أرجأت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا موعد الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقدمت مقترحًا للبرلمان بإجراء الانتخابات في 24 يناير/ كانون الثاني الجاري.
فيما لم تفضِ جلسة مجلس النواب في 3 يناير التي جمعت النواب ومفوضية الانتخابات عن أي نتيجة يمكن أن تحدد مصير الانتخابات بشكل واضح.
إذ إن مجمل ما طلبه النواب من المفوضية هو تحديد موعد جديد في أقرب الآجال، بينما تكتفي المفوضية بعرض العراقيل والمعوقات.
وكان رئيس المفوضية عماد السائح قد كشف عن غياب توافق في الآراء بشأن الأساس القانوني للاقتراع.
من جهتها، دفعت القوى الدولية ولا تزال باتجاه إجراء الانتخابات التي أكدت عليها مؤتمرات عقدت لإيجاد حل للأزمة الليبية وبدأت مع اتفاق الصخيرات في المغرب برعاية أممية عام 2015، وتشكلت بموجبه حكومة الوفاق التي رفضها مجلس النواب.
وفي يوليو/ تموز 2017، أكد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر مع رئيس الحكومة السابق في حكومة الوفاق الوطني فايز السراج في باريس على إنهاء الاشتباكات وتنظيم الانتخابات.
وفي مايو/ أيار 2018، تم الاتفاق في العاصمة الفرنسية على تنظيم انتخابات عامة.
وجاء بعد ذلك، مؤتمر برلين الأول في يناير 2020، من أجل حلحلة الأزمة، وبعدها انطلقت أعمال اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في جنيف لتوحيد المؤسسة العسكرية، ما أدى إلى هدنة في منتصف 2020، وصولًا لوقف إطلاق النار في أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه.
وكانت آخر المحطات الدبلوماسية في نوفمبر/ تشرين الأول في باريس التي نظمت مؤتمرًا دوليًا حول ليبيا بهدف دعم إجراء الانتخابات، كما هدد المشاركون بفرض عقوبات على الأفراد الذي يحاولون القيام بأي عمل من شأنه أن يعرقل أو يقوض الانتخابات المقررة.
"حل سحري"
وتم تسويق الانتخابات الليبية المؤجلة باعتبارها حلًا "سحريًا" للأزمة الليبية ومحطة النهاية للرعاية الأممية، إثر معاهدة أنهت قتالًا داميًا استمر لأكثر من 14 شهرًا بين قوى معسكري شرقي وغربي وليبيا.
وكان السائح قد صرّح بأن عراقيل قاهرة حالت دون إجراء الانتخابات، وكان من أبرزها، تأخر مجلس النواب في تسليم القوانين الانتخابية، بالإضافة إلى اختلافهما عما تم الاتفاق عليه مع مجلس النواب وعدم تجاوب الأخير مع مطالب المفوضية بشأن ضرورة إدخال تعديلات على القوانين الانتخابية حتى تتمكن المفوضية من إنجاز الاستحقاق.
وليس هذا فحسب فالمفوضية أعلنت عدم قدرتها على التقاضي عبر المحاكم لتبرير استبعادها بعض المرشحين، عدا عن كشفها تزويرًا في التسويات المقدمة من المرشحين وتعرضها لتهديدات من أطراف سياسية ترفض ترشح بعض الشخصيات، ما اضطرها لحجب القائمة النهائية للمترشحين، للرئاسة وإعلانها حالة القوة القاهرة ومطالبتها مجلس النواب بإزالة هذه القوة والتنسيق لتحديد موعد جديد.
الموقف الدولي والغربي
وبشكل خاص يدفع الموقف الدولي والغربي باتجاه إجراء الانتخابات على أي حساب، فالمستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني ويليامز أجرت لقاءات بأطراف ليبية لمناقشة الحلول بشأن الانتخابات والأوضاع السياسية في البلاد وأكدت على أهمية تضافر الجهود من أجل الدفع بالعملية الانتخابية.
من جهته عبّر سفير الولايات المتحدة ومبعوثها الخاص إلى ليبيا عن دعم الحكومة الأميركية لجهود استعادة الزخم للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.
كما أكد سفير الاتحاد الأوروبي استعداده للعمل مع الجانب الليبي وفق الاستراتيجية المشتركة.
ورغم الاتفاق الدولي الحالي، على أهمية الانتخابات، إلا أن القوى الغربية لم تبد هذا التوافق في تعاملها مع الملف الليبي منذ البداية.
"غياب الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات"
وفي هذا الإطار، أكد نائب رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عمر أبو شاح، دعم إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، ولكنه أشار إلى أن الظروف القانونية والسياسية والأمنية لم يتهيأ منها شيء حتى الآن.
وقال في حديث إلى "العربي" من العاصمة الليبية طرابلس: "إننا لا نعرف على ماذا تعول ستيفاني ويليامز في حديثها عن إجراء الانتخابات المؤجلة في 2 يونيو/ حزيران المقبل"، مؤكدًا أن ليس لديها أي رؤية، لكنها تحاول أن تتدارك الأخطاء السابقة لتأتي برؤية جديدة تستطيع من خلالها أن تضع قاعدة دستورية ومن ثم قوانين انتخابية توافقية تصدر بطريقة صحيحة، وبناء عليها تتم العملية الانتخابية.
ورأى أبو شاح أن ما أقدم عليه مجلس النواب من تشكيل لجنة لوضع خارطة طريق جديدة تتحدث عن مسار دستوري جديد يخالف تمامًا رؤية ويليامز التي تتحدث عن انتخابات في يونيو القادم.
وأضاف أن هناك دوافع تتبناها بعض الدول التي تصر على إجراء الانتخابات قبل حل المشكلات العالقة، لمصالحها الخاصة وليس لمصلحة الشعب الليبي، على الرغم من معرفتهم أن إجراء هذا الاستحقاق في ظل الانقسام السياسي هو مشكلة كبيرة.
وأكد أن استلام البطاقة الانتخابية لا يعبر بالضرورة عن الرغبة في العملية الانتخابية بشكل أساسي، مشيرًا إلى أن هناك رفضًا واضحًا من الشارع، وتجلى ذلك عندما ظهرت بعض الأسماء الجدلية داخل قوائم المرشحين.
وشدد أبو شاح على أن عملية الانتخابات في بلد منقسم وخارج من حرب يعد مشكلة كبيرة ستعمق الانقسام.
وأشار إلى أن الرؤية التي تم طرحها من قبلهم هي المضي قدمًا في مسألة مشروع الدستور والاستفتاء عليه، أو الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية.
وحمّل أبو شاج بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مسؤولية الفشل في التوصل إلى قاعدة دستورية في البلاد، لأنها كانت مكلفة بالإشراف على تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي الذي وقعه جميع الأطراف والذي ينص على آليات إصدار القوانين الانتخابية والقاعدة الدستورية، لافتًا إلى أنه تمت مخالفته فيما لم تحرك البعثة ساكنًا ولم يكن لديها أي موقف.
وشدد على وجوب أن يكون ملف الانتخابات بيد الليبيين، قبل أي أطراف دولية، مشيرًا إلى أن تدويل هذا الملف سيزيد من تعقيده أكثر.