الإثنين 29 أبريل / أبريل 2024

عبدالله عزام.. رحلة فلسطيني من جنين إلى تجنيد العرب للقتال في أفغانستان

عبدالله عزام.. رحلة فلسطيني من جنين إلى تجنيد العرب للقتال في أفغانستان

Changed

حلقة من وثائقي مذكرات تتبع قصة حياة عبد الله عزام منظر الجهاد العالمي (الصورة: غيتي)
يُعد عبدالله عزام منظرًا راديكاليًا، أحب العسكرية وكرّس نفسه للقتال، وأمضى حياته يجول بين البلدان من سهول فلسطين إلى جبال أفغانستان.

حمل منظّر الجهاد الإسلامي عبدالله عزام كوفية فلسطينية على كتفيه بينما اعتمر باكولًا أفغانيًا على رأسه، فاجتمع الرمزان في رجل واحد.

أمضى عزام، الذي أحب العسكرية وكرّس نفسه للقتال، حياته يجول بين البلدان من سهول فلسطين إلى جبال أفغانستان.

وبعدما وجد نفسه في أماكن صناعة أحداث تاريخية خلال ثمانينيات القرن العشرين، كانت النهاية اغتيالًا بتفجير غامض على أرض بيشاور الباكستانية.

في تسجيل مصوّر يظهر فيه زعيم تنظيم القاعدة، يقول أسامة بن لادن إن عزام "حرّض الأمة من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب". 

ويؤكد أن "أهل الجهاد، الذين حضروا الساحة وعاشوا تلك المرحلة، يعلمون أن الجهاد الإسلامي في أفغانستان، لم يستفد من أحد كما استفاد من الشيخ عبدالله عزام".

من هو عبدالله عزام؟

يُعد عبدالله عزام منظرًا راديكاليًا، قاد تجنيد العرب للقتال في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي.

الرجل وُلد مطلع الأربعينيات في قرية السيلة الحارثية بجنين شمالي الضفة الغربية، وسرعان ما وقعت النكبة، فتركت ندبة في وعيه حملها معه حتى آخر حياته.

ويلفت الباحث النرويجي توماس هيغهامر، إلى أن القرية مسقط رأس عزام تقع في سهل مرج بن عامر على الخط الأخضر مباشرة، وعلى تلال مرتفعة، لذا كان الأهالي ينظرون من نوافذ بيوتهم إلى الأراضي التي فقدوها كل يوم.   

التحق عزام بمعسكرات التدريب على السلاح، التي عُرفت بقواعد الشيوخ، والتي نظمها الإخوان المسلمون بالتعاون مع الفدائيين الفلسطينيين. 

وكانت هزيمة 1967 اللحظة التي اكتشف فيها نفسه، فحمل بمضي 18 شهرًا بندقية كلاشينكوف على الحدود الأردنية الإسرائيلية، مرتديًا الكاكي وفي جيبه مصحف لا يفارقه.

ويشدد هيغهامر، كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع النرويجية والذي تتبع سيرة عبدالله عزام، على أن أمرًا واحدًا حدد مسار حياته وهو تهجيره عام 1967.

ويردف بأن عزام "قبل ذلك العام كان في ذهنه أنه سيكبر ويموت في فلسطين، لكنه في منتصف حرب الأيام الستة قرر مغادرة الضفة الغربية إلى الأردن، وأصبح منذ ذلك الحين لاجئًا ولن يعود إلى فلسطين أبدًا".

ومع ذلك، فقد احتلت فلسطين موقعًا مركزيًا في ذهن عزام ومنظوره الإستراتيجي، حيث يقول في نهاية عام 1989: "أنا فلسطيني ولو وجدت طريقًا إلى فلسطين كان أحب إلي أن أقاتل فيه"، مقرًا بأن "فلسطين أَولى من أفغانستان".

وبينما أعاد في آخر عامين من حياته استثمار نفسه في النضال الفلسطيني، ولا سيما مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، لاقت أفكاره صدى في فلسطين، ولا سيما لدى شباب التيار الإسلامي الذين انخرطوا في صفوف الانتفاضة. حتى أن الجهاز العسكري لحركة حماس وعند تأسيسه الأول حمل اسم كتائب الشهيد عبدالله عزام.

عبدالله عزام يتمتع بشخصية "محورية ولها تأثير كبير وحضور في كل التيارات" - غيتي
عبدالله عزام يتمتع بشخصية "محورية ولها تأثير كبير وحضور في كل التيارات" - غيتي

عبدالله عزام وفتوى الجهاد

أسّس عبدالله عزام مكتب خدمات المجاهدين في بيشاور ليكون بوابة من عُرفوا بـ "الأفغان العرب" نحو حركة جهادية ذات طابع عالمي. وهناك وُلد تنظيم القاعدة، العامود الفقري للحركة الجهادية العالمية.

وكتب عام 1987 كتابًا قصيرًا بعنوان "إلحق بالقافلة"، ودعا من خلاله كل "المسلمين الأصحاء" إلى القتال في أفغانستان.

وتحت عنوان "القافلة" تتبع هيغهامر بدوره سيرة عبدالله عزام، وجمع آلاف الصفحات من أوراقه ومنشوراته والمئات من محاضراته ليخرج كتاب "القافلة.. سيرة عبدالله عزام"، الذي يُعتبر محاولة لفك لغز صعود الجهاد العالمي.

يقول هيغهامر: "قبل عشر سنوات عندما بدأت في بحثي حوله كان عزام لغزًا، بدا كمنطقة معتمة على الخريطة، كان ذاك الشخص الذي يتحدث عنه الجميع والمثير للاهتمام في عزام هو أن إرثه أصبح موضع تنازع شديد".

بدوره، يصف الكاتب والصحافي ياسر أبو هلالة شخصية الشيخ عبدالله عزام بـ"المحورية ولها تأثير كبير وحضور في كل التيارات"، مردفًا بأن الرجل "ومع أنّه كان قياديًا في جماعة الإخوان المسلمين ونشأ فيها، إلا أنه لم يكن متعصبًا تنظيميًا وهذا ما جعل تأثيره أوسع من إطار هذه الجماعة".

ويلفت إلى أن عزام استطاع "عندما انتقل من العمل الدعوي إلى العمل الجهادي، أن يستقطب الكثير من الجهاديين، أفرادًا وجماعات".

الأردن ثم السعودية

قبل الانخراط في أفغانستان، حصل عبدالله عزام مطلع السبعينيات على الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من الأزهر في مصر، ثم عمل أستاذًا في الجامعة الأردنية.

كان في ذلك الحين أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين، لكن بأفكار متشددة لم تألفها مدرسة الجماعة. 

وبينما اكتسب مع الوقت شعبية واسعة بسبب شخصيته الثائرة، والتي كانت حاضرة في دروسه وكتاباته، أثار ذلك سخط الدولة وجماعة الإخوان المسلمين على حد سواء حتى أطلق عليه لقب "سيد قطب الأردن".

وعُد اجتياح الجيش الأحمر لأفغانستان نهاية عام 1979 نقطة التحول الكبرى، التي أشعلت شرارة الجهاد الأفغاني ضد السوفيت. 

وفي محاضرة ألقاها عزام بمناسبة هذا الاحتلال، أثنى بشدة على المجاهدين الأفغان الشجعان، وتساءل كيف يمكن أن ندعمهم وما الذي يجب علينا فعله؟

وأمام أفكار لم تألفها الساحة الأردنية، كان خروج عبدالله عزام من الأردن نتيجة حتمية لنشاطه السياسي الحاد. 

قاد عبدالله عزام تجنيد العرب للقتال في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي - تويتر
قاد عبدالله عزام تجنيد العرب للقتال في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي - تويتر

ويشير عبدالله أنس، الباحث ومؤلف كتاب الأفغان العرب، إلى أن "عزام عندما أُوقف عن التدريس في الأردن وبقي بدون عمل وهو رب أسرة وفقه الله في إيجاد عقد عمل في السعودية في جامعة الملك عبدالعزيز".

هكذا استقر الأمر بعبدالله عزام في المملكة العربية السعودية، التي كانت في ذلك الوقت نشطة في دعم الجهاد الأفغاني، مدرسًا مؤقتًا في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة. 

في الوقت نفسه وصل إلى المملكة أحد قادة جماعة الإخوان المصرية هو كمال السنانيري، الذي ربطته بعزام علاقة جيدة منذ أيام دراسته في القاهرة.

وكان السنانيري قد عاد لتوه من بيشاور، فتوقف في السعودية للقاء بعض الإخوان من بينهم عبدالله عزام. ورجح هذا اللقاء كفة الذهاب إلى أفغانستان عنده؛ فكتب في أوراقه عن السنانيري: "كنا على صلة وثيقة من أيام مصر، فقال لي ليست هذه الأرض بدار قرار، إحزم أمتعتك وأقبل إلى أفغانستان فبدأت أهيء نفسي للحاق به".

وبالقرب من أفغانستان، وتحديدًا في بيشاور الباكستانية، بدأ عزام نشاطه. وبعد انخراطه في ساحات القتال، دعا إلى النفير وكان من أشهر كتبه آنذاك "آيات الرحمن في جهاد الأفغان".

ويعرب أبو هلالة عن اعتقاده بأن هذا الكتاب "كان من الكتب التي سبّبت انحرافًا فكريًا له ما بعده"، معتبرًا أنه "مبني على مرويات لا أصل له".

ولطالما فُسر حشد العرب إلى أفغانستان بأنه خليط من تشجيع الحكومات والبحث عن ملجأ آمن، غير أن عزام كان يعتقد بأن الجهاد فرض عين على كل المسلمين.

وعُدت تلك الفتوى أول محاججة فقهية مفصلة للقتال في العصر الحاضر، وتبعها ذهاب متطوعين للقتال إلى العديد من أماكن النزاع خلال العقود التالية. ولاحقًا، قدم العديد من الإسلاميين اعتراضات على هذه الفتوى، التي أطلقت ماردًا للعمل المسلح.

ويرى هيغهامر، أن هذه الفتوى ألهمت "كثيرًا من الأشخاص للذهاب إلى القتال، والأهم من ذلك أن هذا الأمر فتح صندوق الشرور وقوض السلطات التقليدية في مسائل الجهاد".

ويلفت إلى أن عزام قال للشباب "لا تلقي بالًا لما يقوله الشيخ في بلدك، ولا لما يقوله والداك أو حتى رئيس بلادك أو الملك، القرار قرارك..".

ويروي عبدالله أنس، مؤلف كتاب "الأفغان العرب"، أنه قرر الذهاب إلى أفغانستان عندما قرأ هذه الفتوى الموقعة. 

ويشير إلى أنه وجد نفسه في موسم الحج وجهًا لوجه مع الشيخ عبدالله عزام، وأنه أخبره عن قراءته الفتوى التي تحدث عنها من حيث أن الجهاد في أفغانستان فرض عين، سائلًا عن خطوات الالتحاق بالقافلة.

وينقل أنس عن عزام قوله إنه يدرّس في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، وتعهده بمساعدته في الخطوات الأخرى بالانخراط في الجهاد الأفغاني إذا ما وصل إلى هناك.

تأسيس مكتب خدمات المجاهدين عُد بوابة المتطوعين للانخراط في الجهاد الأفغاني - غيتي
تأسيس مكتب خدمات المجاهدين عُد بوابة المتطوعين للانخراط في الجهاد الأفغاني - غيتي

تأسيس مكتب خدمات المجاهدين

وكان عبدالله عزام قد قاد أول أعوامه في باكستان وهو يحاول دعم الجهاد الأفغاني سياسيًا بنجاح متباين. وبينما فشل في توحيد الأفغان، إلا أنه نجح في تطويع الجمعيات الخيرية لصالح ما يراه وبناء علاقات جيدة مع الحكومتين السعودية والباكستانية.

وجاءت نقطة تحول أخرى من خلال تأسيسه لما يعرف بمكتب خدمات المجاهدين، الذي عُد بوابة المتطوعين للانخراط في الجهاد الأفغاني وقاعدة بيانات المقاتلين وعائلاتهم.

يقول عزام إنّ الشاب العربي كان يضيق صدره سريعًا، فيمكث أسبوعًا أو اسبوعين ليعود يائسًا من الجهاد والمجاهدين، فأزعجه أن يرى حماستهم تذهب هباء. 

ومن هذا المنطلق تأسس مكتب الخدمات، وكانت مهمته الرئيسة استضافة المتطوعين وفرزهم لاحقًا.

والمكتب لم يكن مجرد منظمة عسكرية، بل جمعية خيرية مسلحة ركزت جهودها على خدمة الجهاد الأفغاني لوجيستيًا.

وفي هذا الصدد، يعرب هيغهامر عن اعتقاده بأن "التأثير الأبرز لعزام تمثل في كونه غدا سفير الجهاد الأفغاني في العالم العربي بشكل ما". 

ودعا الباحث إلى التفكير في الأفغان العرب والمتطوعين العابرين للحدود كظاهرة منفصلة؛ صغيرة وتعمل خارج الجهاد الأفغاني إلى حد ما وهو ما تكرر لاحقًا، إذ عمل هؤلاء إلى الخارج قليلًا من الجهاد في الشيشان والبوسنة، فدائمًا ما كان الأمر يبدو مثل قوات زائرة صغيرة إلى جانب قوات محلية أكبر بكثير.

ويردف بأن عوامل أكبر حددت نتائج الجهاد الأفغاني، أكبر من الأفغان العرب.

وأمام تأثير أفكار عزام على حشد المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان، أصبح عدد العرب الأفغان عشرة أضعاف السابق. لكن ما هو عدد المقاتلين الأجانب الذين انتهى بهم المطاف في أفغانستان؟

يعتقد الباحث النرويجي كاتب سيرة عزام، أن "مجموع العرب الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني لم يتجاوز 7 آلاف متطوع".

بينما يلفت الكاتب والصحافي ياسر أبو هلالة إلى أنه توصل بعد بحث طويل إلى رقمين فيما يتعلق بالمجاهدين العرب في أفغانستان؛ 80 ألف هم الذين دخلوا باكستان وأفغانستان، وهو رقم حقيقي.

وينقل فيما يخص عدد المقاتلين المحترفين، عن المسؤول العسكري للقاعدة أبو حفصة المصري، أن العدد لم يزد على 2000.

وفي ذلك الوقت ظهر في بيشاور شاب سعودي أخذ اسمه يتداول في أوساط الأفغان العرب هو أسامة بن لادن، غدا لاحقًا زعيمًا لأبرز حركات الجهاد العالمي.

ولم يكن بن لادن غريبًا عن عزام، حيث التقى الرجلان أكثر من مرة إحداهما في أميركا عام 1978 إضافة إلى عدة لقاءات في السعودية والأردن.

فما الذي قاله عزام عن علاقته ببن لادن وعن حماسة الأخير حول "توسيع العمل واستنفار العرب ومقاومة الروس"؟ 

وكيف تحوّل عزام خصمًا للحكومة الباكستانية فعطلت مؤقتًا عمل مكتب الخدمات، وطالبته السلطات بمغادرة البلاد، وما الذي قاله عن لقاء جمعه مع الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض حينها، وماذا عن "لغز" اغتياله؟ الإجابات وتفاصيل أخرى عن سيرة ومذكرات عبدالله عزام في الحلقة المرفقة.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close