السبت 13 أبريل / أبريل 2024

عبد الوهاب الملا.. قصة مأساوية لإعلامي سوري بقيت بلا مشهد نهاية

لا يزال لغز اختطاف عبد الوهاب الملا مفتوحًا فيما تبقى عائلته على أمل باللقاء يومًا ما بشاب ضحّى بكل شبابه في سبيل ثورة آمن بها
لا يزال لغز اختطاف عبد الوهاب الملا مفتوحًا فيما تبقى عائلته على أمل باللقاء يومًا ما بشاب ضحّى بكل شبابه في سبيل ثورة آمن بها
عبد الوهاب الملا.. قصة مأساوية لإعلامي سوري بقيت بلا مشهد نهاية
عبد الوهاب الملا.. قصة مأساوية لإعلامي سوري بقيت بلا مشهد نهاية
الأربعاء 24 مايو 2023

شارك

بشخصيته الاستثنائية، اشتهر الإعلامي السوري عبد الوهاب الملا في حلب بين الأهالي والناشطين والمقاتلين على حد سواء، بينما أخذت الأحداث في الأحياء المحرّرة من المدينة تتعقد، وتتزايد الانتهاكات ضدّ المدنيين من قبل عدد من الفصائل.

لكن عبد الوهاب قرّر مواجهة هذه الانتهاكات بخطاب لا يعرف المداهنة، وهو ما يرى كثيرون أنّه دفع ثمنه لاحقًا. ففي ليلة السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013، وبينما كانت مدينة حلب السورية تضمد جراح نهارها، وقف عدد من المسلحين والملثمين أمام باب أحد منازل حي مساكن هنانو استعدادًا لخطف صوت أزعجهم صداه.

وعلى غير المعتاد، لم يكن ذلك الاقتحام على يد جنود النظام أو مخابراته، بل بأوامر لاعب جديد لم يظهر على الساحة، إلّا قبل بضعة أشهر من هذه الحادثة.

عبد الوهاب الملا

فوضى السلاح والانفلات الأمني

في أجواء الخوف وسط فوضى السلاح والانفلات الأمني، كان من السهل على المنظمات الجهادية العابرة للحدود أن تجد موطئ قدم هناك، وكانت فرصة لم يكن تنظيم الدولة ليضيعها، فبدأ بالتمدد بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى.

وفي هذا السياق، يشير الصحافي والناشط الثوري عبد الله موسى إلى أنه في ذروة سيطرة الفصائل الثورية على المناطق السورية نهاية أبريل/ نيسان 2013، بدأت جماعات مسلحة متطرفة بالظهور، وكان تطرفها يزيد عن جبهة النصرة الأكثر تطرفًا في ذلك الوقت.

بات اختطاف عبد الوهاب لغزًا جديدًا وحلقة أخرى في سلسلة من الأحاجي التي أخذت في الظهور بمدينة حلب وريفها مع اختفاء أصحابها، فيما أخذت السلسلة تمتد شيئًا فشيئًا بعد الملّا

من جهته، يقول الخبير في الجماعات الإسلامية أحمد أبازيد إنّ زعيم تنظيم الدولة آنذاك أبو بكر البغدادي، أرسل المدعو أبو محمد الجولاني لتأسيس خلايا جهادية في سوريا تابعة للدولة الإسلامية، لكن الجولاني رفض أن يكون تابعًا له، فوقع الخلاف بين الطرفين.

ويتحدّث الإعلامي السوري عابد ملحم عن سلسلة عمليات خطف طالت عددًا من الصحافيين في تلك الفترة، حيث كان هناك ما يشبه الحملة التي شنّها تنظيم الدولة ضدّ الصحافيين، وحتى إن اضطر الأمر، اغتيالهم.

منذ البدء قرّر عبد الوهاب الملا مواجهة الانتهاكات في حلب بخطاب لا يعرف المداهنة
منذ البدء قرّر عبد الوهاب الملا مواجهة الانتهاكات في حلب بخطاب لا يعرف المداهنة

عبد الوهاب الملا.. حالة فريدة في الإعلام السوري

ويوضح موسى في هذا الإطار أنّ المقصود من سياسة الاختطاف كانوا المختطفين أنفسهم، ولكن أيضًا ترهيب وتهديد من لم يختطفوا بعد، ولذلك مثّل عبد الوهاب الملا حالة فريدة على مستوى الإعلاميين والنشطاء.

وبحسب الصحافي والناشط الثوري عبد الله الموسى، فقد ساعدت الظروف والصدف عبد الوهاب لإنتاج أهم منتج فكري في ذلك الوقت، حيث طرح برنامجه أفكارًا كانت معظمها جريئة.

ومن حلقاته، يتذكّر الناشط الصحافي بدر طالب تلك التي تناول فيها الخلافة، وقد كانت أكثر الحلقات التي أثارت الجدل، حيث يكشف عن تعرّضه لتهديد بعد نشر الحلقة من أحد المقرّبين منه، الذي حذّره من تجاوز الخطوط الحمراء.

لكن رغم ذلك، لم يهدأ عبد الوهاب إطلاقًا حتى تاريخ اختطافه، وفق الإعلامي عابد ملحم، الذي يصفه بأنّه كان "رجلًا لا ينام". ويشير إلى أنّه كان له دور مهم في فكرة اتحاد الإعلاميين في حلب، بل كان عرّاب هذه الفكرة التي كانت الأولى من نوعها في حلب.

تناول عبد الوهاب الملا موضوع الخلافة في أكثر حلقاته إثارة للجدل
تناول عبد الوهاب الملا موضوع الخلافة في أكثر حلقاته إثارة للجدل

ويتحدّث الناشط الصحافي بدر طالب عن تهديدات كثيرة تلقاها عبد الوهاب الملا في تلك الفترة، حتى إنّه كان يتوقّع اختطافه، وقد أبعد عائلته من المنزل، خوفًا من أمر كهذا.

وبالفعل حصلت عملية الاختطاف في ليلة السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، بعد أن دخل ملثمون مسلحون بيته وخطفوه وصادروا حاسوبه وسيارته والكاميرا الخاصة به.

ويشير طالب إلى أنّه بعد اختطاف عبد الوهاب، شعر أغلب الإعلاميين أنّهم مُستهدَفون، وقد هرب الكثير منهم، وخرجوا من حلب، ما يعني أنّه كان لاختطافه صدى كبير وأثر عند الجميع.

صورة تعبيرية لعملية اختطاف الإعلامي السوري عبد الوهاب الملا
صورة تعبيرية لعملية اختطاف الإعلامي السوري عبد الوهاب الملا

حلقة في سلسلة من الأحاجي

وبات اختطاف عبد الوهاب لغزًا جديدًا وحلقة أخرى في سلسلة من الأحاجي التي أخذت في الظهور بمدينة حلب وريفها مع اختفاء أصحابها، فيما أخذت السلسلة تمتد شيئًا فشيئًا بعد الملّا.

ويروي الصحافي والمختطف السابق لؤي أبو جود في حديث إلى "العربي" أنه في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وقعت مجزرة في منطقة القاطرجي، حيث أسقط أول برميل متفجر على مدينة حلب.

وحضر أبو جود إلى الموقع لكن سيارتين حاصرتاه واقتيد إلى سجن المنطقة الصناعي في الشيخ نجار بعد أن تعرفوا على هويته وأنه يعمل كمراسل تلفزيوني.

وبعد مرور 15 يومًا على اعتقاله، عيّن كموزع للطعام داخل السجن، فأُتيحت له فرصة التعرف على عدد من المساجين ومنهم صحافيون سوريون وأجانب.

من جهته، يكشف الصحافي والمختطف السابق ميلاد شهابي أنه اختطف في أواخر عام 2013 ومكث في سجن انفرادي مدة 11 يومًا.

قصة الملا هي واحدة من بين 211 ألف قصّة لمختفين قسرًا في سوريا لم يُكشَف مصير أغلبهم بعد
قصة الملا هي واحدة من بين 211 ألف قصّة لمختفين قسرًا في سوريا لم يُكشَف مصير أغلبهم بعد

"ما زلت على قيد الحياة"

حين يغدو المرء في عداد المخفيين قسرًا، تصبح معرفة المصير معركة كُبرى سلاحها الخبر، يسعى فيها الجلاد كي يبقي الحقيقة مكممة الأفواه خلف أبواب الزنازين المغلقة. أمّا الضحية المخفية في ظلام السجون الحالك فتصبح أكبر انتصاراتها أن تهمس للعالم : "أنا ما زلت على قيد الحياة".

ويوضح الصحافي والناشط عبد الله الموسى أن الجميع استنفر وحاول أن يعرف شيئًا عن عبد الوهاب من خلال العلاقات مع القوى والفصائل.

بقيت قصة عبد الوهاب الملا المأساوية بلا مشهد نهاية حتى اليوم، وبقيت عائلته على أمل باللقاء يومًا ما بشاب ضحّى بكل شبابه في سبيل ثورة آمن بها

وقد وصل البعض إلى مقر التنظيم الذي أقسم قائده أن التنظيم لم يختطف عبد الوهاب بل سيعمل على كشف مصيره، وفق ما ينقل الموسى. وتتبع أحد أصدقاء عبد الوهاب أثر سيارة قيل إن خاطفي عبد الوهاب استخدموها، لكنه لم ينجح في إيجاده.

ولم يكن الوضع أفضل حالاً بالنسبة لعائلة عبد الوهاب حيث أصرّت والدته على معرفة مصيره قبل المغادرة إلى تركيا، فتوجهت إلى مقر تنظيم الدولة، فقيل لها إن ولدها تم قتله "لأنه انتقد الدولة". لكن رجلًا التقته خارج المقر الذي خرجت منه منهارة طلب منها ألا تُصدق ما قيل لها، وقال: "هم يحتفظون بالإعلاميين من أجل إجراء عمليات تبادل فيما بعد".

أصرّت والدة الملا على معرفة مصير ابنها فتوجهت إلى مقر تنظيم الدولة
أصرّت والدة الملا على معرفة مصير ابنها فتوجهت إلى مقر تنظيم الدولة

هل تمّت تصفية عبد الوهاب الملا؟

يتلاعب الخاطفون بمشاعر أهالي المختطفين وهواجسهم خارج السجون. وفي الوقت نفسه يلهون بمصائر أبنائهم وأرواحهم داخل السجون من خلال التعذيب النفسي.

هكذا، كانت الأيام تمر بطيئة على عائلات المختطفين بين الخوف الرجاء، نتيجة فشل محاولاتهم لمعرفة مصير أبنائهم، إلى أن انفتحت نافذة أمل بالحصول على إجابات مع بدء المعارك الفاصلة بين فصائل الثورة وتنظيم الدولة بداية عام 2014، لينسحب التنظيم من حلب ويترك وراءه مقرات كان يحتجز فيها المختطفين وأشهرها ما كان يُعرف بمشفى العيون.

ويلفت الخبير في الجماعات الإسلامية أحمد أبازيد إلى أن جيش المجاهدين بدأ الحرب على التنظيم في مطلع عام 2014 في ريف ومدينة حلب، وتبعته فصائل ما يعرف بالجيش الحر في إدلب، فتم طرد التنظيم من هذه المناطق خلال أيام.

وفي تلك المرحلة، ظهرت مجزرة مشفى العيون حيث أُعدم العشرات من الإعلاميين والناشطين برصاصة واحدة في الرأس قبل انسحاب التنظيم من حلب، وفق ما يقول.

ويستذكر الصحافي والمختطف السابق ميلاد شهابي أن أصوات الرصاص كانت تُسمع قريبة جدًا من مشفى الأطفال حيث كان محتجزًا.

وفي الليلة نفسها أذيعت أسماء 56 شخصًا تمت تصفيتهم. وتم تناقل معلومات تفيد بأن عبد الوهاب تمت تصفيته أيضًا، بحسب ما يروي أصدقاؤه.

مثّل عبد الوهاب الملا حالة فريدة على مستوى الإعلاميين والنشطاء
مثّل عبد الوهاب الملا حالة فريدة على مستوى الإعلاميين والنشطاء

قصة مأساوية بلا مشهد نهاية

ويخلص الصحافي والناشط الثوري عبد الله الموسى إلى أنّ قضية عبد الوهاب الملا تؤكد أنّ النظام السوري وتنظيم الدولة وجهان لعملة واحدة.

ويقول إنّ عبد الملا كان عدوًا حقيقيًا للنظام والتنظيم، وفي النهاية أتمّ المهمّة التي كان يطمح إليها هو كالنظام، عبر إسكات عبد الوهاب، وإنهاء هذه الظاهرة الفريدة من نوعها، وربما الوحيدة في الثورة السورية.

لكن، رغم كلّ ذلك، بقيت قصة عبد الوهاب الملا المأساوية بلا مشهد نهاية حتى اليوم، وبقيت عائلته على أمل باللقاء يومًا ما بشاب ضحّى بكل شبابه في سبيل ثورة آمن بها، ليُختطَف هو وتُختطَف الثورة والبلاد بأكملها.

بيد أنّ الثابت يبقى أنّ قصة الملا هي واحدة من بين 211 ألف قصّة لمختفين قسرًا في سوريا لم يُكشَف مصير أغلبهم بعد، كان من بينهم 8684 أخفتهم "داعش" بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وأما أغلب البقية، فعلى يد النظام السوري.


قصّة الصحافي والناشط السوري الثائر عبد الوهاب الملا بكل خفاياها وألغازها التي لم تُفَكّ بعد، مع شهادات من عرفوه وواكبوه على مستوى الأصدقاء والعائلة، تجدونها في الحلقة المرفقة من برنامج "مختفون".

المصادر:
العربي

شارك

Close