإن انتهت بتشييع جثامين. وأصبح حلم الدواء، والكهرباء، والخبز كابوسًا متنقلًا بين مفقود أو طابور الانتظار، بينما تصبّ الخطط السياسية جهودها على معركة الاستحقاق الرئاسي.

ورغم أن المصير مجهول، إلا أن اللبنانيين يركبون زوارقه ويصارعون أمواجه. ويُقال إن 60 أو 70 لبنانيًا عالقون على متن قارب بين إيطاليا ومالطا واليونان، بينهم امرأتان حاملتان، وأطفال توفي منهم اثنان.

تناوبت على هؤلاء المصائب في لبنان، فاختاروا الهرب ملجأ، فإذا به أشد قسوة. تختنق آمالهم، كما الفرص، أمام مستقبل أفضل. إنهم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون، يجمعهم الانهيار الاقتصادي، ويطلق العنان عبر مرفأ طرابلس لموجة من الهجرة القسرية.

تتوالى الزوارق، والبحر شاهد على مراسم الدفن، حيث تفقد عائلات تباعًا أفرادها، ولا عبرة تُرجى من فاجعة "زورق الموت" في أبريل/ نيسان الماضي، لتمنع تكرار الكارثة، رغم أن جزءًا من جثامين ركابه بقيت قيد الأعماق.

زلزال مالي مستمر منذ 2019

لم يعد فأل البحر الأبيض المتوسط أبيض على الفارّين عبر أمواجه. بات كابوسًا، حيث يدفع هؤلاء أثمانًا مضاعفة بعدما خسروا كل مدخراتهم وودائعهم في المصارف، أما رواتبهم فلم تعد توازي سعر صفيحة وقود، ناهيك عن الخدمات المفقودة التي يتلاعب الدولار وسعر الصرف بها.

هي سياسات تسبّبت بزلزال مالي مستمرّ منذ عام 2019، وما تبعه من انفجار مرفأ بيروت، الذي تحوّلت معه القدرات الغذائية والطبية إلى غبار؛ بينما المسؤولون من شخصيات سياسية وحزبية في وادٍ آخر مدخله الصراع على الكرسي الرئاسي لتتفرّغ بعده هذه الأحزاب لمعركة تقاسم الحقائب الوزارية؛ وهو ما يشكّل أولوية الساسة اللبنانيين، والتي تتمحور حول إدارة الأزمة والانهيار وتحقيق الانتصارات بين فريق على حساب فريق آخر.

أما المواطن، فلا وجود له على هذه الأجندة، ليبقى السؤال: هل أصبح البحر الخيار الوحيد أمام اللبنانيين للفرار من وضع اقتصادي متأزم وسياسي خانق؟ ولماذا لا تضع السلطات اللبنانية حلولًا عاجلة لمواجهة ظاهرة الهروب من الوطن؟

لا سياسات حقيقية لمنع "قوارب الموت"

في هذا السياق، يوضح الصحافي المختص في شؤون الشمال اللبناني صهيب جوهر، أن "لا سياسات حقيقية لمنع أو إعادة هذه الزوارق، بل هناك مشكلة سياسات عامة تتعلّق بالأمن الغذائي والأمن الاجتماعي، خصوصًا في الشمال اللبناني".

ويعتبر جوهر، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أنّ الحكومة اللبنانية مقصّرة بحق اللبنانيين وتتعاطى مع سكان منطقة الشمال اللبناني على أنهم مجرد أرقام.

ويشرح أن منطقة طرابلس صُنّفت على أنها الأفقر على البحر المتوسط، وكانت تعاني من أزمة اقتصادية قبل أزمة لبنان عام 2019، ومن معارك عديدة، ووضعت السلطات اللبنانية لها خطة أمنية، بينما جرى إغفال أي خطة اقتصادية أو تنموية لها.

ويلفت إلى أن أزمة لبنان عام 2019، عمّقت أزمة طرابلس مع تقصير متعمّد من السلطة اللبنانية، رغم ما تمثّله هذه المنطقة من موقع جيو-إستراتيجي وموقع للاستقطاب الاقتصادي.

ويوضح أن الأزمة الاقتصادية جمعت أبناء طرابلس مع سكان مخيمات المنطقة من لاجئين سوريين وفلسطينيين، لم يجدوا سوى زوارق الموت حلًا أخيرًا لمعاناتهم.

وعن أسباب تقصير الدولة في منع هذه الهجرة، يتحدّث جوهر عن إشكالية البنية الاقتصادية المنهارة التي تؤدي إلى انهيار أمني، واشكالية مقاربة القانون اللبناني للهجرة غير الشرعية ومعاقبة المهرّبين.

الدولة اللبنانية تتحمّل المسؤولية

من جهته، يؤكد أستاذ القانون الدولي طارق شندب، أن الدولة اللبنانية هي المسؤول الأول عن هؤلاء المهاجرين باعتبارهم غادروا من المياه الإقليمية اللبنانية، وباعتبارها المسؤولة عن حملهم على الهجرة غير النظامية.

ويرى شندب، في حديث إلى "العربي"، من إسطنبول، أن المسؤولية لا تقع على الدول الأخرى إلا إذا وصلوا إلى شواطئها، وقامت بمعاملتهم بطريقة غير إنسانية، أو لم تقبل طلبات لجوئهم إذا كانوا يستوفون شروط اللجوء.

ويشرح أن القانون الدولي ينصّ على الحق لأي شخص باللجوء والهجرة الشرعية، والبحث عن مكان آمن يؤمن له الطعام والشرب، لكن للأسف لا سيادة للقانون في لبنان.

ويؤكد أن لبنان الذي كان ممرًا للاجئين، بات الآن مصدّرًا أساسيًا للمهاجرين.

ويعتبر أن لبنان فقد مفهوم الدولة، ومفهوم كرامة الإنسان، حيث خرج هؤلاء منه بسبب الجوع والعوز وانعدام فرص العمل، ويفضّلون الموت في الدول الأوروبية التي يتوجّهون إليها على العودة إلى بلادهم.

ملف متفجّر وانتحار جماعي

بدوره، يرى أستاذ القانون علي مراد أن لا بنية تشريعية للتعامل مع قضية الهجرة "غير الشرعية".

ويرى مراد، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أن ما يجري في لبنان هو نوع من الانتحار الجماعي، خصوصًا مع بُعد الجهة المقصودة، ونوعية القوارب المستخدمة في الهجرة.

ويلفت إلى أن الدولة اللبنانية تتعامل مع ملف اللاجئين كورقة ضغط سياسية متبادلة بين لبنان والدول الأخرى.

ويؤكد أن لبنان يعاني من انهيار تام، وليس لديه قدرة تقنية أو ملاحية أو حتى قانونية لمنع تكرار أزمات مماثلة لما حدث في قارب الموت مؤخرًا، أو حتى وضع الأجهزة الأمنية اللبنانية بوجه الناس اليائسين من الأوضاع الاقتصادية.

ويخلص إلى أن لبنان أمام ملف متفجّر، بينما نعيش في ظل سلطة تقاعست عن أداء مهامها منذ ثلاث سنوات لإيجاد حل للأزمة اللبنانية، في ظل حكومة تصريف أعمال، ورجحان كفّة الفراغ الرئاسي.

المصادر:
العربي
شارك القصة