السبت 18 مايو / مايو 2024

قضية لوكربي.. قصة تفجير الرحلة 103 التي شغلت العالم لعقود

قضية لوكربي.. قصة تفجير الرحلة 103 التي شغلت العالم لعقود

Changed

"العربي" يفتح قضية لوكربي وخلفيات الملف الذي انتهى باتهام ليبيا (الصورة: الغارديان)
يستحضر "العربي" تفاصيل حادثة تفجير طائرة مدنية فوق إسكتلندا سنة 1988 والمعروفة بقضية لوكربي، ويكشف تفاصيل المحاكمات التي انتهت بإدانة ليبيين.

يوم 21 ديسمبر/ كانون الأول 1988 قرابة الساعة السابعة مساء، انفجرت طائرة "بان أم" الأميركية فوق مدينة لوكربي الإسكتلندية خلال الرحلة رقم 103 من لندن إلى نيويورك، ما أدى إلى مقتل 259 راكبًا كانوا على متنها، إلى جانب 11 شخصًا على الأرض في موقع سقوطها.

فحملت القضية اسم مدينة لوكربي التي سقط فيها الجزء الأكبر من حطام الطائرة، واتهم محققون أميركيون وبريطانيون الليبيين بضلوع عبد الباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة في العملية.

وحُكم على الليبي عبد الباسط المقرحي بالسجن 27 عامًا على الأقل عام 2001، عقب إدانته بتنفيذ العملية التي توصف بأنها الأعنف في تاريخ بريطانيا.

وفي هذا الإطار، يستذكر إيرلاند ركسو الصحفي السابق في جريدة "الغارديان" ذلك اليوم المشؤوم، مستعيدًا كيف كان يجلس في إحدى حانات لوكربي برفقة عدد من الصحفيين "يدرسون إذا ما كان من المناسب إخبار العامة أن بعض المسافرين تبخروا بسبب التفجير".

ويردف: "عندما تم الإعلان عن أن الطائرة سقطت بسبب قنبلة انفجرت فيها وكانت في حقيبة ملابس.. بحثت عن هاتف عمومي لأستخدمه ولكنني لم أجد ضالتي فطرقت باب بيت أحدهم أستأذن منه استخدام هاتفه لأتمكن من إرسال التقرير إلى الغارديان".

"توريط" ليبيا

ويُعتبر تفجير طائرة لوكربي أكبر فاجعة تحدث على أرض بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية نظرًا إلى أنه لم يحصل هجوم بتلك البشاعة منذ ذلك الحين لناحية الدمار الهائل.

وعلى مدى ثلاثين عامًا تشكل تاريخ جديد لمدينة لوكربي تخللته اتهامات ومحاكمات وإدانات بحثًا عن العدالة.

ويقول جون أشتون الكاتب الصحفي ومؤلف كتابين حول قضية لوكربي: إن الدليل الأصلي الذي تم التوصل إليه في البداية، كان يشير إلى أن تفجير طائرة لوكربي كان من صنع إيران ومجموعة من الوكلاء التابعين لها.

وصفت عملية تفجير الطائرة بأنها الأعنف في تاريخ بريطانيا
وصفت عملية تفجير الطائرة بأنها الأعنف في تاريخ بريطانيا - تويتر

فالدليل كان أن القنبلة التي انفجرت وضعت داخل راديو من نوع توشيبا، وجبهة التحرير الوطني الفلسطيني التي كانت مقرها روسيا وتموّلها إيران، كانت تصنع قنابل معدة لتفجير الطائرات وتضعها في راديو من نوع توشبيا، وفق أشتون.

كذلك، لفت أشتون إلى أنه قبل 6 أشهر من تفجير لوكربي، فجرت القوات البحرية الأميركية طائرة إيرانية مدنية سقطت في الخليج، وكان على متنها 290 مسافرًا وأرادت إيران أن تنتقم.

سقوط الدلائل واحدًا تلو الآخر

لكن بعد مدة تم استبعاد إيران بشكل مؤقت، وتحوّل التحقيق باتجاه ليبيا بعد العثور على أدلة تورطها. وعام 1991 اتهمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا الضابطين الليبيين عبد الباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة بالتورط في تفجير الطائرة، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 748 الذي يطالب فيه ليبيا بتسليم المشتبه بهما.

لكن ليبيا رفضت ذلك، فكانت النتيجة توقيف أميركا جميع روابط النقل الجوي مع طرابلس وحظرت بيع الأسلحة والطائرات لها، كما وقّع الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون تشريعًا يفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الشركات التي تقوم باستثمارات مستقبلية في مشاريع بترولية إيرانية وليبية، عام 1996.

فقد كان الضابطان تابعان للمخابرات الليبية ويعملان في مكاتب الخطوط الجوية الليبية ويرتبطان بالمؤسسات الليبية في مالطا.

قتل 11 شخصًا على الأرض في موقع سقوط الطائرة
قتل 11 شخصًا على الأرض في موقع سقوط الطائرة - سي إن إن

 وبحسب الأدلة التي اطلع عليها الصحافي عبد الله الكبير الذي تابع القضية، كان هناك متجر في مالطا يبيع الملابس وهذه الملابس وجدت في الحقيبة التي انفجرت، كما تبين أن المتفجرات المستخدمة باعتها شركة سويسرية إلى عملاء ليبيين.

وكان شاهد عيان وهو صاحب متجر الملابس قد تعرّف جزئيًا على الرجل الذي اشتراها منه، وكان عبد الباسط المقرحي، إلى جانب دليل جنائي عثر عليه المحققون وهو قطعة من لوح دارة كهربائية يفترض أنها جزء من مؤقت للقنبلة وهذا النوع تحديدًا كان قد تم إرساله إلى ليبيا مسبقًا.

ويشير أشتون إلى أن أدلة إدانة الضابطين الليبيين راحت تسقط واحدًا تلو الآخر عند دراستها فتبين أن شاهد العيان لم يكن على صواب، وبعد إدانة المقرحي توصل التحقيق إلى أن لوح الدارة لمؤقت القنبلة كان من مصنع آخر مختلف عن المصنع الذي باع لدولة ليبيا المؤقتات.

ليبيا.. الهدف الأسهل

وبعد سنوات من الجدل المحتدم وافق محامي المتهمين الليبيين على مثولهما أمام المحكمة، على شرط أن تقام على أرضٍ محايدة وتحديدًا في هولاندا وبموجب القانون الإسكتلندي.

فجرت المحاكمة الأولى عام 1999 حيث وجهت إلى الضابطين تهم التفجير، وقتل 270 شخصًا.

عبد الباسط المقرحي
عبد الباسط المقرحي - سي إن إن

وكانت مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية في ذلك الوقت وكانت علاقتها قوية مع حكومة رونالد ريغين وخلفه جورج بوش وكانت تدرك أن الأوضاع التي تلف القضية حساسة بحسب الكاتب الصحفي جون أشتون.

في هذا السياق، يضيف أشتون: "كانت رئيسة الوزراء تعلم أن ملاحقة المشتبه بهم الأصليين ستسبب الكثير من المشاكل للحكومة الأميركية وأنا متأكد أنها لم تشأ خوض ذلك".

فراح المتضررون من انفجار لوكربي يتساءلون على مدى أعوام من يمكن أن يقع اللوم له بعيدًا عن إيران، وعن مدى تورط سوريا وحول نظرة أميركا لليبيا نظرًا للسوابق الإرهابية لكن المعلوم كان أن للانفجار خلفية سياسية أقرب إلى "فعل ورد فعل".

في الأثناء كان الأميركيون مهووسون بالحديث عن "قضية الرهائن" فقد احتجزت إيران أتباعها رهائن في لبنان ولم تكن أميركا تريد تعريض حياة أولئك للخطر، لذلك "عرفوا أنهم لو أرادوا مهاجمة إيران أو سوريا فسيعرضهم ذلك للخطر بينما كانت ليبيا هدفًا أسهل".

المدان الوحيد

وفي خضم المحاكمة، تمت إدانة المقرحي وتبرئة الفحيمة وعندما عاد الأخير إلى ليبيا كان القذافي في استقباله. 

وعام 2009 أطلقت السلطات الإسكتلندية صراح المقرحي بعد تطور معاناته مع مرض السرطان وتقدمه باستئنافات معتمدًا على وجود ثغرات وأدلة تعفيه من المسؤولية. وهي خطوة أدانتها بريطانيا وأميركا.

ويقول أشتون إن هذه القضية تركت بصمتها على النظام الإسكتلندي والغربي ككل، لا سيما بعدما تبين أن الشخص الخاطئ تمت إدانته وسط مكيدة سياسة يشدد المطلعون على الملف على أن السلطات والمدعي العام كانوا يمتلكون أدلة تبرئ المقرحي.

ويختم أشتون: "اختاروا أن يستمعوا لجزء من الأدلة بدل أن ينظروا إلى الدليل كله".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close