السبت 4 مايو / مايو 2024

قدر محتّم وتاريخ شاهد.. "الفراغ" يخلف ميشال عون في رئاسة لبنان

قدر محتّم وتاريخ شاهد.. "الفراغ" يخلف ميشال عون في رئاسة لبنان

Changed

حلقة أرشيفية من برنامج "كنت هناك" تتناول اغتيال الرئيس اللبناني السابق رينيه معوض (الصورة: غيتي)
إذا كان الفراغ الرئاسي يُعَدّ "استثناء" في عرف الدول بصورة عامة، فإنّه بات أقرب إلى "القاعدة" في لبنان، الذي يزخر تاريخه الحديث بـ"عهود" من الشغور.

منتصف هذه الليلة بتوقيت بيروت، تنتهي رسميًا ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي اختار بخلاف غيره من الرؤساء، أن يسبق "آخر دقيقة"، فغادر القصر الرئاسي قبل أكثر من 24 ساعة من الموعد المنتظر، بمواكبة شعبية لافتة.

لكن، منتصف هذه الليلة أيضًا، يصبح لبنان بلا رئيس للجمهورية، بعدما عجز نوابه عن انتخاب رئيس جديد ضمن المهل الدستورية، تمامًا كما عجز المسؤولون عن الاتفاق على حكومة جديدة تخلف تلك المستقيلة منذ انتخابات مايو/ أيار.

ثمّة من يعزو هذا الوضع إلى غياب التوافق الذي لا غنى عنه في بلد منقسم على كل شيء تقريبًا كلبنان، لكن ثمّة من يردّه إلى "بِدَع" تحوّل معها "تطيير نصاب" جلسات انتخاب الرئيس إلى "حقّ مشروع للنواب"، كما يقول بعضهم جهارًا.

لكن ما لا يعرفه كثيرون أنّ الفراغ الذي يتربّع على كرسي الرئاسة في لبنان منتصف هذه الليلة ليس الأول من نوعه، فقبل وصول عون إلى قصر بعبدا، وقع "الشغور" لأكثر من عامين، بانتظار "التوافق" على انتخابه.

وقبل عون، حلّ "الشغور" مرارًا ضيفًا "ثقيلًا" على الرئاسة في لبنان، ليتحوّل ما يفترض أن يكون "استثناء" في عرف الدول، إلى "القاعدة" في لبنان، حتى إنّه بات يُعتبَر المرشح "الأوفر حظًا" لخلافة كلّ الرؤساء.

إلا أنّ الظروف التي يشهدها لبنان كان ينبغي وفق كثيرين أن "تحفّز" المسؤولين لمقاربة أخرى، فالبلد قد لا يحتمل فراغًا، في ظلّ أزمات غير مسبوقة أدّت إلى انهيار الليرة التي خسرت قرابة 95% من قيمتها أمام الدولار.

عهود "الشغور" في لبنان

تناوب على موقع الرئاسة الأولى في لبنان 13 رئيسًا منذ الاستقلال. وكانت القاعدة أن يتم اختيار الخلف ضمن المهل الدستورية، فيستمر الحكم.

بيد أنّ هذه القاعدة لم تعد قائمة في السنوات الماضية، إذ دخل لبنان فراغًا في رئاسة الجمهورية خلال الحرب الأهلية، وتحديدًا في نهاية عهد أمين الجميل في سبتمبر/ أيلول عام 1988.

حينها سلم الجميّل مقاليد الحكم إلى قائد الجيش آنذاك ميشال عون، فشهدت البلاد حكومتان إحداهما عسكرية والثانية مدنية.

عقب توقيع اتفاق الطائف في سبتمبر من عام 1989، انتُخب رينيه معوّض رئيسًا جديدًا للجمهورية، لكنه اغتيل في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني بمرور 17 يومًا فقط على انتخابه، فاختار البرلمان بعد يومين من رحيله الياس الهراوي، الذي شغل مهام الرئيس لست سنوات، ثم مُددت ولايته 3 سنوات إضافية بموجب تعديل دستوري.

الفراغ يخلف الرؤساء في لبنان

وخلف الهراوي في كرسي الرئاسة قائد الجيش حينها إميل لحود، الذي أضحى معه "الفراغ" عنصرًا ثابتًا في كلّ "العهود". فقد غادر لحود بعبدا بنهاية ولايته التي مُدّدت أيضًا عام 2007، من دون أن ينتخب النواب رئيسًا جديدًا.

جاء ذلك يومها وسط حالة الانقسام التي شهدها لبنان عقب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005، وبعد حملات طالبت لحود بالتنحّي تحت عنوان "فل"، من دون أن يتجاوب معها.

استمر الفراغ قرابة الستة أشهر، وانتهى الشغور في الرئاسة الأولى بانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان، عقب اتفاق الدوحة بين القوى اللبنانية، التي اجتمعت في العاصمة القطرية في مايو/ أيار 2008، بعدما كانت الأزمة السياسية في البلاد قد تفجرت أحداثًا أمنية في عدد من المناطق.

وبنهاية عهد سليمان، ووسط الانقسام السياسي المستمر، لم يتم انتخاب ميشال عون إلا بمضي سنتين ونصف من الفراغ، في إطار "صفقة سياسية" مع خصومه، بعدما تولى فريق عون، مدعومًا بحليفه "حزب الله"، بتطيير نصاب جلسات انتخاب الرئيس إلى أن أبرمت التسوية.

يبقى أنّ الفراغ في لبنان قد لا يكون حكرًا على موقع الرئاسة، فنصف عهد الرئيس ميشال عون مثلًا "ضاع" بغياب حكومات أصيلة، فيما كان رؤساء الوزراء الذين يتمّ تكليفهم يضربون الأرقام القياسية قبل إنجاز مهمّتهم وتشكيل حكومة، أو في بعض الحالات "الاعتذار" عن عدم إكمال مهمّتهم.

كلّها عوامل إن دلّت على شيء، فعلى وجود خلل جوهري في الواقع اللبناني، ففي بلد يعاني من أزمات غير مسبوقة، صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في التاريخ الحديث، لا يزال "الفراغ" يعلو ولا يُعلى عليه، تاركًا البلاد على كفّ عفريت، لا أحد يدري إن كانت ستستطيع النجاة منه في نهاية المطاف.

المصادر:
العربي - وكالات

شارك القصة

تابع القراءة
Close