الجمعة 11 أكتوبر / October 2024

أزمة المياه في الشرق الأوسط.. تحذير من "اضطرابات داخلية" و"صراعات إقليمية"

أزمة المياه في الشرق الأوسط.. تحذير من "اضطرابات داخلية" و"صراعات إقليمية"

شارك القصة

الجفاف يضرب نهر زياندة رود في أصفهان الإيرانية (غيتي)
الجفاف يضرب نهر زياندة رود في أصفهان الإيرانية (غيتي)
أشار المحللون والدبلوماسيون إلى أن الخلافات المائية بين الدول المجاورة والاحتجاجات على نقص المياه تُعتبر "نذيرًا" لمزيد من المشاكل السياسية والاجتماعية.

تشهد مناطق في الشرق الأوسط، منذ فترة، احتجاجات على خلفية شحّ المياه، ما يُهدّد، بحسب خبراء، بحدوث "اضطرابات وتمرد" في مناطق أخرى في المستقبل، واندلاع صراعات إقليمية بين الدول المجاورة.

وذكر تقرير لموقع "صوت أميركا" أنه عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا، تحدث بعض مراقبي الشرق الأوسط وعلماء المناخ بأن الجفاف كان أحد الدوافع الرئيسية للصراع.

فقبل سنوات من اندلاع الحرب، تسبّب الجفاف بانهيار القطاع الزراعي في أجزاء من شرق وشمال سوريا؛ فارتفعت نسبة النزوح من الريف إلى المدن، الأمر الذي زاد من حدة المنافسة على الموارد والوظائف الشحيحة أصلًا.

ويخشى المحللون والدبلوماسيون من أن يتحوّل نقص المياه إلى حافز للاضطرابات والتمرّد في دول المنطقة، مشيرين إلى أن الخلافات المائية بين الدول المجاورة والاحتجاجات على نقص المياه التي اندلعت، هذا العام، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تُعتبر "نذيرًا" لمزيد من المشاكل السياسية والاجتماعية التي طال أمدها في المستقبل.

وتُعاني الجزائر وإيران والعراق والسودان واليمن من شحّ المياه والجفاف الذي يتفاقم مع سوء الإدارة الحكومية والفساد.

قتلى في إيران

وقُتل نحو 8 أشخاص في إيران على الأقل خلال الاحتجاجات العنيفة على نقص المياه في مقاطعتي خوزستان ولورستان، بينما تضرب البلاد أسوأ موجة جفاف منذ نصف قرن.

وبينما لفتت السلطات الإيرانية إلى أن القتلى سقطوا "برصاص مجهولين"، يعتبر المعارضون أن طهران تتعامل مع الاحتجاجات المائية كما تعاملت مع التحريض المؤيد للديمقراطية، مع التركيز على احتواء المظاهرات جغرافيًا عن طريق تعطيل وصول المعلومات وإغلاق الإنترنت وحجب وسائل التواصل الاجتماعي.

وتحدّثت سكان محليين لموقع "صوت أميركا" عن أن المتظاهرين قُتلوا برصاص الشرطة وعناصر الأمن؛ كما ذكرت منظمة العفو الدولية أن قوات الأمن أطلقت الذخيرة الحية في محاولة لقمع الاحتجاجات.

الفترة الأكثر جفافًا منذ 53 عامًا

وقال رئيس هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية: إن الفترة الممتدة من أكتوبر/ تشرين الأول 2020 إلى منتصف يونيو/ حزيران 2021، كانت الأكثر جفافًا على الإطلاق في السنوات الـ53 الماضية. كما أقرّ وزير الطاقة الإيراني بأن البلاد تواجه أزمة مياه.

ويشكّ كاوه مدني، نائب وزير البيئة الإيراني السابق، بوجود ما يكفي من المياه لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر أخرى في خوزستان، محذّرًا من أن خزّان سد الكرخة ينفد بشكل مُثير للقلق. وتبلغ سعة الخزّان حوالي 6 مليارات متر مكعب من المياه، وقد تنخفض إلى حوالي 2 مليار متر مكعب.

وغرّد مدني على تويتر قائلًا: "إنّ تحدّي المياه في إيران خطير للغاية، لدرجة أن آثاره لن تزول دون تغييرات جوهرية في نموذج التنمية والاقتصاد. إن التغيير يتطلّب الإرادة السياسية والموارد الاقتصادية".

سوء الإدارة والفساد

ويتّهم مدني المحللين الغربين بأنهم أغفلوا حقيقة أن نقص المياه يمكن أن يُساهم في الصراعات في الشرق الأوسط، وأن الجفاف قد يؤدي لعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

ويُعتبر الجفاف أمرًا ثابتًا في تاريخ الشرق الأوسط، لكن نقص المياه أصبح أكثر حدة، ولفترات زمنية أطول بسبب مواسم الجفاف الأطول، ودرجات الحرارة المرتفعة، وانخفاض مستويات هطول الأمطار.

ويعزو علماء السياسة وعلماء الهيدرولوجي أسباب الجفاف في إيران إلى سوء الإدارة السياسية والفساد الحكومي. وانتقد نيك كوثر، الجيولوجي الإيراني الكندي ومحلل المياه، بشدة بعض وسائل الإعلام الغربية لتركيزها فقط على تغيّر المناخ باعتباره سببًا في ندرة المياه والجفاف.

وغرّد على تويتر قائلًا: "التقليل من أهمية دور الحكومة في تدمير موارد المياه والتركيز على الجفاف وتغير المناخ أولًا هو أمر سخيف. هذا النظام أوجد هذا الجفاف الذي هو من صنع الإنسان".

وانتقد كوثر إدارة المياه في إيران منذ التسعينيات، خاصّة من حيث إيلاء أهمية لبناء السدود، "وهو حلّ قصير الأمد لمشكلة طويلة الأمد"، مضيفًا أن السدود الكبيرة في بلد حار وجاف هي "مضيعة للوقت" حيث يتبخّر الكثير من المياه من الخزانات.

العراق.. فشل سياسة السدود

بدوره، يُعاني العراق المجاور من نقص "حاد ومزمن" في المياه، كما أدى بناء السدود إلى نتائج عكسية. وفي دراسة نُشرت خلال هذا العام، قدّرت دراسة لمعهد "تشاتام هاوس" البريطاني أن "يؤدي تبخّر المياه من السدود والخزانات إلى خسارة حوالي 8 مليارات متر مكعب من المياه كل عام".

تاريخيًا، يتمتّع العراق بأحد أكثر إمدادات المياه وفرة في الشرق الأوسط، لكن تدفّق نهري دجلة والفرات قد انخفض بنسبة تصل إلى 40% منذ السبعينيات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تصرّفات الدول المجاورة، حسب دراسة "تشاتام هاوس".

وقال فريق الباحثين في الدراسة: إن ارتفاع درجات الحرارة وتراجع نسب هطول الأمطار بسبب تغير المناخ، يؤثران سلبًا أيضًا على احتياطيات المياه في العراق.

وأشاروا إلى أنّ "النقص أدى أيضًا إلى تأجيج الصراعات؛ وأثبتت المجتمعات التي واجهت موجات جفاف متتالية، والجمود الحكومي أنها أهداف سهلة لمجنّدي تنظيم "الدولة"، الذين أغروا المزارعين للانضمام إليهم من خلال تقديم المال والطعام لأسرهم".

وأوضحوا أن الصعوبات الاقتصادية دفعت أولئك الذين تعتمد سبل عيشهم على مياه النهر، إلى النزوح من الريف إلى المدن، ما أدى إلى ضغوط كبيرة على البلدات والمدن المكتظّة بالفعل، وإلى تفاقم النقص في مجال الإسكان والوظائف والكهرباء، واتساع الفجوة الاجتماعية.

المياه الجوفية غير مستدامة

ولتعويض النقص، يضخّ المزارعون والحكومات في جميع أنحاء المنطقة كميات هائلة من المياه الجوفية، والتي تُعتبر غير مستدامة على المدى الطويل، وتُهدّد بتحويل الأراضي الخصبة إلى صحارى.

ففي عام 2015، حدّدت الأقمار الصناعية التابعة لوكالة "ناسا" الخسائر التراكمية في المياه العذبة في المنطقة منذ عام 2002، ووجدت أن أجزاء من إيران والعراق شهدت استنزافًا للمياه الجوفية من 6 بوصات إلى 10 بوصات بفضل النشاط البشري إلى حد كبير.

وأفادت بعثة "استعادة الجاذبية وتجربة المناخ" التابعة لـ "ناسا"، بأن "نضوب المياه الجوفية في تركيا وسوريا والعراق وإيران، وعلى طول شبه الجزيرة العربية، يؤدي إلى تغييرات كبيرة في إجمالي تخزين المياه في المنطقة".

وبالمثل، يُساهم الجفاف وضخّ المياه الجوفية في جفاف منطقة بحر قزوين. كما يعاني نظام المياه الجوفية شمال غرب الصحراء، بين تونس وليبيا، من نقص مائي متزايد.

ومع تطوّر الأزمة، هناك أيضًا أخطار نشوب صراع بين الدول المجاورة المتنافسة على موارد المياه الشحيحة. ففي أبريل/ نيسان الماضي، حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من خطر نشوب صراع حول سدّ النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا.

تابع القراءة
المصادر:
العربي، صحافة أجنبية
تغطية خاصة
Close