الثلاثاء 7 مايو / مايو 2024

حقبة جديدة.. كيف ستؤثر حرب أوكرانيا على الوجود الأميركي في أوروبا؟

حقبة جديدة.. كيف ستؤثر حرب أوكرانيا على الوجود الأميركي في أوروبا؟

Changed

تقرير يعرض رفض دول حلف شمال الأطلسي طلب أوكرانيا لإقامة منطقة حظر جوي (الصورة: غيتي)
تعد الحرب في أوكرانيا نقطة مفصلية للنظام الأمني في أوروبا حيث دفعت واشنطن وحلفاءها الأوروبيين إلى إعادة التفكير في الاحتياجات الدفاعية الإقليمية.

قد يؤدي هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا ودفعه لقلب النظام الأمني الأوسع نطاقًا في أوروبا إلى تحول تاريخي في التفكير الأميركي بشأن الدفاع عن القارة، بحسب "أسوشيتد برس". 

واعتمادًا على المدى الذي يذهب إليه بوتين، قد يعني هذا زيادة القوة العسكرية الأميركية في أوروبا بوتيرة لم نشهدها منذ الحرب الباردة.

ويُعد احتمال وجود تواجد عسكري أميركي أكبر في أوروبا تحولًا ملحوظًا عما كان عليه الحال قبل عامين فقط.

فعام 2020، أمر الرئيس السابق دونالد ترمب آلاف الجنود الأميركيين بالخروج من ألمانيا بذريعة أن الأوروبيين كانوا "حلفاء غير مستحقين". 

وبعد أيام فقط من توليه منصبه، أوقف الرئيس جو بايدن الانسحاب قبل أن يبدأ، وشددت إدارته على أهمية حلف شمال الأطلسي حتى عندما حدد بايدن الصين باعتبارها التهديد الرئيس طويل الأجل لأمن الولايات المتحدة. ثم جاء الهجوم الروسي على أوكرانيا.

ويطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ بداية الهجوم الروسي حلف شمال الأطلسي الذي كان يطمح للانضمام إليه، بتطبيق منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا لمواجهة تهديد الطائرات العسكرية الروسية، إلا أن قادة "الناتو" أعلنوا أنهم غير مستعدين لذلك، خشية إشعال فتيل حرب أوسع في أوروبا.

وجدد زيلينسكي طلبه أمس، معتبرًا أن التمنّع عن ذلك سيؤدّي إلى هجوم روسي على دول الحلف. وقال زيلينسكي في مقطع فيديو : "إذا لم تُغلقوا سماءنا، ستكون مجرّد مسألة وقت قبل أن تسقط الصواريخ الروسية على أراضيكم، على أراضي الناتو". 

حقبة جديدة من المواجهة

وفي هذا الإطار، قال ألكسندر فيرشبو، سفير الولايات المتحدة السابق لدى روسيا ونائب الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي: "نحن في حقبة جديدة من المواجهة المستمرة مع روسيا".

واعتبر أن الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفاء الناتو، ستحتاج إلى اتخاذ موقف أكثر قوة للتعامل مع روسيا الأكثر تهديدًا ولا سيّما في أوروبا الشرقية، حيث يشكل قرب روسيا مشكلة لدول البلطيق الثلاث التي كانت دولًا سوفيتية سابقة.

وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن متوجهًا إلى أوروبا يوم الثلاثاء لإجراء الجولة الثانية الأخيرة من المشاورات مع أوكرانيا في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل.

كما سيسافر إلى دولتين من دول حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية - سلوفاكيا، المتاخمة لأوكرانيا، وبلغاريا. وبعد اجتماع للحلف الشهر الماضي، قام أوستن بزيارة حليفين آخرين على الجانب الشرقي وهما بولندا وليتوانيا.

تعزيزات مؤقتة

وفي الشهرين الماضيين فقط، ارتفع عدد الجنود الأميركيين في أوروبا من حوالي 80 ألف جندي إلى حوالي 100 ألف، وهو عدد يقارب العدد الذي كان موجودًا عام 1997 عندما بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الحلف توسيع التحالف الذي يقول بوتين إنه يهدد روسيا.

وبالمقارنة، في عام 1991، وهو العام الذي تم فيه حل الاتحاد السوفييتي، كان للولايات المتحدة 305 آلاف جندي في أوروبا، بما في ذلك 224 ألف جندي في ألمانيا وحدها، وفقًا لسجلات البنتاغون. ثم انخفض العدد بشكل مطرد، حيث وصل إلى 101000 في عام 2005 ونحو 64000 في عام 2020.

واعتبرت تعزيزات القوات الأميركية هذا العام "مؤقتة"، لكن لا يعرف إلى متى ستبقى. وتشمل هذه التعزيزات لواء مدرع من فرقة المشاة الأولى ويضم حوالي 4000 جندي، إلى ألمانيا، ولواء مشاة مماثل الحجم من الفرقة 82 المحمولة جوًا إلى بولندا.

كما تم إرسال العديد من وحدات قيادة الجيش إلى بولندا وألمانيا. وأرسل أوستن كذلك طائرات مقاتلة من طراز F-35A إلى الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي إلى دول البلطيق.

تقديرات "صحيحة"

وخلصت مراجعة البنتاغون الأخيرة للوجود العسكري الأميركي في جميع أنحاء العالم إلى أن مستويات القوات والمواقع في أوروبا كانت صحيحة.

لكن في شهادتها أمام لجنة في مجلس النواب بعد عدة أيام من هجوم بوتين على أوكرانيا، قالت مارا كارلين، المسؤولة البارزة في البنتاغون التي أشرفت على مراجعة 2021، إنّ هذا الاستنتاج يجب إعادة النظر فيه.

وقالت في الأول من مارس/ آذار: "إنّ البنتاغون يجب أن يضمن أن لدينا قوة ردع لروسيا وأننا نستطيع القول بنسبة 150% إنّ الناتو آمن ومأمون"، ليس فقط في ضوء الهجوم الروسي ولكن على المدى الطويل.

ودفعت حرب بوتين في أوكرانيا إلى إعادة التفكير في الاحتياجات الدفاعية الإقليمية ليس فقط من قبل واشنطن ولكن أيضًا من قبل بعض الحلفاء الأوروبيين، بما في ذلك ألمانيا، التي خالفت الشهر الماضي سياسة طويلة الأمد تتمثل في عدم تصدير الأسلحة إلى مناطق الصراع عن طريق إرسال أسلحة مضادة للدبابات وأخرى مضادة للطائرات إلى أوكرانيا. كما التزمت ألمانيا بميزانية دفاعية أكبر بكثير. وأعلن المستشار أولاف شولتز "واقعا جديدا".

طموح بوتين واحتمالات المواجهة

لم يطالب بوتين أوكرانيا بالتنصل من طموحها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي فحسب، بل أصرّ أيضًا على أن يسحب الحلف قواته من الجناح الشرقي لحلف الناتو، وهو ما رفضته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي باعتباره مخالفًا للحقوق الأساسية للدول في تقرير علاقاتها الخارجية بنفسها ولالتزام حلف شمال الأطلسي الأساسي بتوفير الأمن لجميع الأعضاء على قدم المساواة.

لكن زيلينسكي قال في مقابلة على شبكة "إيه بي سي نيوز" إنه تخلى عن الإصرار على انضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلسي، وهي من المسائل التي اعتمدت عليها موسكو لتبرير حربها.

أمّا إذا سيطرت روسيا على أوكرانيا بأكملها، فستكون على حدود دول أخرى في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك رومانيا وسلوفاكيا والمجر. وتشترك بولندا وليتوانيا بالفعل في حدود برية مع جيب كالينينغراد الروسي وهو مقر أسطول البلطيق التابع للبحرية الروسية. 

وبحسب "أسوشيتد برس"، هناك قلق من أن بوتين قد يقرر القيام بمهمة للسيطرة على ذلك الممر البري الذي يبلغ طوله 60 ميلاً، والمعروف باسم "سووالكي غاب"، والذي يربط كالينينغراد ببيلاروسيا.

التوسع العسكري في أوروبا الشرقية

ويوصي فيرشبو، النائب السابق للأمين العام لحلف شمال الأطلسي بأن تستبدل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المجموعات القتالية الخفيفة بأخرى أثقل وأكبر. 

لكن هذه التعزيزات على الجانب الشرقي لحلف شمال الأطلسي هي من الأشياء التي يعتبر بوتين أنها تمثل تهديدًا لروسيا ويقول إنه "لن يتسامح معها بعد الآن".

وطالب الرئيس الروسي بالعودة إلى الترتيبات التي كانت قائمة في عام 1997، عندما تم التوقيع على القانون التأسيسي للعلاقات المشتركة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.  

وفي تلك الوثيقة، أقرت موسكو بأن الحلف سيمضي قدمًا في خططه لدعوة بولندا والمجر وجمهورية التشيك للانضمام إليه. وذكرت الوثيقة أيضًا أنه "في البيئة الأمنية المتوقعة"، سيتخلى الحلف عن "تمركز دائم إضافي لقوات قتالية كبيرة على أراضي الأعضاء الجدد".

لكن هذا لا يمنع خيار تعزيز القوات الأميركية في أوروبا الشرقية، بحسب تقرير جديد صادر عن مركز "سكوكروفت للإستراتيجية والأمن" التابع للمجلس الأطلسي. واعتبر أن القيود المفروضة على الوجود العسكري لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية بحسب قانون التأسيس لعام 1997 لم تعد ذات صلة في ضوء الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وأضاف التقرير: "نحن في منطقة جديدة وخطيرة - فترة من التوترات المستمرة والتحركات العسكرية والتحركات المضادة والأزمات العسكرية الرئيسية المتقطعة في المنطقة الأوروبية الأطلسية التي ستتدهور على الأقل لما تبقى من عشرينيات القرن العشرين، إن لم يدم أكثر".  

المصادر:
العربي - ترجمات

شارك القصة

تابع القراءة
Close