نقلت وكالة الإعلام الروسية عن شركة روساتوم الروسية للطاقة النووية أن طاقمًا أوكرانيًا يقوم بإدارة وتشغيل محطة تشرنوبيل النووية التي خضعت مؤخرًا لسيطرة القوات الروسية.
ومع استمرار الهجوم الروسي على أوكرانيا، عادت مجدّدًا المخاوف النووية إلى الواجهة، ولا سيما أن حراكًا دوليًا نشطًا عقب العملية العسكرية لمنع تكرار كارثة تشيرنوبيل، عقب قصف محيط محطة زابوريجيا النووية الواقعة في وسط البلاد والأكبر في أوروبا.
منذ اليوم الأول
واتجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى المحطة التاريخية، فور إعلانه البدء بعملية عسكرية على جارته، لتدور في 24 فبراير/ شباط معارك بين القوات الروسية والجيش الأوكراني قرب تشرنوبيل المغلقة منذ 1986 حين وقع فيها أسوأ حادث نووي في التاريخ.
وبالنسبة إلى روسيا، فإن تشرنوبيل تعد أكثر من محطة مفاعل نووية، فقد شهدت في 26 أبريل/ نيسان 1986 أسوأ حادث نووي في تاريخ البشرية، وباتت ملحمة مأسوية تتناقلها أجيال واكبت اللحظة المشؤومة التي استيقظ فيها سكان مدينة بريبات، على وقع دوي انفجار في المفاعل رسم عامودًا متوهجًا حتى حدود السماء.
وإثر الانفجار أجلي نحو 350 ألف شخص من محيط 30 كيلومترًا حول المحطة التي لا تزال منطقة محظورة. وما زالت حصيلة الخسائر البشرية لهذه الكارثة موضع جدل.
عودة "الضابط الثلاثيني"
ويجمع عدد كبير من الباحثين السياسيين والأدباء وحتى العسكريين على أن تلك الكارثة رسمت اللحظة الأولى لانهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991.
فالانفجار الذي تسبّب بتلوث مساحة بحجم ثلاثة أرباع أوروبا تقريبًا، ولا سيّما أراضي ما كان يعرف بالاتّحاد السوفيتي، شكل "وصمة عار" على قيادة البلاد حينها، بسبب محاولاتها طمس الحقائق، في حين كان تسرب سام يتغلغل في رئات الملايين من البشر.
ولم تخف رمزية "تشرنوبيل" بالنسبة للدولة الروسية يومًا، واليوم أطبق الرئيس الذي كان ضابطًا في المخابرات الروسية يومها، وهو في الـ34 من العمر، بيده على "تشرنوبيل"، ليعيد اسمها كشبح يؤرق وكالة الطاقة الذرية ومن خلفها الملايين حول العالم.
وثائقي تشرنوبيل
وفي معرض الوثائقيات التي أضاءت على الكارثة التي وقعت قبل 36 عامًا، عرض التلفزيون العربي قبل أشهر فقط من الهجوم الروسي على أوكرانيا وثائقيًا تناول شهادات موثقة عن الحادثة التي تركت آثارًا بيئية وصحية مدمرة، حملت أمراض السرطان لملايين الروس.
وفي الوثائقي شهادات لبعض الشهود، ومقابلات مع باحثين متخصصين في قراءة الكارثة النووية التي وقعت، كذلك مع جندي سابق في الجيش الأحمر السوفيتي عايش اللحظات. وأكد خلاله الباحث في السياسة الأوكرانية أندريه بوزاروف تأثير الكارثة على موقف الدولة السوفيتية السابقة.
تشرنوبيل في الدراما
أما في الدراما، فقد أنتجت شركة HBO بالتعاون مع سكاي البريطانية، مسلسلًا قصيرًا من خمس حلقات، تم عرضه لأول مرة في السادس من مايو/ أيار عام 2019، ولاقى شهرة واسعة، ومشاهدات قياسية، حاكى الكارثة والقصص التي دارت حول محاكمة العاملين المتورطين في الأهمال، قبل أن يكشف الخبير النووي الذي أوكلته الدولة بمتابعة التحقيقات، عن إخفاق الاتحاد السوفيتي في تأمين السلامة الكاملة للمفاعل.
المسلسل الذي كتبه كريغ ماسن وأخرجه يوهان رينك، قوبل بردة فعل روسية عنيفة، ولا سيما أنه كشف عن "كذبة" كبيرة، أخفتها الدولة السوفيتية السابقة، وسوقت لرواية مغلوطة أمام المجتمع الدولي بعد أن وصلت السحب السامة للقارة الأوروبية، ووصفت صحيفة برافدا الشهيرة في روسيا العمل على أنه تشويه لقوة روسيا النووية.
صلاة تشرنوبيل
ولم يأت المسلسل بتفاصيل أكثر من تلك التي سردتها الروائية الروسية، سفيتلانا أليكسييفيتش، الحائزة على جائزة نوبل على مجمل أعمالها "المتعددة الاصوات التي تفند معاناة عصرنا وشجاعته" بحسب القيمين على الجائزة الشهيرة.
واقتبس المسلسل الكثير من الأحداث التي عايشتها الروائية خلال عملية التعتيم الذي فرضته الدولة السوفيتية السابقة، حول الكارثة التي شهدتها المفاعل النووية حينها.
أليكسييفيتش، قدمت رواية "صلاة تشرنوبيل"، التي وصفت الكارثة بانها أسوأ معسكرات الاعتقال، وتنقل القارئين إلى لحظات سريالية، ولا سيما حين صورت مشهد جنود الجيش الأحمر، وهم يقومون بدورية بكامل عتادهم الحربي الروسي، في مدينة أضحت خالية، من دون وجود أي عدو خارجي، جيث كانو هواء المدينة الفارغة هو العدو الذي لا يمكن مقارعته.
تغوض الرواية في شهادات المئات الذين رووا للصحفية الروسية، كيف تفرغت الدولة لمحو آثار لا تمحى في لحظة كانت سموم تشرنوبيل تترك في ذرات المياه والنباتات والهواء أثر كرسها بأنها "الحادثة الأسوأ نوويًا" في التاريخ.