السبت 18 مايو / مايو 2024

حرب أوكرانيا.. هل ستعيد رسم الخارطة الجيوسياسية في أوروبا؟

حرب أوكرانيا.. هل ستعيد رسم الخارطة الجيوسياسية في أوروبا؟

Changed

تقرير حول اجتماع البرلمان الأوروبي بمشاركة الرئيس الأوكراني الذي طلب دخول بلاده إلى الاتحاد الأوروبي (الصورة: غيتي)
أثار الهجوم على أوكرانيا دعوات للتفكير في إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لأوروبا في ظل رغبة بعض الدول بالانضمام للاتحاد الأوروبي ما قد لا يعجب روسيا.

على الرغم من أنّ روسيا فقدت نفوذها وأصدقاءها منذ انهيار الإمبراطورية السوفييتية عام 1989، إلا أنها لا تزال تسيطر على العديد من جيرانها في أوروبا وتحافظ على الآخرين في حياد غير مستقر.

وأثار الهجوم الروسي على أوكرانيا المجاورة والمأساة الإنسانية التي خلّفها خلال الأسبوعين الماضيين احتجاجًا غربيًا واسعًا، وأثار دعوات لإعادة التفكير بشكل أساسي في كيفية إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لأوروبا في المستقبل، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".

لكن ترسيخ ذلك في واقع عام 2022 هو أصعب بكثير مما قد يبدو عليه للوهلة الأولى. فإن دفع أوكرانيا، ثاني أكبر دولة في أوروبا، للانضمام بالكامل إلى المعسكر الغربي ضد إرادة موسكو يطرح مشاكل هائلة.

إشكالية انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي

وسيواجه قادة الاتحاد الأوروبي تلك المشاكل معًا بشكل مباشر خلال قمة تستمر يومين في فرساي خارج باريس مباشرة ابتداءً من الخميس، حيث أجبرهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تقييم الواقع الجديد عندما وقع طلبًا رسميًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي.

وقال زيلينسكي في بث مباشر عاطفي للبرلمان الأوروبي يوم الثلاثاء: "الاتحاد الأوروبي سيكون أقوى معنا بكثير". وأضاف: "أثبتوا أنكم معنا. أثبتوا أنكم لن تدعونا نذهب. أثبتوا أنكم أوروبيون بالفعل".

وشكّلت خطوة كل من مولدوفا وجورجيا، وهما دولتان صغيرتان تخافان أيضًا من توسع روسيا، ضغطًا إضافيًا على الاتحاد الأوروبي، حيث اتبعتا مسار أوكرانيا في غضون أيام وطالبتا أيضًا بالعضوية.

انقسام أوروبي

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: "ليس هناك شك في أن هؤلاء الأشخاص الشجعان الذين يدافعون عن قيمنا بحياتهم ينتمون إلى الأسرة الأوروبية"، واختارت كلماتها بعناية وتجنبت الوعد الصريح بمنح العضوية. 

حتى لو كان دعم أوكرانيا ساحقًا بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإن منح العضوية ليس إلا تلقائيًا. وقال زعماء ثماني دول أعضاء في الشرق رسميًا: "إن أوكرانيا تستحق تلقي منظور فوري للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

لكن موقف البعض الآخر يتراوح بين الحذر والتشكك، حيث قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته: "إن كل دولة في أوروبا لها الحرية في طلب ذلك"، وسرد على الفور العقبات البيروقراطية الهائلة التي تنتظرها.

ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن مسؤول رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي رفض الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث علنًا عن المناقشات السياسية التي تحدث خلف الكواليس قوله: "الدول الأعضاء ليست كلها على نفس الصفحة".

وقال باول زيركا من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "النقاش حول انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي يمكن أن يصبح محمومًا بسهولة، مما يوفر للمشككين في أوروبا فرصة مثالية لنشر الخوف بين الناخبين".

وتشير عدة دول إلى أنه ليس من الجيد إعطاء أوكرانيا الأمل الفوري بأي قرار متهور يتم اتخاذه في خضم المعركة. 

مسار شاق

في الماضي، كانت طلبات العضوية تستغرق سنوات، وأحيانًا عقودًا. تقدمت تركيا بطلب للانضمام عام 1987 وهي قريبة من العضوية. أربع دول أخرى مرشحة الآن، لكن الاتحاد الأوروبي أبدى إحجامًا شديدًا عن التوسع شرقًا. 

وسيثير السماح لأوكرانيا بالقفز فوق الآخرين المشاعر في غرب البلقان حيث ينتظر العديد منهم إشارة. 

وبالنسبة للمفوضية الأوروبية، فإن مجرد تقييم ما إذا كانت دولة ما يمكن أن تكون مرشحًا لبدء محادثات العضوية غالبًا ما يستغرق من عام إلى 18 شهرًا.

ولكي يتم قبولهم، سيحتاج القادمون الجدد المحتملون أيضًا إلى استيعاب جميع لوائح الاتحاد الأوروبي، من مبادئ سيادة القانون إلى معايير التجارة والأسمدة - حوالي 80 ألف صفحة من القواعد. 

وعلى مدى السنوات الماضية، أشار الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان إلى أن تدابير مكافحة الفساد في أوكرانيا ليست كافية. 

كما يحتاج أي مرشح إلى موافقة بالإجماع من الأعضاء الحاليين، مما يسمح في كثير من الأحيان لدولة واحدة بتقرير مصير العملية برمتها.

عنف روسيا زعزع الحياد

كذلك أخاف عنف الهجوم الروسي دولًا محايدة تاريخيًا مثل السويد وفنلندا، اللتين تشهدان الآن زيادة في الدعم للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وفي حالة هلسنكي، فك القيود عن النفوذ الروسي الشديد لدرجة أنه أصبح مصطلحًا سياسيًا - "الفنلندة".

ومقارنة مع متطلبات انضمام دول جديدة للتكتل الأوروبي، فإن التحرك نحو عضوية حلف شمال الأطلسي، خاصة بالنسبة لدول مثل السويد وفنلندا، سيكون أسهل، نظرًا لأن البلدين لديهما بالفعل تعاون وثيق للغاية مع التحالف العسكري.

لكن من المؤكد أن اتخاذ خطوة رسمية من شأنه أن يثير غضب موسكو ويُنظر إليه على أنه لعبة قوة جيوسياسية.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: "من الواضح أنه إذا انضمت فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، الذي يعد في المقام الأول منظمة عسكرية، فسوف يترتب على ذلك عواقب عسكرية وسياسية خطيرة، الأمر الذي يتطلب خطوات انتقامية من جانب الاتحاد الروسي".

ولكن قد يكون ذلك الحياد في دول الشمال قد بدأ بالفعل في الانزلاق. واعتبر إد أرنولد من معهد "رويال يونايتد سيرفيسس إنستيتيوت" أن السود وفنلندا أنهتا فعليًا حيادهما بإرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا. 

وفي غضون أيام، اهتز المشهد التقليدي للخريطة الجيوسياسية للقارة وبدأت الدول الأوروبية تعيد حساباتها. 

وأشار أستاذ العلاقات الدولية حسن المومنة في حديث إلى "العربي"، من عمّان، إلى أن المواجهة الدائرة الآن ستكون لحظة حاسمة في حياة الشعوب والدول. واعتبر أن ما يجري الآن هو دعوة للاتحاد الأوروبي للصحوة، حيث طالما ترددت أفكار في السابق عن نية الاتحاد الأوروبي تشكيل تحالف عسكري للتكتل الأوروبي. 

وقال: "إن توسع التصعيد العسكري الروسي ليس تهديدًا جديدًا لكن الاتحاد الأوروبي كان يراهن على العلاقات الاقتصادية". 

وتخشى العديد من الدول من توسع التكتل الأوروبي وإعادة تشكيل مجالات النفوذ التقليدية الذي من شأنه أن يضع القارة على شفا حرب شاملة. ولا يوجد مثال أفضل من تطلعات أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة والذي يمكن أن يقلب ميزان القوى في أوروبا.

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close