الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

دونغ صمويل وأغراي أدري.. المجهول يلف مصير معارضين في جنوب السودان

دونغ صمويل وأغراي أدري.. المجهول يلف مصير معارضين في جنوب السودان

Changed

"مختفون" يعرض ملابسات اختفاء المعارضين السودانيين دونع صامويل وأغراي أدري.
كانت نيروبي مسرح الاختطاف وهي صاحبة السجل الكبير بإخفاء المعارضين الأجانب، أمّا صاحب المصلحة في ذلك فهو جمهورية جنوب السودان.

في 23 يناير/ كانون الثاني 2017، وفي تمام التاسعة مساء، كان دونغ صمويل لواك، المعارض الجنوب سوداني يسير وسط نيروبي في طريقه أن يركب حافلة إلى منزله. يصعد دونغ الحافلة، لكن لم يشاهده أحد بعد ذلك.

وفي صباح اليوم التالي، اختطف المعارض الجنوب سوداني أغراي أدري من داخل منزله في كينيا أيضًا.

وقعت جريمتا الاختطاف في مكان واحد وتوقيت متقارب. وتشير أصابع الاتهام إلى فاعل واحد وبقي مصير معارضين واحدًا بعدما اختفيا دون أثر أو دليل حول ما إذا كانا على قيد الحياة.

كانت نيروبي عاصمة كينيا مسرح الاختطاف وهي صاحبة السجل الكبير في إخفاء المعارضين الأجانب من أراضيها.

أمّا صاحب المصلحة في الإخفاء فهو جمهورية جنوب السودان التي تتهمها منظمات حقوقية بالتنكيل بالمعارضين والنشطاء السياسيين، وهي تهم طالما نفتها حكومة جوبا.

انقسام سياسي يتحول لصراع

وتمتد جذور ما حدث للمعارضين الجنوب سودانيين لقبل ذلك بسنوات، إلى أزمة بلد لا تفارقه الصراعات. ففي عام 2013، كانت جمهورية جنوب السودان تشهد انقسامًا حادًا بعد عامين فقط من إعلان استقلالها عن السودان، والخلاف الذي بدأ سياسيًا بين الرئيس سيفا كير مع نائبه رياك مشار وبعضًا من قيادات الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، سرعان ما تحوّل لصراع أهلي على الأرض، بل وحرب قاسية بين أبناء الدولة الوليدة. 

شهدت جمهورية جنوب السودان في عام 2013 انقسامًا حادًا بعد عامين فقط من إعلان إستقلالها عن السودان.
شهدت جمهورية جنوب السودان في عام 2013 انقسامًا حادًا بعد عامين فقط من إعلان استقلالها عن السودان.

وخلال أشهر، فقد أكثر من 10 آلاف شخص حياتهم وفرّ الآلاف من جوبا لاجئين إلى دول الجوار.

وبحسب ملوال أييك عضو تحالف سوما المعارض، استخدمت الحكومة كل الإمكانيات لقمع المعرضين، القتل المباشر وغير المباشر.

صُنفت جوبا عام 2021 كرابع أخطر مكان في العالم على الصحافيين وأكثر الاماكن انتهاكًا لحقوق الإنسان. 

الفرار من التنكيل

هرب معارضو نظام سيلفا كير إلى دول الجوار وخاصة كينيا وأوغندا خوفًا من التنكيل بهم. ومع ذلك، وقع حادثة اختفاء غريبة ضحيتها كل من دونغ صمويل المحامي والحقوقي، وأغراي أدري الكاتب والمعارض وأحد مناصري الجيش الشعبي لجنوب السودان.

فرّ كلاهما إلى كينيا وطلبا اللجوء السياسي مع الحرب الأهلية عام 2013 وقطنا نيروبي.  

وتقول نياشوول دونغ، ابنة دونغ صمويل لواك إن والدها كان معارضًا لنظام جنوب السودان لأنه كان يشعر بأنه "أيًا كان ما يقوم به هذا النظام فإنه غير صحيح لأنه كان يستخدم السلطة لقمع الآخرين مما يجعله فوق القانون نفسه". 

عمل أغراي في الحكومة كمساعد لوزير المالية وكان لديه خبرة في العمل في المنظمات غير الحكومية، وفقًا لزوجته آية بنجامين وارلي.

وتشرح أنه عمل في المنظمات غير الحكومية في نيروبي بسبب معارضة السلطات في جوبا لوجود مثل هذه المنظمات. 

وتقول في حديث إلى "العربي": "كان أسهل لنا أن نستقر في نيروبي بعد امتلاكنا بيتًا هناك". ثم انضم أغراي إلى حزب "إيسبريم" وأصبح رئيس الحزب المعارض. ثم انتقل إلى جوبا وأصبح عضوًا برلمانيًا ممثلًا عن حزبه المعارض. 

لجوء صمويل وأغراي إلى نيروبي

ومع بدء الانقسام في جوبا، كان دونغ صمويل المحامي والحقوقي يمثل باغان أموم أميم عام الحركة الشعبية الذي صدرت بحقه حكم بالسجن من نظام سيلفا كير كواحد من أعضاء المجموعة القانونية للدفاع. يُسجن باغان ويخاف دونغ على حريته وحياته بعد أن تلقى تهديدات عبر رسائل نصية وصلته في شهر أغسطس/ آب 2013. فيقرر وقتها اللجوء إلى كينيا. 

وفي أواخر العام نفسه، أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2013، وصل الكاتب والمعارض السوداني وأحد مناصري الجيش الشعبي لتحرير جنوب السودان أغراي أدري إلى كينيا. لكن ذك لم يوقفه عن كشف انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها معارضو النظام. 

هرب معارضو نظام سيلفا كير إلى دول الجوار وخاصة كينيا وأوغندا خوفًا من التنكيل بهم.
هرب معارضو نظام سيلفا كير إلى دول الجوار وخاصة كينيا وأوغندا خوفًا من التنكيل بهم.

ولا يمرّ وقت طويل قبل أن يوقن الرجلان أنهما قد لا يجدا الأمان المنشود وأنهما ليسا بعيدين عن أيدي أعدائهما حتى في كينيا. 

اختطاف فاختفاء

يتعرض دونغ صمويل لمحاولة اختطاف يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 من داخل منزله في كينيا. وتشير زوجته إلى أن الخاطفين كانوا يبحثون عن الحاسوب أو الهاتفلأنها الوسايل التي يمكن أن يتم عبرها التةاصل مع العالم. وتقول الروجة: "حينها اعتقدنا أنهم أتوا للسرقة، لكنهم أتوا للقتل حيث أطلقوا النار علر رجلي". 

يأتي يوم 23 يناير/ كانون الثاني 2017 ويسير دونع لاستقلال حافلة وسط مدينة نيروبي عند التاسعة مساء. صعد دونغ للحافلة لكنه لم يصل إلى منوله وكانت هذه آخر مرة شوهد فيها صمويل دونغ قبل أن يختفي دون أثر حتى الآن. 

وتروي زوجته لحظات التوتر والقلق التي عاشتها العائلة بينما كان هاتفه مغلقًا. 

وكان اختطاف دونغ أول النذر السيئة، ففي صباح اليوم التالي، يتم اختطاف المعارض أغراي أدري من منزله ولم يُعرف مصيره حتى اليوم. وتشرح زوجة أدري ما جرى في الدقائق الأخيرة لوجوده في حديقة منزله. 

ويشير الباحث السياسي تيكوج فيتر إلى عدم وجود أي أثر للمعارضين المختفيين، لافتًا إلى تصريحات بعض الأشخاص حول مكان وجودهما. كما أفادت تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية تفيد بأنه تم اغتيال الرجلين في كينيا. ويؤكد فيتر أن جريمة جنائية كهذه تحتاج إلى أدلة. 

دعوة أمام محكمة كينية

وعادة ما يذهب خبراء الأمن ومسؤولو الشرطة في العالم إلى قاعدة أثبتت صحتها في أغلب حالات الاختفاء. ووفقًا إلى هذه القاعدة، فإن احتمالية العثور على الشخص حيًا تكون في أول 48 ساعة من اختفائه. ومن بعدها يتضاءل الأمل بشكل كبير. 

عمل أغراي أدري في المنظمات غير الحكومية في نيروبي بسبب معارضة السلطات في جوبا لوجود مثل هذه المنظمات.
عمل أغراي أدري في المنظمات غير الحكومية في نيروبي بسبب معارضة السلطات في جوبا لوجود مثل هذه المنظمات.

وربما كان ذلك سببًا لكي تحرك أسرة دونغ صمويل وأغراي أدري يوم 25 يناير/ كانون الثاني دعوة قضائية أمام محكمة كينية تطالب فيها بالكشف عن مكان ذويهم على خلفية بيان لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" تؤكد فيه أن السلطات الكينية تحتجز دونغ وأغراي وأنها قد تقوم بترحيلهما إلى جوبا.    

فأجابت الشرطة أنها ستواصل التحقيقات لكنها أوقفت التحريات عنه عند مستوى معين، كما أوقفت القضية بأوامر عليا، بحسب زوجة دونغ. 

تحقيق واسع

ويمر الوقت وتتضائل احتمالات النجاح في تحرير الرجلين على قيد الحياة وتبحر تلك الآمال بعيدًا رويدًا رويدًا. 

وفي 27 يناير/ كانون الثاني 2017، تطلب المحكمة العليا من الشرطة فتح تحقيق واسع للوقوف على ملابسات اختفاء كل من دونغ صمويل وأغراي أدري، لكن المحكمة تصل إلى أن الأدلة التي قُدمت غير كافية للجزم بوجود الرجيلن في كينيا أو بتورط مسؤولين كينيين بحادثة الاختفاء. 

ويلفت الحقوقي سالم جمعة إلى أن كينيا واحدة من دول شرق إفريقيا المنضمة لمنظمة "إيغاد" والتي تضم جنوب السودان أيضًا. 

ويعتبر جمعة أن هذا التعاون ربما خلق تعاون بين الحكومتين في المسائل الأمنية الي تتعلق بالحقوقيين والصحفيين، مرجحًا توقيع وثيقة بين الجاز الأمني الكيني والجهاز الأمني الجنوب إفريقي. 

رواية غامضة

لم تكن إجابة الشرطة مقنعة وظلت الرواية الرسمية التي تقول بأن الرجليت اختفيا تمامًا وربما جرى ترحيلهما، سائدة رغم ما يعتريها من غموض. وأوقفت الشرطة التحقيقات في القضية في أبريل/ نيسان 2017. 

 وحمل صباح يوم أبريل/ نيسان 2019 خبرًا لعائلتي المعارضين، لكنه لم يكن مفرحًا حيث تواصل بعض المسؤولين الأممين المنخرطين في التحقيقات مع أسرتي الناشطين دونغ صموئيل وأغراي أدري يبلغاهما بأن الرواية الأقرب هي تصفية دونغ وأغري. 

لكن عائلتي المعارضين ترفض القبول بهذه الرواية لأنهما لم تشاهدا جثتيهما. 

ولم تكن الرواية التي أوردتها منظمة العفو الدولية عام 2017 الوحيدة التي خرجت للعلن لمحاولة فك شيفرات اختطاف الرجلين.

فقد أكد مجلس الأمن الدولي أيضًا في تقرير له أن الاختطاف جاء بناء على أوامر من المدير العام لمكتب الأمن الداخلي الفريق أكولكور كوك حيث تم نقل الرجلين بواسطة طائرة تجارية إلى جوبا ثم نُقلا في سيارة إلى مجمع تابع للأمن في منطقة حي جبل على بعد 20 كيلومتر من العاصمة جوبا.

ورجح الفريق التابع لمجلس الأمن الدولي بأنه تم تصفيتهما يوم 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بناء على أوامر مباشرة من أكولكور كوك. 

وتنفي السلطات في جنوب السودان علاقتها بالحادث ويصرح وزير الإعلام مايكل ماكوي بأن بلاده لا علاقة لها بهذه القضية، ملقيًا بالمسؤولية على السلطات الكينية. 

وتتشابك الروايات وتختلط القصص حيث تصدر صحيفة "نايشن" الكينية تقريرًا في عام 2019، قالت فيه إن ضابط مخابرات من جنوب السودان هو من قام بإخفاء المعارضين وهو من رتّب عملية خطفهما وإخفائهما ونقلهما إلى جوبا وهو ما أكدته تقارير أممية. 

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close