يعيش أقليم تيغراي في إثيوبيا أحداثًا متسارعة، حيث قرّرت القوّات الحكومية وقف إطلاق النار من طرف واحد لتعلن جبهة تحرير تيغراي، التي باتت تسيطر بشكل واسع على عاصمة الإقليم ميكيلي، رفضها له.
ولم يسبق إعلان وقف إطلاق النار مفاوضات أو تفاهمات أو حتى حسم عسكري بل جاء نتيجة الحاجة الغذائية والحاجة لهدنة زراعية.
ويلتفت رئيس الوزراء آبي أحمد إلى من تحاصرهم المجاعة والأمراض كالكوليرا والمالاريا وأسلحة الطرفين، وأصبح عددهم 350 ألف شخص، بحسب المنظمات الأممية. فهو يريد محو صور المجاعة من ذاكرة المجتمع الدولي.
ويمثّل رفض الجبهة لوقف إطلاق النار انتكاسة لرئيس الوزراء الإثيوبي وقوّاته المتهمة بارتكاب جرائم حرب في تيغراي. ويخسر آبي أحمد معركة سياسية داخلية فيما يواجه معارك خارجية مع كل من مصر والسودان في ملف سد النهضة المعقّد. فهو يرخي يده في تيغراي ليكسب معركة السد.
كما انسحب لاعب آخر من معركة إثيوبيا، حيث أكملت القوات الإرتيرية انسحابها من آخر مدن الإقليم تحت ضغط واشنطن في خطوة كسرت جناح رئيس الوزراء الإثيوبي، بحسب خصومه.
خلفيات سياسية
يعتبر الباحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات، الموسوي العجلاوي، أن ما يجري في إثيوبيا هو إشكال الدولة وبناؤها. يرى أن الأحداث التي جرت مؤخرًا قد تثير شهية الإعلام لكنّها مهمة في تحليل بنية الدولة وعلاقات الأقاليم.
ويقول العجلاوي في حديث إلى "العربي" من الرباط: "إن ما يجرى من تطورات سيكون له تأثير داخلي وإقليمي".
وأرجع العجلاوي تسارع الأمور في إثيوبيا إلى خلفيات سياسية. وقال: "يجب أن نقرأ ما هو عسكري بخلفيات سياسية أي بالتوافق داخل الائتلاف الحكومي والانتخابات التي قد تجري في سبتمبر".
وأشار العجلاوي إلى دور التحذيرات التي أطلقتها منظمات حكومية حول الوضع الإنساني في تيغراي في إرباك آبي أحمد، مؤكدًا أن الحل لن يكون عسكريًا.
لماذا أعلن آبي أحمد وقف إطلاق النار؟
ومن جهته، ينفي الصحافي زاهد زيدان من أديس أبابا وجود رابح وخاسر في هذا الملف. ويصف ما يجري في إلإقليم بـ"العملية الجراحية" لأن الصراع مع قوى متمرّدة على الدولة تضم مواطنين إثيوبيين.
ويقول: "علمنا أن الحكومة المؤقتة في إقليم تيغراي هي من قدمت هذا المقترح منذ أشهر طويلة ". ويلفت إلى أن الجفاف والجراد وموسم الأمطار هي عوامل دفعت آبي أحمد لإعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد.
ويشير إلى اعتراف رئيس الوزراء وحزبه ببعض الانتهاكات الحقوقية التي نفذها بعض القوات الحكومية.
إنجاز عسكري لجبهة تحرير تيغراي
يوضح الأكاديمي والباحث في الشأن الإفريقي أوول آلو، أنّه من الصعب جدًا أن نصل إلى شرح واضح لما حصل في إثيوبيا بهذه السرعة.
ويقول من لندن: "إن آبي أحمد اعتبر يوم انتخابه أن ما يحصل في تيغراي مشاكل والحكومة تعمل على إصلاحها عبر التفاوض".
ويعتبر آلو أن فكرة أن القوات الحكومية قامت بانسحاب تكتيكي وتركت العاصمة وأعلنت وقفًا لإطلاق النار هو غير مرتبط بغيره من التطورات. ويرى أنه من المهم "قبول الواقع كما هو على الأرض وهو أن الجبهة انتصرت في هذه المعركة". ويستبعد انتهاء المعركة مع هذه التطورات.
كما يلفت الى أن "سيطرة الجبهة على عاصمة الإقليم هو إنجاز عسكري ملحوظ وهزيمة لجيشين في بلدين".
ويشير إلى أن الحكومة الإثيوبية لا تملك سوى خيار التفاوض. ويقول: "يمكن أن نكون أمام خيار إدارة البلاد من قبل حكومتين إذا لم يتم الوصول إلى صيغة حل".