الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

محاكمة قاتل جورج فلويد.. أمل ضئيل في تحقيق العدالة      

محاكمة قاتل جورج فلويد.. أمل ضئيل في تحقيق العدالة      

Changed

يترقّب خال جورج فلويد بتخوّف محاكمة الشرطي الذي قتله.
يترقّب خال جورج فلويد بتخوّف محاكمة الشرطي الذي قتله. (غيتي)
توجيه التهمة إلى شرطي باستخدام القوة المفرطة أمر نادر في الولايات المتحدة، أما إدانة شرطيين بالقتل، فأمر نادر جدًا.

كان من المتوقّع أن تبدأ، اليوم الإثنين، محاكمة ضابط شرطة مينيابوليس السابق ديريك شوفين المتهم بقتل جورج فلويد، الأميركي من أصول إفريقية، في 25 مايو/أيار 2020، غير أن القاضي بيتر كاهيل قرّر تأجيلها بعد أن عارض أمرًا في اللحظة الأخيرة من محكمة الاستئناف في مينيسوتا، بإعادة النظر في طلب المدعين بإعادة النظر في تهمة ثالثة، وهي جريمة قتل من الدرجة الثالثة.

وجاء القرار بعدما أبدى الادعاء مخاوف بشأن المضي في المحاكمة، في وقت لا يزال ينتظر قرار محكمة قدّم إليها التماسًا لإعادة توجيه تهمة القتل من الدرجة الثالثة إلى شوفين المتهم حاليًا بالقتل غير العمد، بعد أن استمرّ بالضغط على عنق جورج فلويد لحوالي تسع دقائق رغم توسّل الموقوف وتكراره "لا يمكنني التنفس".

وأخبر إريك نيلسون، كبير محامي شوفين، أن موكّله سيطلب قريبًا من المحكمة العليا في مينيسوتا إلغاء الأمر، وهي عملية قد تستغرق أسابيع. وحثّ المدعون من مكتب المدعي العام في مينيسوتا؛ المحكمة على تأجيل اختيار هيئة المحلفين حتى يتمّ حل هذه المشكلة.

وقال ماثيو فرانك، مساعد المدعي العام، للمحكمة: "نحن لا نقوم بهذا للتدخل، لإبطاء هذا الأمر ، لكن هذا أمر مهم للغاية"، مضيفًا أن المدعين يخشون من اختيار هيئة محلفين عندما لا يزال عدد التهم دون حل، ما يمكن أن يسهل على شوفين استئناف الحكم في وقت لاحق".

لكن كاهيل رفض الأمر، وعلّق إجراءات فحص المحلّفين لتقييم تهم القتل والقتل غير العمد حتى صباح الثلاثاء، في قضية يُنظر إليها على أنها استفتاء على عنف الشرطة ضد الأميركيين السود، فيما أصبح فلويد رمزًا دوليًا للعدالة العرقية.

هيئة المحلفين

وخصّص القاضي بيتر كاهيل، من محكمة مقاطعة هينيبين، ثلاثة أسابيع لاختيار هيئة المحلفين وحدها، وهي مهمة ستكون في غاية الصعوبة، إذ يبحث الادعاء والدفاع عن أكبر قدر ممكن من الحياد لديهم.

ووجّهت إلى المرشحين للمشاركة في هيئة المحلفين؛ بعض الأسئلة من بين قائمة طويلة منها: "ما رأيك في حركة بلاك لايفز ماتر؟ هل سبق أن تم توقيفك؟ كم مرة شاهدت فيديو المأساة؟".

وبمجرد أن تبدأ المحاكمة، من المتوقع أن يستمر اختيار هيئة المحلفين حوالي ثلاثة أسابيع، على أن تبدأ البيانات الافتتاحية في موعد لا يتجاوز 29 مارس/ آذار، وأن تستغرق من أسبوعين إلى أربعة أسابيع.

وحضر شوفين (44 عامًا)، الذي أُطلق سراحه بكفالة في الوقت المحدد إلى المحكمة في مينيابوليس، مرتديًا بزّة زرقاء وقناعا أسود، وتابع الإجراءات باهتمام، وقام بتدوين الملاحظات على ورقة قانونية.

وتجنبًا لاكتظاظ قاعة المحكمة بالحضور في وسط أزمة وباء كوفيد-19، سيُخصّص قضاء مينيسوتا المحاكمة حصرًا للتهم الفادحة الموجّهة إلى ديريك شوفين. أما رجال الشرطة الثلاثة الضالعون في المأساة، ألكسندر كوينغ وتوماس لاين وتو تاو، فسيحاكمون معًا في أغسطس/ آب المقبل.

بالإضافة إلى ذلك، سيتم بثّ المحاكمة على الهواء مباشرة لأولئك الذين لم يتمكنوا من الحضور، في سابقة تاريخية في المحاكمات الجنائية في مينيسوتا. ولن يُسمح إلا لعضو واحد من عائلة فلويد وعائلة شوفين بحضور المحاكمة. ويمكن لأفراد الأسرة التناوب على حضور الجلسات بأوراق اعتماد مناسبة.

تخوّف من التساهل

غير أن إدانة شوفين تتطلّب إجماع المحلفين الـ12، الذين سيجرون مداولاتهم في النصف الثاني من أبريل/ نيسان، وإذا أبدى أي منهم رأيًا مغايرًا، عندها تخلص المحاكمة إلى ردّ الدعوى، وهو سيناريو سيحرك غضب الناشطين ضد العنصرية.

ويترقّب سيلوين جونز، خال جورج فلويد -بتخوّف- محاكمة الشرطي الذي قتله، على ضوء التساهل الذي أظهره النظام القضائي الأميركي عبر التاريخ حيال تجاوزات قوات حفظ النظام.

ويقول سيلوين جونز: "أريد أن يتم إحقاق العدالة حتى لو أنني لن أشعر يومًا بذلك في قلبي".

وتعتبر المحاكمات في جرائم القتل على أيدي الشرطة نادرة. وقال الشرطي السابق، آشلي هايبرغر، الذي بات يعمل في التدريب وتقديم النصائح، إن "توجيه التهمة إلى شرطي باستخدام القوة المفرطة؛ هو بحد ذاته أمر نادر في الولايات المتحدة، كان بالأحرى توجيه تهمة القتل إليه. أما إدانة شرطيين بالقتل، فأمر نادر جدًا إذ يبدي المحلفون ميلًا إلى تفسير الشك لصالحهم".

لكن "الوقائع هذه المرة فادحة إلى حد لم يرتفع صوت واحد في الشرطة دعمًا للمتهم، وهو أمر نادرًا ما حصل من قبل، بحسب هايبرغر.

متظاهرون يحملون شعار "العالم يشاهد المحاكمة".
متظاهرون يحملون شعار "العالم يشاهد المحاكمة". (غيتي)

حجج الدفاع والادعاء

وسيدفع، ديريك شوفين، ببراءته. وكتب محاميه، إريك نيلسون، قبل المحاكمة أنه "قام بما تم تدريبه للقيام به تمامًا" عند توقيف مشتبه به يقاوم الاعتقال، وهو يدعي أن فلويد توفي جراء جرعة زائدة من مسكّن فينتانيل. وعثر طبيب شرعي على آثار لهذه المادة المخدرة الأفيونية في جثة فلويد، لكنه اعتبر أن الوفاة كانت نتيجة "الضغط الممارس على عنقه".

في المقابل، من المحتمل أن يعرض المدعون على المحكمة، فيديو وفاة فلويد الذي صورته فتاة كانت تمر في الشارع، بالقدر الذي يسمح به القاضي، للدفع بأن استخدام شوفين للقوة انتهك سياسة إدارة الشرطة، وأنه ارتكب جريمة قتل من خلال إبقاء ركبته على عنق فلويد حتى بعد أن صمت القتيل.

وندّد، بن كرامب، محامي عائلة فلويد بمحاولة للتمويه، وقال: "نتوقّع أن يحاولوا التغطية على الفيديو من خلال اتهام جورج بكل الشرور".  

كما سيدّعي فريق الاتهام أن فلويد لم يكن يشكل أي خطر، ويعتزم طلب عقوبة فادحة بحق شوفين الذي "تعمد" تعذيب الموقوف.

ولإثبات أن الجريمة تندرج في سياق "نمط عمل" يتبعه الشرطي، سيستدعي الادعاء امرأة من أصول إفريقية تعرّضت لمعاملة عنيفة منه عام 2017، للإدلاء بشهادتها. كما ستتخلل المحاكمة لحظات مؤثرة، منها إفادة الفتاة التي صورت الحادث.

ويرى خال فلويد أن الفيديو "لا يترك مجالًا للشك، فديريك شوفين مذنب إلى أقصى حد". ويشير إلى أن شوفين "تصرف وكأنه يمكنه القيام بما يشاء لأنه شرطي ولأنه رجل أبيض والبيض يحكمون العالم"، حتى عندما تجمع حشد طالبًا منه أن يترك جورج فلويد يتنفّس.

"التلاعب بالنظام" 

وبالرغم من وطأة المشاهد التي حرّكت العالم، حيث نزلت حشود غاضبة إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة، هاتفةً "بلاك لايفز ماتر" - وهو اسم حركة "حياة السود تهم" المناهضة للعنصرية- لا يُبدي جونز تفاؤلًا بشأن الحكم الذي لن يصدر قبل بضعة أسابيع.

وقال: "يمكنهم التلاعب بالنظام بواسطة مسائل فنية ... رأينا ذلك مرارًا في الماضي"، مذكرًا بأن الشرطة يحظون بحصانة قانونية واسعة.

وقال جونز: "إذا تمت تبرئته، فعندها لن يعود أمامنا سوى أن نصلي من أجل مينيابوليس وأماكن عديدة أخرى، لأن العالم بأسره سيثور"، مضيفًا "أكره الاضطرابات، لكنها أحيانًا الوسيلة الوحيدة لإسماع صوتنا".

وأشار إلى أن التعبئة الشديدة التي أعقبت مقتل فلويد؛ سمحت بالمضي أبعد منه في ملفات أخرى متعلقة بعنف الشرطة. وبعد انتشار الفيديو، تمّ صرف الشرطيين الضالعين في القضية على الفور، لكن عدة أيام انقضت قبل توجيه التهمة رسميًا إلى شوفين، بـ"القتل" وإلى زملائه الثلاثة بـ"التواطؤ". وفي هذه الأثناء، كانت المدن الأميركية اشتعلت وتم إحراق مركز للشرطة في مينيابوليس.

حمل المتظاهرون نعشًا أبيض اللون مغطى بورود حمراء عشية محاكمة قاتل فلويد.
حمل المتظاهرون نعشًا أبيض مغطى بورود حمراء عشية محاكمة قاتل فلويد. (غيتي)

أجواء حسّاسة

وإذا كان الهدوء قد عاد منذ ذلك الحين، إلا أن الأجواء لا تزال في غاية الحساسية.

ومع إعلان تظاهرات جديدة على هامش المحاكمة وتسليط الإعلام الضوء على القضية، يرى سيلوين جونز بصيص أمل رغم كل شيء. ويقول: "هناك الكثير من الضغط في هذا الملف، وهم مرغمون على القيام بشيء ما".

ولتفادي وقوع أي تجاوزات، جنّدت السلطات آلاف عناصر الشرطة والحرس الوطني، وتحوّل محيط المحكمة إلى ما يشبه معسكرًا محصنًا، تُحيط به أسلاك شائكة وكتل إسمنتية.

لكن ذلك لم يمنع مئات الأشخاص من التجمّع خارج قاعة المحكمة مع بدء الإجراءات، وكان العديد منهم يحملون لافتات كتب عليها "العدالة لجورج فلويد"، و"رجال الشرطة القاتلة المحكوم عليهم"، وآخر كلمات فلويد "لا أستطيع التنفس"، ولم يخرجوا عن صمتهم سوى لترديد عبارة "لا عدالة، لا سلام!".

وعبّر كثير منهم عن خشيتهم من خروج شوفين من المحاكمة بلا عقاب.

المصادر:
العربي، صحافة أجنبية، وكالات

شارك القصة

تابع القراءة