الأربعاء 8 مايو / مايو 2024

ولاية الجنائية الدولية على فلسطين.. القانون في خدمة نضال وطني شامل

ولاية الجنائية الدولية على فلسطين.. القانون في خدمة نضال وطني شامل

Changed

بدأت إسرائيل بحشد الضغوطات على المحكمة، قبل البدء الفعلي بتحقيقاتها، من أجل كسب الوقت قبل انتهاء ولاية المدعية العامة فاتو بنسودا.

في الخامس من فبراير/ شباط الحالي، أكدت المحكمة الجنائية الدولية ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد سنوات من الجهود الحثيثة لاستعادة حقوق الفلسطينيين.

وتباينت ردود الفعل بين الترحيب الفلسطيني-العربي والرفض الإسرائيلي-الأميركي، وسط مخاوف من سعي تل أبيب إلى تلغيم الطريق أمام سير التحقيقات التي من الممكن أن تُجريها المحكمة حول الجرائم الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين، ناهيك عن الضغوط التي يُمكن أن تخلط نصوص القانون بالحسابات السياسية.

ويعتبر قرار المحكمة "انتصارًا للعدالة"، وسابقة تاريخية في "إنصاف الضحايا الفلسطينيين أمام الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت بحقهم".

وبموجب القرار، يُفترض أن توجّه التهم للمسؤولين الإسرائيليين، على اختلاف مستوياتهم، وأن تصدر بحقّهم مذكرات جلب دولية، كما يُمكن أن تطال الملاحقات عناصر من المقاومة الفلسطينية أيضًا.

وعلى الرغم من أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة عقب عدوان 2014: التوسع الاستيطاني، والانتهاكات بحق مسيرات "حق العودة"، موثّقة في ملفات المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن وصول فريق خبراء من المحكمة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لإثبات هذه الجرائم قد يصطدم بمنع إسرائيلي، ويتعذّر عليه جمع الأدلة لتوثيق الأدلة وجمع الشهادات والمعاينة الميدانية. 

كما تبحث إسرائيل في ثغرات قانونية قد تُمكّنها من نقض القرار، من منطلق أن فلسطين "لا تستوفي شروط الدولة بانضمامها إلى معاهدة روما".

وتعتمد تل أبيب استراتيجيات مختلفة لإجهاض قرار الجنائية الدولية، عبر التحرك ديبلوماسيًا باتجاه الدول الداعمة لها والرافضة لقرار المحكمة من الولايات المتحدة وألمانيا والنمسا.

وبدأت إسرائيل بحشد الضغوطات على المحكمة، قبل البدء الفعلي بتحقيقاتها، من أجل كسب الوقت قبل انتهاء ولاية المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا في يونيو/ حزيران 2021، على أمل أن يكون أداء المدعي العام الجديد كريم خان مختلفًا.

نضال فلسطيني وطني شامل

ويعتبر الخبير في القانون الدولي الدكتور أنيس قاسم أن أهمية القرار تكمن في أنه "يُقرّ بأن فلسطين دولة ولو أنها تحت الاحتلال، ولها الحق بالانضمام إلى اتفاقية روما، كما يقرّ بأن الجرائم الإسرائيلية شملت الضفة الغربية وقطاع غزة".

ويشير قاسم، في حديث إلى "التلفزيون العربي"، إلى أنّه انطلاقًا من هذين المبدأين، يُصبح قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، "باطلًا ويُمكن الطعن به، كما ينسحب الأمر على قرار صفقة القرن".

ويشدد على أن الاحتلال الإسرائيلي سيقوم "بكل الموبقات لمنع إجراء التحقيقات حول جرائمه ضدّ الشعب الفلسطيني، ومن ضمنها اللجوء إلى الدول الداعمة لها للتوجّه إلى مجلس الأمن لوقف التحقيق في هذه الجرائم". معتبرًا أن على القيادة الفلسطينية، في المقابل، "أن تُسارع إلى ترتيب الأمور مع روسيا والصين لحثهما على استخدام حقّ الفيتو".

كما يؤكد أن الخطر الأكبر هو في أن تقوم إسرائيل "بإغراء القيادة الفلسطينية بالعودة إلى طاولة المفاوضات في حال أوقفت الدعاوى أمام الجنائية الدولية، وهو أمر قابل للحدوث كما سبق وفعلت مع عدم تقديم تقرير غولدستون في مجزرة غزة السابقة".

ويلفت قاسم إلى أن على القيادة الفلسطينية "التمسّك بقرار المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيلية، من خلال نضال وطني شامل". 

قرار المحكمة الجنائية جاء متأخّرًا

من جهته، يعتبر المتحدث السابق باسم الأمم المتحدة الدكتور عبدالحميد صيام أن قرار المحكمة "جاء متأخرًا، وأن المدعية العامّة فاتو بنسودا، قبل انتهاء ولايتها، تُريد إعادة المصداقية للمحكمة بعد أن اتُهمت بأنها تنحاز إلى القضايا الإفريقية".

ويرى صيام، في حديث إلى "التلفزيون العربي"، أن على القيادة الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية "التكاتف وإرسال آلاف الوثائق عن جرائم الحرب غير المنصوص عليها ضمن صلاحية المحكمة في قرارها الأخير لمُحاصرة إسرائيل، مثل اعتقال الأطفال وجدار الفصل العنصري، واستخدام قنابل الفوسفور، خاصّة وأن كل الجرائم الإسرائيلية يُمكن تصنيفها في إطار جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية".

ودعا صيام الفلسطينيين إلى "استخدام القانون الدولي في نضالهم، وليس من أجل إرسال رسائل إلى الإدارات الأميركية"، معتبرًا أن المشكلة الحقيقية هي" في القيادة الفلسطينية التي تراجعت عن كونها حركة تحرّر وطني للبحث عن دولة وهم، وهي ما زالت تعتبر أن إدارة بايدن ومن قبلها إدارة أوباما، ستقدّم لها دولة مستقلّة". 

غياب استراتيجية فلسطينية تحررية

أما أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور إبراهيم فريحات، فيؤكد أن قرار المحكمة أيضًا "يفرض تحديًا أمام مصداقية الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بادين حول كيفية التعامل مع قضايا الشعب الفلسطيني".

ويأسف فريحات، في حديث إلى "التلفزيون العربي"، لـ "غياب استراتيجية فلسطينية تحررية في النضال الوطني والخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن التوجّه الفلسطيني لتقديم الوثائق على جرائم الحرب الإسرائيلية جاء بمثابة ردّ فعل على قرار ترمب نقل السفارة الأميركية إلى القدس".

ويشكّك في إمكانية وصول الجنائية الدولية إلى "تحقيق مبدأ المساءلة على الأقل في بعض القضايا المنصوص عليها في قرارها مثل العدوان على غزة، حيث قد تتعرّض حماس للمساءلة بينما تستخدم إسرائيل، علاقاتها الدبلوماسية مع الجهات الدولية الفاعلة، للبحث عن ثغرات قانونية للإفلات من العقاب".

لكنّه، في المقابل، يعتبر أن هناك "أفقًا كبيرًا للفلسطينيين لمواصلة التحرك ضمن استراتيجية شاملة، وتعزيز الموقف التفاوضي بأوراق القانون الدولي، والضغط المتواصل على القيادات الغربية للالتزام بمبادئها الإنسانية التي تُنادي بها".

المصادر:
التلفزيون العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close