الأربعاء 24 أبريل / أبريل 2024

"صندوق أسرار" الكي جي بي.. أوليغ كالوغين يكشف الخبايا لـ"العربي"

"صندوق أسرار" الكي جي بي.. أوليغ كالوغين يكشف الخبايا لـ"العربي"

Changed

الجزء الأول من مقابلة خاصة مع الجنرال أوليغ كالوغين يكشف فيها حقيقة أكبر جهاز تجسس في التاريخ (الصورة: غيتي)
يُعَدّ كالوغين بحق صندوق أسرار جهاز الاستخبارات السوفييتية، فقد كان له على مدى أكثر من ثلاثة عقود دور رئيسي في أهم وأشهر الأحداث أيام الحرب الباردة.

لا تزال فترة الحرب الباردة والمواجهة بين المعسكرين الشرقي والغربي واحدة من أهمّ المحطات التاريخية، التي تثير اهتمام الدارسين، لاستكشاف تفاصيلها وخباياها.

وقد شكّلت هذه الفترة محور حلقة هذا الأسبوع من برنامج "وفي رواية أخرى" الذي يقدمه بدر الدين الصائغ. وسلّطت الحلقة الضوء على هذه الحقبة من منظور أكبر جهاز استخباراتي في التاريخ وهو الكي جي بي.

وتولّى رئيس قسم مكافحة التجسس في الاستخبارات الخارجية السوفييتية سابقًا الجنرال أوليغ كالوغين نقل هذه الرواية، في حديث خاص إلى "العربي".

ويُعَدّ كالوغين بحق صندوق أسرار جهاز الاستخبارات السوفييتية، فقد كان له على مدى أكثر من ثلاثة عقود دور رئيسي في أهم وأشهر الأحداث أيام الحرب الباردة سواء داخل الستار الحديدي أو في عواصم الغرب.

كما كان أحد أقرب مساعدي رئيس الكي جي بي والزعيم السوفييتي السابق يوري أندروبوف ومشرفًا على عمليات اختراق حكومات ومسؤولي عدد من دول العالم وعلى مجموعة من أشهر جواسيس الحرب الباردة على الإطلاق.

"عكس مشيئة أبي"

من البدايات، ينطلق الجنرال أولين كالوغين في حديثه إلى "العربي"، فيروي كيف انضمّ إلى جهاز الاستخبارات، خلافًا لمشيئة والده، الذي حذّره من "قذارة" هذا العالم.

ويقول كالوغين: "عندما كنت فتى يافعًا وكنت في الصف التاسع والعاشر، كنت قد انتُخِبت من قبل الطلاب لأكون رئيس رابطة الشبيبة اللينينية على مستوى المدرسة، وكانت الرابطة هي ممثل الاتحاد الشيوعي في ذلك الوقت".

ويضيف: "بالنسبة لي كان هذا شرفًا عظيمًا لكن لم أعرف حينها بأنّ هذا سيفضي إلى انخراط أكثر جدية في المستقبل".

ويكشف أنّه عندما تخرّج من المدرسة الثانوية، قرّر الانضمام إلى الكي جي بي، "لكن والدي قال لي: لا تقم بهذا العمل يا بنيّ، فقلت له كيف ذلك وأنت نفسك كنت ضابطًا في الكي جي بي. قال لي: حسنًا إنه عمل قذر ولا أريد لك أن تتّسخ به. فقلت له: لا عليك يا أبي".

ويردف: "هكذا عملت عكس مشيئة أبي".

من سوريا إلى الولايات المتحدة

وبعد تدريب طويل، كان من المفترض أن تكون "مهمّة" كالوغين في سوريا، بعدما أتقن اللغة العربية، قبل أن يتغيّر "المخطط" في اللحظة الأخيرة، إثر مقابلة كان ينبغي أن تكون "روتينية" مع إدارة شؤون الموظفين.

يتذكّر في هذا السياق حديثًا دار بينه وبين موظف الشؤون الإدارية: "فجأة قال لي موظف الشؤون الإدارية: أنت لا تشبه العرب، فقلت: آسف. ما الذي بوسعي أن أقوم به بخصوص هذا، فقال: إنس ذلك. قلت: ماذا تقصد، قال: ستذهب إلى الولايات المتحدة".

ويتابع: "سألته: حقًا؟ وبأي صفة؟ قال كطالب زمالة دراسات عليا، حيث ستكون ضمن مجموعة طلاب سوفييت مجموعهم 18 طالبًا يذهبون إل الولايات المتحدة، وفي المقابل يأتي 18 طالبًا أميركيًا".

وفي سياق حديثه، يكشف كالوغين عن سر اهتمام الكي جي بي بتعليم مختلف اللغات للمنتسبين له، فضلًا عن طبيعة التكوين الذي يتلقاه الضابط.

يقول: "لم يقتصر التدريب الذي نتلقاه على اللغة فقط بل كنا نحصل على تدريب في كل مجالات الحياة، بمعنى كيف نتصرف ضمن المجتمع وكيف نختار الأشخاص المناسبين وكيفية إعدادنا لنكون شبه موظفين في مجال العلاقات العامة لنتعامل مع الخيارات المتاحة أمامنا".

ويضيف: "هذا هو بالضبط ما قمت به بصفتي ضابطًا وطبقًا للضوابط المعمول بها أثناء وجودي في جامعة كولومبيا".

وفاة ستالين.. يوم "لن يُنسى"

يتطرق "صندوق أسرار الكي جي بي" في سياق حديثه لـ"العربي" عند محطة مهمّة في تاريخ الجهاز، وهي وفاة جوزيف ستالين، القائد الثاني للاتحاد السوفييتي.

يستذكر يوم وفاة ستالين بقوله: "كنت حينها في مدرسة تدريب الكي جي بي وتلقيت مكالمة هاتفية من والدتي قالت لي فيها إن أبانا قد توفي".

يردف: "لم أفكر أبدًا في ستالين بل ظننت أن والدي قد توفي، إلى أن قالت: لِمَ لا تصغي إلى المذياع؟ الخبر في المذياع. ثمّ قالت: والدنا جوزيف ستالين توفي ونحن جميعًا نبكي".

ويتابع: "ذهبت إلى الفصل وكان بعض من زملائي على علم بذلك وكان هناك صمت وضوضاء ودموع، فستالين كان لنا بمثابة القدوة وتجسيد لمستقبل زاهر لبلادنا".

ويؤكد أنّ الشعب السوفييتي لم يكن "على علم بجرائم ستالين"، موضحًا أنّ "الآلة الإعلامية السوفييتية صنعت له صورة باهرة عالميًا على أساس أن اندحار ألمانيا النازية جاء على أيدي السوفييت".

ويستذكر موقفًا محدّدًا أثناء عمله في الكي جي بي حين وقعت عيناه صدفة على اسم صحافي أميركي معروف، ويروي كيف حاول التقصّي عنه، والاتصال به، ليتبيّن له فيما بعد أنّ هذا الرجل طُرد من روسيا بأمر شخصي من ستالين وقيل له ألا يعود إلى روسيا بعد ذلك مطلقًا".

ويقول: "اكتشفت أن هذا الشخص هو من أخبر السلطات الروسية بأن الألمان سيهاجمون روسيا وحين اطّلع ستالين على ذلك التقرير أمر فورًا بإبعاده من البلاد على أنع مشاغب ومثير للفتن، لأنّ ستالين كان يعتقد أن هتلر لن يجرؤ أبدًا على الهجوم على روسيا".

"العميل الأول" في الجامعة

في حديثه لـ"العربي"، يروي كالوغين خبايا تجربته في الولايات المتحدة، مستذكرًا كيف أنّه جنّد شخصًا حين كان لا يزال طالبًا في كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، "حين لم يكن يفترض بي أن أقوم بذلك".

ويشير إلى أنّ "عميله الأول" كان متطوّعًا التقى به في الحرم الجامعي، ويقول: "تبين أنه مواطن أميركي ذو خلفية روسية من جهة جده وكان يعمل في معهد تكنولوجي أميركي كبير يبحث في تصنيع الوقود الصلب للصواريخ وكان ذلك في الخمسينات".

يستذكر كيف أنّه أبلغ موسكو بما حدث، "وكان ردهم أنني صغير وتنقصني الخبرة"، اعتقادًا منه أنه تابع للأف بي أي ويحاول الإيقاع به. ويضيف: "قلت لهم إنه طبقًا لما قاله لا يبدو لي بأنه يتصنّع. إنه مؤمن بصدق بالشيوعية ولكن خاب أمله بالقيادة الحالية".

ويتذكّر كيف أنّه في الاجتماع التالي، "أحضر معه وثائق شديدة السرية ونماذج من الوقود الصلب للصواريخ وكان هذا شيئًا غير عادي".

من الصداقة إلى المال.. أساليب تجنيد منوّعة

يتطرق "صندوق أسرار الكي جي بي" إلى الأساليب التي كان يستخدمها الجهاز لتجنيد "العملاء"، فيؤكد أنّها كانت تشمل خلال فترة الحرب الباردة "كلّ ما هو مُتاح".

ويعدّد بعض هذه الأساليب، على غرار بناء الصداقات، والإغراء بجني المال، علمًا أنّ الجهاز كان كريمًا جدًا بدفع الأموال مقابل الخدمات.

ويلفت إلى أنّ التجنيد كان يشمل أيضًا الأشخاص الذين لم يكونوا راضين عن الولايات المتحدة ليس فيما يخص السياسة ولكن لأسباب شخصية.

ويقول: "أعرف شخصًا كان يعمل في السي أي إيه، وحصلت مشادة بينه وبين رئيسه المباشر، فشعرت أنه يريد الانتقام ومعاقبة رئيسه السابق. قال لي إنّ بإمكانه توفير أي معلومات أطلبها منه".

ويضيف: "عمل لدى الاستخبارات السوفييتية أساسًا لأنه شعر بالإهانة أو ربما لأنه لم يقدَّر حقّ قدره من قبل رئيسه المباشر".

وإذ يشدّد على أنّ العامل البشري مهم، يقول إنّه "كان من المهمّ جدًا للاستخبارات إيجاد هذا النوع من الأشخاص".

ماذا عن الأساليب "غير الأخلاقية"؟

لا ينكر كالوغين استخدام الجهاز لبعض الأساليب "غير الأخلاقية". يقول: "ليس سرًا فعلًا. لقد استخدم الجهاز بالفعل الابتزاز وحاول إجبار الناس للعمل لصالحه، لكن ذلك كان يحدث عندما يأمن بأنه لن يصطدم بأجهزة الاستخبارات المحلية".

يلفت إلى أنّ هذا يمكن أن يحدث مع بعض الدول المحايدة حيث يشعر الجهاز بالأمان، "ولكن ليس في الولايات المتحدة".

هنا، يتذكّر تجربته الشخصية. يقول: "قمت بتجنيد العديد من الأميركيين لكنّ واحدًا منهم فقط كان عميلًا مزدوجًا. شعرت بذلك بحدسي. كان هناك شيء مريب ولم يكن يخبرني بالحقيقة كلها".

في المقابل، يذكر بأن شخصًا آخر ممّن جنّدهم أنقذ حياته في أكثر من طريقة. يقول: "عندما وقعت بمشكلة مع رئيس الكي جي بي، وكان من المفترض أن أذهب إلى روسيا، اتصل بي هذا العميل وقال إذا ذهبت إلى موسكو لن تعود مطلقًا ولربما لن تكون على قيد الحياة، سيتولون أمرك لأنهم لا يثقون بك".

ويتابع: "قلت له: لماذا لا تساعدني كي أكون موضع ثقة هل بإمكانك تزويدي بمعلومات تقنع رئيسي بأنني أعمل لصالح السوفييت؟". ويكشف أنّه ساعده بالفعل: "أحضر لي فعلًا معلومات سرية ونموذجًا من الوقود الصلب للصواريخ".

ويؤكد أنّه لم يمارس أي شيء عدا الإقناع ولم يبتزّ الناس إطلاقًا، مضيفًا: "كنت أحاول مصادقتهم ليشعروا بالارتياح وطبعًا أقدّم لهم المال إذا كان ضروريًا وهذا ساعدني على تجنيد العديد من الأميركيين وأصبحت بفضل ذلك أصغر جنرال سنًا في تاريخ الاستخبارات السوفييتية".

أي دور للكي جي بي في اغتيال كينيدي؟

ويتطرق إلى حادثة اغتيال الرئيس جون كينيدي، نافيًا ايّ دور للاستخبارات السوفييتية في الأمر على الإطلاق.

يقول في هذا الإطار إنّ الاستخبارات السوفييتية لم تقتل أبدًا أيّ أحد في الولايات المتحدة وبالأخص لم تقتل شخصًا مثل الرئيس كينيدي.

ويتذكر يوم اغتيال الرئيس السابق، حيث يقول: "بمحض الصدفة بينما كنت واقفًا بين الحشود مرت سيارة كينيدي وموكبه أمامي، وعندما عدت إلى الفندق تبين لي أنه قتل. كنت في المكان نفسه تقريبًا لكنني لم أر أو أسمع أي شيء".

ويشدّد على أنّ الولايات المتحدة كانت قوة نووية دائمًا يُحسَب لها حساب، مشيرًا إلى أنّه "من الممكن أن يقوم السوفييت بفعل ذلك في مكان آخر". ويضيف: "قد يفعلون ذلك في أوروبا أو آسيا أو إفريقيا ولكن ليس في الولايات المتحدة".

ويلفت إلى أنّ من الأساليب التي كان يستخدمها الجهاز "تشويه السمعة"، لكن "لا اغتيالات على الإطلاق في أي مكان".

يضيف: "في زمن خدمتي في الكي جي بي لم يحدث ذلك، لكن عندما كان ستالين على قيد الحياة كان أي شيء ممكن الحدوث طبعًا".

"الأهمية والنفوذ"

ويتحدّث عن مشكلة كبيرة واجهت ممثلي الاستخبارات السوفييتية "لأنهم كانوا مسؤولين عن كل شيء في الخارج".

يقول: "السفير هو الممثل الرسمي للنظام السوفييتي في الخارج، لكن رئيس محطة كي جي بي كان دائمًا أكثر أهمية لأنه يمثل أقوى مؤسسة أمنية واستخباراتية في البلاد".

يضيف: "كان اتصالي مباشرًا مع السفير السوفييتي وكثيرًا ما كان يقول لي دعنا نذهب لنشرب ونتحدث عن الحياة بعيدًا عن تعقيدات العمل وكان يخبرني بأنه يريد أن يبقى في وظيفته الدبلوماسية بعيدًا عن شبهة العمل كواحد من عملاء الكي جي بي".

لكنّه يشدّد على أنّه "كان على الدبلوماسيين السوفييت أن يعملوا مع الكي بي جي، ولم يكن أمامهم من مفر". يوضح أنّه "في النهاية في ذلك الوقت كان لجهاز الكي جي بي دوره في توفير الحماية والدفاع للقيادة السوفييتية".

ويوضح أنّ "قيادة الحزب الشيوعي كانت في المقدّمة يليها في المرتبة الثانية جهاز الكي بي جي من حيث الأهمية والنفوذ"، وما عدا ذلك "كل شيء كان تحت سيطرة الكي جي بي".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة