لم يكن التاريخ البشري منصفًا مع النساء في كثير من الأحيان. حتى عندما هربن من الحدود الصارمة التي فرضها المجتمع عليهن، كنّ يتعرضن للاحتقار في كثير من الأحيان.
مثال على ذلك كليوباترا، التي كانت ملكة عظيمة، إلا أنّها بالنسبة لخصومها الرومان كانت ساحرة شرقية سحرت الرجال الرومان وأودت بهم إلى هلاكهم. وهي سمعة ناضلت من أجل التخلص منها.
ومع ذلك، هناك العديد من النساء اللواتي تلقين الثناء على إنجازاتهنّ، في ذلك الوقت وحتى الآن.
ويرصد موقع "ليست فيرس" (listverse.com) أبرز عشر نساء من العصور القديمة. فمن هنّ؟
الشاعرة
قبل حوالي عام 3100 قبل الميلاد، كانت الكتابة المسمارية لبلاد ما بين النهرين، من أوائل أشكال الكتابة التي تمّ تطويرها.
خلال تلك الفترة، ظهرت أعداد ضخمة من الألواح الطينية التي تحمل نقوشًا مسمارية من الرمال، وتحتوي على بعض أقدم النصوص وأكثرها إثارة للإعجاب من العالم القديم.
ومن بين جميع الكتابات، عُرفت أول مؤلفة اسمها إنخيدوانا، إذ كانت أميرة، وكاهنة، وشاعرة عاشت حوالي عام 2300 قبل الميلاد.
كانت إنخيدوانا ابنة الفاتح سرجون الأكدي، الذي منحها لقب "إن"، وهو مخصّص للوردات الكبار. وبعد أن استولى على مدينة أور سرجون، وضع إنخيدوانا كاهنة رئيسية للمدينة، حيث ألّفت القصائد التي جعلتها مشهورة لقرون متوالية.
وفي حين كانت معظم قصائدها عبارة عن تراتيل لآلهة بلاد ما بين النهرين، مثل إنانا، كان بعضها يتعامل مع المشاكل التي واجهتها في حياتها.
وبعد وفاة والدها تم طردها من معبدها. لكّنها استعادت مكانتها في وقت لاحق، وظلّت قصائدها تُنسخ وتُقرأ في مدن بلاد ما بين النهرين.
الكيميائية
قبل فترة طويلة من تحوّل الكيمياء إلى علم معترف به، كان الناس يستخدمون تقنيات لا تزال تُستخدم في المختبرات الحديثة. من بينها تقنية استخدام الحرارة والمذيبات لتقطير المواد الكيميائية، والتي قامت بها امرأة تُدعى تابوتي، منذ 3 آلاف عام في بلاد ما بين النهرين.
وتُعتبر تابوتي أول كيميائية في التاريخ، ووُصفت بأنّها عطّارة ومشرفة على قصر ملكي.
وقيل إنّها استخدمت جهازًا ثابتًا لتقطير الخلاصات من نباتات مختلفة لتركيب عطورها.
فنانة بورتريه
كانت المرأة هي من اخترعت فن البورتريه، وساعدت في اختراع نمذجة التماثيل النصفية من الطين.
عرّفت بعض المصادر هذه المرأة باسم "ديبوتاديس" (Dibutades)، بينما عرّفتها مصادر أخرى باسم "كور" (Core).
عندما كان حبيبها على وشك المغادرة في رحلة طويلة في البحر، حزنت على انفصالها عنه. وعندما رأت ظله على الحائط، أخذت قطعة من الفحم ورسمته، حتى تتمكّن دائمًا من رؤية وجهه.
كان والدها خزّافًا وقد أُذهل بإبداعها. وعندما رأى الخطوط العريضة لوجه عشيقها، قرّر أن يصمّم اللوحة بالطين. من خلال مزج ألوان مختلفة من الصلصال، تمكّن من صنع بلاطات تحافظ على ملامح الشخص بعد فترة طويلة من وفاته.
احتفت بها العصور القديمة لمساهمتها في تاريخ الفن، وفي عصر التنوير، قام العديد من الفنانين برسم صور خاصة لديبوتادس، تكريمًا لها.
الخيميائية
كانت ماري بروفيتيسيما، المعروفة أيضًا باسم "مريم اليهودية"، من أوائل الخيميائيات التي عاشت في مصر حوالي القرن الأول الميلادي. يدّعي البعض أنها كانت أول خيميائية في التقليد الغربي.
ومع أنّه ليس هناك شيء من كتابات ماري، إلا أنّه تم اقتباس كتاباتها بكثرة في نصوص لاحقة، وتم التعرّف على الكثير من ابتكاراتها.
الخيمياء ليست كيمياء، والعديد من كتابات ماري الباقية غامضة إلى أبعد الحدود، من بينها معادلة: "واحد يصبح اثنين، اثنان يصبح ثلاثة، ومن الثالث يأتي الواحد كالرابع"، ومعنى ذلك ليس واضحًا، ولكن لحسن الحظ لا تزال العديد من ابتكاراتها قيد الاستخدام حتى اليوم.
ويعود الفضل إلى ماري في تحسين نوع من الأوعية المستخدمة في التقطير، والتي من شأنها أن تكون مألوفة لكثير من العلماء اليوم.
كما أنها كانت رائدة في استخدام حمام مائي، لإيقاف درجة حرارة تجربة تتجاوز درجة غليان الماء.
يُعرف اليوم باسم حمام ماري (حمام ماري) ولا يزال يستخدم بشكل شائع في الطهي.
عالمة رياضيات
كانت الإسكندرية في مصر من المراكز الفكرية للعالم القديم. وتوافد العلماء من جميع أنحاء العالم، للدراسة والتعلّم في المكتبة الشاسعة للمدينة. ومع ذلك، انتهت فترة ازدهار الإسكندرية في الوقت نفسه الذي ماتت فيه العالمة هيباتيا من الإسكندرية.
كانت هيباتيا عالمة في وقت كان مثل هذا الأمر غير معتاد للغاية. كانت أيضًا وثنية في وقت بدأت فيه المسيحية تسيطر على الحياة العامة.
ولكن في أواخر القرن الرابع الميلادي، كان لا يزال من الممكن أن يقوم الوثني بالتدريس. وكانت هيباتيا معلمة مشهورة، حيث ألقت محاضرات علنية بينما كانت ترتدي الزي الذكوري لعالم.
اشتهرت هيباتيا بأطروحاتها الرياضية، ونماذجها الفلكية، وتعليقاتها على أعمال الآخرين.
لسوء الحظ، كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأوريستس، الحاكم الروماني للمدينة. عندما انقلب الأسقف المسيحي كيرلس على أوريستيس، اتُّهمت هيباتيا بأنّها من قاد الحاكم إلى الضلال. عندها قامت مجموعة من المسيحيين بتدمير آخر بقايا مكتبة الإسكندرية، وهاجم حشد مسيحي هيباتيا، ومزّقوا لحمها باستخدام بلاط السقف المكسور.
القاتلة
ياعيل هي شخصية غامضة إلى حد ما من العهد القديم. ورد ذكرها فقط في سفر القضاة على أنّها بطلة للشعب اليهودي، وشخص ارتكب عملًا من أعمال الغدر.
كان الشعب اليهودي مضطهدًا من قبل الكنعانيين وقائدهم سيسرا. وعندما هُزم سيسرا في المعركة أُجبر على الفرار، وركض مباشرة إلى المعسكر الذي كانت تُقيم فيه ياعيل.
نادت ياعيل سيسرا: "تعال يا سيدي، تعال. لا تخف". وعندما دخل الجنرال خيمتها، وغطته ببطانية ناعمة، وشرب الحليب، سرعان ما غط بالنوم.
في ذلك الوقت، قامت ياعيل، التي كانت متعاطفة مع محنة اليهود، بأخذ مشبك من الخيمة ودقّته في جمجمة سيسرا. فقُتل سيسرا في خرق لجميع قوانين الضيافة.
المرأة الغوّاصة
عندما قاد زركسيس الأول قوة هائلة من الفرس ضد مدن اليونان القديمة، بدا من المستحيل فوز اليونانيين. ورغم تحقيقهم عددًا من الانتصارات، بدأ الفرس بالتراجع.
واعتمد أحد انتصارات اليونانيين على مساعدة غوّاصة تدعى هيدنا.
كانت هيدنا، ابنة مدرّس سباحة مشهور، يُدعى "Scyllis of Scione"، والذي نقل كل قدراته إلى ابنته، حيث تمّ استدعاؤهما للمساعدة في هزيمة أسطول السفن الفارسي.
من خلال السباحة لمسافة عشرة أميال في البحر، قطعت هيدنا ووالدها مراسي سفن الأسطول الفارسي. ومع تدمير الأسطول، نُصبت تماثيل لهيدنا ووالدها في أولمبيا لتكريم شجاعتهم.
وعندما أراد الإمبراطور الروماني نيرون تزيين مدينته، سرق التماثيل من جميع أنحاء الإمبراطورية، وكان من بين التماثيل التي أخذها تماثيل هيدنا.
الشاعرة المحاربة
كانت تيليسيلا امرأة يونانية من أرغوس، عاشت حوالي 500 قبل الميلاد. عندما كبرت مرضت. وعلى أمل أن تصبح جيدة، سألت أوراكل عما يجب أن تفعله وكان الجواب أنه ينبغي عليها أن تكرّس نفسها للآخرين. وبما أن الآلهة كانوا هم المسؤولين عن الأدب والفن والعلم، فقد اختارت تيليسيلا أن تُصبح شاعرة.
كان شعرها من بين أكثر القصائد التي تمّ الإشادة بها في العصور القديمة. وللأسف لم يبق من كتاباتها قصة واحدة لتصل إلينا.
كانت تيليسيلا هي التي أنقذت المدينة من استيلاء الإسبرطيين عليها. حرس العبيد وكبار السنّ الأسوار، كما أعطت دروعًا وأسلحة لنساء المدينة اللواتي قادتهنّ للمعركة.
عندما هاجم الإسبرطيون أعداءهم الإناث، فوجئوا بأنهنّ لم يهربن، وأدركوا أنّهم لا يستطيعون الفوز، فإذا ضربوا النساء لن يكون هناك مجد، وإذا خسروا فسيكون العار عظيمًا. ولذلك تراجع الأسبرطيون وتمّ إنقاذ أرغوس. تم إعداد صورة لتيليسيلا، أظهرتها وهي تتخلص من كتبها وتلتقط خوذتها.
الفيلسوفة
كانت أثينا القديمة مكانًا سيئًا للنساء، حيث تمّ حبسهن في المنازل من دون تمكّنهنّ من التنقّل بحرية. لكنّ النساء الوحيدات اللواتي تمتّعن بقدر من الحرية، هنّ البغايا المحترفات المعروفات باسم "هيتايراي"، وهنّ محظيات مشهورات بمهارتهن في المحادثة.
إحدى تلك السيدات ذوات السمعة السيئة كانت ليونتيون.
كان أبيقور أحد أعظم فلاسفة ذلك الوقت، وقد رحّب بكل من أراد أن يتعلّم في مدرسته. داخل حديقة أبيقور، سُمح للفقراء والنساء ذوات السمعة السيئة بمناقشة الفلسفة. لا نعرف سوى القليل عن أعمال ليونتيون، ولكننا نعلم أنها كانت قريبة من أبيقور، إذ إنّه وجّه رسائل مباشرة إليها.
الطبيبة
كان الطب فنًا ذكوريًا في أثينا القديمة. في تلك الحقبة، عُهد للأطباء الذكور بإجراء عمليات الولادة بعد أن كانت بيد القابلات.
ومع ذلك، لم تكن النساء راغبات في أن يراهنّ الرجال أثناء المخاض، ولذلك غالبًا ما كن يلدن من دون مساعدة طبية.
وبالنسبة لامرأة تدعى أغنوديس" (Agnodice) كان هذا لا يطاق.
قامت أغنوديس بقصّ شعرها وارتداء زيّ رجل، وسافرت إلى الإسكندرية لتتعلّم الفنون الطبية. بعد عودتها إلى أثينا، استمرت في التظاهر بأنها رجل حتى تتمكّن من ممارسة الطب. ولكسب ثقة المريضات، كشفت أغنوديس عن جنسها الحقيقي لهنّ. وسرعان ما أخذت معظم الوظائف من أيدي زملائها الذكور.
لكنّ الأطباء الذكور قاضوها بتهمة إغواء مريضاتها سرًا. وللدفاع عن نفسها، خلعت أغنوديس ملابسها ببساطة، وأسقطت تهم الإغواء. لكنّ تمّ اتهامها بممارسة المهنة التي عُهدت للذكور، إلا أنّ مرضاها اعترضوا لدى المحكمة، وطالبوا بإطلاق سراحها.