الأربعاء 1 مايو / مايو 2024

علي كافي رئيس أسبق وأشهر رموز الثورة.. لم حُظرت مذكراته في الجزائر؟

علي كافي رئيس أسبق وأشهر رموز الثورة.. لم حُظرت مذكراته في الجزائر؟

Changed

مذكّرات الرئيس الجزائري الأسبق علي كافي (الصورة: فيسبوك)
أصدر الرئيس الجزائري الأسبق، الذي يعد من أشهر رموز الثورة الجزائرية مذكرات أشعلت فتيلًا مستمرًا من الجدل حولها، بسبب بعض الملفات الحساسة التي تطرق إليها.

يُعتبر الرئيس الجزائري علي كافي من أشهر رموز الثورة الجزائرية. فالرجل المولود في أكتوبر/ تشرين الأول 1928، انخرط في صفوفها شابًا، من خلال انضمامه إلى حزب الشعب الجزائري وتطور مواكبًا الحالة الثورية للبلاد، حتى أصبح أحد القادة العسكريين للثورة.

في نهاية تسعينيات القرن الماضي، أصدر مذكراته مشعلًا فتيلًا مستمرًا من الجدل حولها، بسبب بعض الملفات الحساسة التي تطرق لها، مما أدى إلى حظرها في الجزائر بذريعة إساءتها لبعض رموز حرب التحرير الجزائرية. 

ويلفت علي المرعبي، رئيس تحرير مجلة "كل العرب"، إلى أن مذكّرات علي كافي، كأي مذكّرات لأي لسياسي، سواء أكان منتسبًا لحزب أو تنظيم أم مسؤولًا في الدولة، لا بدّ أن تخلق إشكاليات، بسبب الخلافات داخل المنظمات والأحزاب والنظام القائم.

ويشير في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ المرحلة التي شهدت وصول علي كافي إلى المجلس الأعلى كانت قد أعقبت اغتيال الرئيس محمد بوضياف، حيث تمت تسميته لهذا المنصب لأنه أحد الأعضاء الستة في المجلس، وكان هو تحديدًا يمثل الثورة الجزائرية.

أصدر كافي مذكراته في نهاية تسعينيات القرن الماضي
أصدر كافي مذكراته في نهاية تسعينيات القرن الماضي - تويتر

في مذكّراته، يتحدث علي كافي عند انطلاقة الثورة، فلفت إلى أن العمليات المقررة بدأت في أول نوفمبر. وأشار إلى تخريب المزارع التابعة للمعمرين، وقطع بعض الطرقات، وأعمدة الهاتف، وإعدام عناصر من الإدارة الفرنسية شرطة وحراس غابات شامبيط وجندرمة وغلاة معمرين.

وتوقف عند الالتحاق بالثورة بطريقة عفوية، شارحًا أن "المتطوعين لم يتركوا فرصة للقيادة، حيث بدأ الانضمام والالتحاق بجميع الطرق الممكنة".

وكتب يستعيد مشاركته بالقول: "أصبحت مجاهدًا.. لبست البدلة العسكرية.. حملت سلاحًا من نوع إنكليزي ذي عشر طلقات. كان ذلك في شتاء 1955، وكانت الأيام الأولى لالتحاقي بالثورة صعبة لأنها لم تشعرني بوجود تنظيم".

وذكر أن رفاقه الجدد يجهلون الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، متداركًا "لكن اطمئناني إليهم وإحسياسهم الصادقة نحو بعضهم البعض وطاعتهم العمياء لرئيس الفرقة جعلتني أرتاح إلى رفقتهم".

مفاجأة "الكفاح المسلح"

وكانت ثورة التحرير قد حملت منذ لحظاتها الأولى أحلام الجزائريين كافة. وبدورهم، حمل الجزائريون جميعهم ثورتهم على الأكتاف.

وجاءت الانطلاقة الأولى للثورة في الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 بمثابة مفاجأة للاحتلال من جهة، ولصف عريض من الأحزاب وبعض القيادات في الخارج من جهة أخرى.

وجعلت عفوية الثورة وانتهاجها الكفاح المسلح والعنف الثوري كثيرًا من الأحزاب تشكك بنجاعتها، وبأنها قد تحمل نتائج كارثية على الشعب الجزائري.

وكان هذا التوجس عند قطاع واسع من أنصار الحلول السياسية، ومن أنصار نظريات الاستقلال على المراحل.

ووضعت المذكّرات تبيانًا لموقف تلك الجهات من وجهة نظر كاتبها علي كافي: "تماشيًا مع الحقيقة التاريخية، فقد كان المهجر وبشكل خاص في فرنسا، النواة الأولى للحركة الوطنية والمؤكد لديهم رغم كل الاعتبارات أن الثورة انطلقت دون علمهم ومشاركتهم. ومن هنا أصدروا نشرية العمل الجزائري للتنديد بالقمع والمطالبة الملحة بالمفاوضات مع الممثلين الأكفأ للشعب الجزائري، ثم التحقوا بجبهة التحرير الوطني".

وأضاف أن المركزيين "تميزوا كعادتهم بالمناورة، فهم من ناحية ينظرون إلى الانطلاقة بأنها جاءت في وقتها غير المناسب، لا لشيء إلا لأنهم لم يكونوا رافدها ومحركها العملي. ومن ناحية أخرى كانوا يحاولون إقناع أصحاب الانطلاقة ويدفعونهم إلى الانتظار وإيجاد الظروف الدولية المناسبة للتعريف بالقضية الجزائرية".

وفي هذا الصدد، يتحدث الباحث والمؤرخ الجزائري أحمد يحياوي عن صراعات بين المركزيين الإصلاحيين ومصالي الحاج، الذي كان يريد القيام بالإجراءات العملية.

ويردف في حديث إلى "العربي": فيما بعد ظهرت اللجنة الثورية لوحدة العمل، التي تدار من قبل 9 أعضاء، من أبرزهم بن بلة وبوضياف وكريم بلقاسم وديدوش مراد.

ويشرح أن هذه اللجنة عملت بشكل منفصل عن الحزبين الآخرين، وقام بوضياف وبن بلة بالسفر إلى القاهرة، واتخذ بوضياف القرار بإعلان الثورة في الأول من نوفمبر عام 1954.

تحطيم أسطورة الجيش الفرنسي

استمر كافي بشرح مواقف تيارات أخرى كالبيان والمصاليين وجمعية علماء المسلمين، ليتضح أن الكل لم يجد لاحقًا مناصًا من الالتحاق بالثورة بعد يوم حاسم عرفته الثورة الجزائرية.

ونُقش يوم 20 أغسطس/ آب 1955 في ذاكرة النضال الجزائري على أنه اليوم الفصل، الذي حطم فيه المجاهدون أسطورة الجيش الفرنسي، ووضع الثورة الجزائرية في مسار اللا عودة واللا هزيمة.

وأيقنت حينها صفوف من المترددين بفكرة الانطلاقة المسلحة بأن هذه الثورة هي ثورة التحرير.

إلى ذلك، توقف كافي كثيرًا في مذكّراته لسرد أحداث العشرين من أغسطس وإرهاصاته وتجهيزاته ونتائجه.

ومما كتبه: "ساعة الصفر حُددت في منتصف نهار السبت 20 أوت 1955، الأهداف المحددة للهجوم جميع المواقع العسكرية من ثكنات ومراكز بوليس والجندرمة والمؤسسات الاقتصادية ومعاقل الأوروبيين".

وأضاف: "يتم الهجوم في وضح النهار حتى تشاهد الجماهير جنودها وتلتحم بها لرفع المعنويات وتحطيم العدو. وبالفعل وجدت الجماهير الشعبية فرصتها للتعبير عن مطامحها، وهي تواكب وتختلط بأبنائها من جنود جيش التحرير الوطني لمحو عار الاحتلال والثأر للاهانة والاحتقار والاستغلال..".

ولفت إلى أن الزغاريد كانت تشق العنان، والعلم الجزائري خفاقًا تحميه الصدور، مشيرًا إلى اهتزاز إدارة العدو وانقلاب الميزان وسواد الفوضى بين المعمرين وجنود الاحتلال.

وبينما قال إن قوات العدو تكالبت أكثر من الماضي على الشعب، تحدث عن ارتكابها مجزرة في سكيكدة "لا مثيل لها إلا مجزرة 5 مايو 1945".

مؤتمر الصومام 

وفي مذكّراته، توقف الرئيس الجزائري الأسبق عند مؤتمر الصومام، الذي يُعد أحد أهم الأحداث التأسيسية في بداية الثورة لكل ما هو آت.

انعقد المؤتمر في 20 أغسطس 1956 تمجيدًا ليوم 20 أغسطس المجيد. وكان هدفه الرئيس تقييم الثورة بعد عامين من اندلاعها والتخطيط لمستقبلها وضمان عدم اندثارها، لا سيّما وأن ما كان يعرف بمجموعة الست التي قادت الثورة عند بدايتها قد تفككت، وكان لا بد من عقد مؤتمر يعيد رص الصف الثوري ويفرز قيادة جديدة.

وعلى الرغم من أن التأريخ الجزائري يعتبر هذا المؤتمر من أجلّ وأكثر أحداث الثورة مجدًا، إلا أن كثيرًا من المؤرخين يرون أنه كان أيضًا المؤسس لخلافات قيادات الثورة التي اندلعت بعده.

وأشار علي كافي إلى هذا الأمر بشكل واضح في مذكّراته، بالقول: "مما لا شك فيه أن مؤتمر الصومام حدث تاريخي عظيم، فقد كانت الوضعية عبر التراب الوطني تتسم بعدم التنسيق، يضاف إلى ذلك الصراعات على زعامة الثورة بين جماعة الداخل والخارج. كل هذا استدعى ضرورة اللقاء".

وأضاف: "مع هذا وتصحيحًا للتاريخ وإقرارًا للحق، فقد تكرست الاختلافات بين الداخل والخارج وازداد التسابق على السلطة وتكرست الأطماع وعادت الانقسامات ومخلفات ما قبل الثورة، وظهرت مراكز قوى أدت إلى تناقضات واصطدامات في صفوفها كادت أن تمزق جبهة الثورة لولا يقظة وإيمان وتضحيات أبطال جيش التحرير الوطني في كامل الولايات".

ويشير يحياوي في هذا الشأن إلى أن "الصراع بدأ بالتدريج وأصبح كبيرًا"، موضحًا أن "فرنسا الاستعمارية كانت تقوم بتغذية هذه المشاكل والصراعات داخل الثورة الجزائرية".

شكوك حول تصفيات

وفيما تمضي مذكّرات كافي في تسجيل روايته لتفاصيل العمل الثوري وكواليسه، كثيرًا ما تتطرق لقضايا حساسة تجنبت السردية الثورة الجزائرية الوقوف عليها.

ويظل الموضوع الأكثر حساسية فيها هو إثارة علي كافي لشكوك حول تصفيات حصلت داخل الثورة لأشهر قياداتها؛ مثل الشهيدين زيغود يوسف وعبان رمضان.

ويُعتبر موضوع الشهيد عبان رمضان تحديدًا الأهم، الذي ساهم في إصدار قرار منع المذكرات بتهمة الإساءة لبعض الشخصيات الأيقونية للثورة الجزائرية.

الشهيد عبان رمضان
الشهيد عبان رمضان - تويتر

فالمذكرات أشارت إلى احتمالية وجود تواصل بين عبان رمضان وضبّاط في الجيش الفرنسي. وركز علي كافي على توصيف المسألة بتواصل وليس خيانة، ولا سيما وأن عبان رمضان كان يرجح ضرورة تقديم السياسي على الثوري، بحسب تعبير كافي.

لكن ما جعل هذا التواصل محظورًا بالنسبة لقيادات في الثورة، لأنه تم دون الرجوع إليهم وكان باجتهاد شخصي منه. 

كافي حاول في مذكّراته حفظ مكانة الرجل وتسليط الضوء على أهمية أدواره التاريخية في مسار ثورة التحرير، إلا أن التشكيك بقضية اغتياله وأنها قد تكون جاءت من داخل الصف الثوري وليس من الجانب الفرنسي على جبهة القتال كان كفيلًا بانتفاض الرأي العام والرسمي ضد المذكرات.

بعض مما كتبه كافي عن عبان رمضان في الحلقة المرفقة من المذكرات، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى عنها.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close