Skip to main content

إحالة ملفات عشرات القضاة في تونس إلى التحقيق.. ما مدى قانونية الإجراء؟

الإثنين 22 أغسطس 2022

بعد أيام من قرار المحكمة الإدارية في تونس وقف تنفيذ قرار عزل عدد من القضاة، أعلنت وزارة العدل أن القضاة المشمولين بقرار الإعفاء ما زالوا محل متابعة جزائية، وذلك في تقاطع بين سلطة تنفيذية وأخرى قضائية في البلاد بعد تفعيل الدستور الجديد.

وأحالت النيابة العامة التونسية ملفات 109 قضاة إلى الجهات القضائية المختصة بالجرائم الإرهابية والفساد المالي، ومنهم قضاة عزلوا في يونيو/ حزيران الماضي، وفق بيان وزارة العدل.

وفي يونيو، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد أمرًا رئاسيًا بإعفاء 57 قاضيًا من مهامهم، بتهم منها تغيير مسار قضايا.

إلى ذلك، أعربت تنسيقية الهياكل القضائية عن استنكارها توجه وزارة العدل نحو ما سمته "افتعال ملفات جزائية" تستهدف مباشرة القضاة المعزولين.

إزاء ذلك، تُطرَح علامات استفهام حول قانونية قرار النيابة التونسية بعد صدور قرار العفو من المحكمة الإدارية، وأي صلاحية لهذه المحكمة بعد دخول الدستور الجديد ذي الصلاحيات الواسعة للرئيس حيّز التنفيذ.

"مجرد افتعال لقضايا"

وفي هذا الإطار، ينفي القاضي في محكمة التعقيب محمد العفيف جعيدي، أن يكون للأمر علاقة مباشرة بالدستور الجديد.

ويشير في حديثه إلى "العربي" من تونس، إلى ما قيل عند إعلان الإعفاءات مطلع يونيو، من حيث وجود ملفات جزائية جاهزة اتُخذت القرارات في ضوئها.

ويضيف: "اليوم، بعد شهرين من ذاك الحدث، لم تتمكن خلالهما وزارة العدل من تقديم الملفات المدعاة، كذلك عجزت عن إثبات الخطأ في حق 49 قاضيًا".

ويردف: "هؤلاء لما مثلوا أمام المحكمة الإدارية فنظرت في شرعية قرارات الإعفاء في إطار إيقاف التنفيذ، أصدرت قرارات نصت صراحة على أنها طلبت من وزارة العدل تقديم ما يؤيد ويقيم الدليل والحجة على كون الإعفاءات مبررة قانونًا، لكن الوزارة لم تفعل ذلك".

وفيما يوضح أن المحكمة الإدارية انتهت بنتيجة ذلك إلى القضاء بإيقاف تنفيذ قرارات الإعفاء، يلفت إلى أن وزارة العدل تولت بعد ذلك تكوين ملفات تستند بغالبيتها إلى بطاقات أمنية، أي مذكرة تصدر عن جهة أمنية تحتوي على انطباعات وآراء أمنيين حول قضاة معينين، وتُعتمد في طلب فتح تحقيق.

ويقول: "أظن أنه كما ورد في بيان تنسيقية القضاة، هذا ليس سوى مجرد افتعال لقضايا"، طالبًا من وزارة العدل تفصيل هذه القضايا وذكر الوقائع.

ويشير إلى أنه من السهل القول: إنهم قضاة متورطون في الإرهاب والتستر على قضايا إرهابية، "لكن مثل هذه التهم الخطيرة تجيز للرأي العام الاطلاع على تفاصيل بشأن ما يُنسب إلى هؤلاء القضاة تحديدًا".

لكن جعيدي يؤكد أنه لا ينسب لهم شيء حقيقي، إلا مجرد بطاقات أمنية لا تؤسس لأي اتهام، مشددًا على أن هذه التهم وُجهت لغاية وحيدة هي التملص من تنفيذ أحكام مبرمة صادرة عن المحكمة الإدارية، تُعتبر ملزمة للسلطة السياسية في دولة القانون.

"تدخل جراحي كبير"

بدوره، يشير عضو المكتب السياسي لحركة الشعب محمد مسيليني، إلى أن فرصًا عديدة أُعطيت للقضاء حتى يصلح نفسه بنفسه ويتخلص من الأجسام المريضة، لافتًا إلى أن هذا الأمر يعرفه الجميع في تونس، بمن فيهم القضاة الذين تحدثوا في الإعلام عن وجود ملفات فساد وتستر على الإرهاب وولاء لأطراف سياسية في القضاء.

ويرى في حديثه إلى "العربي" من تونس، أن "الفرصة أعطيت للقضاء من خلال هياكله كي يتخلص من هذه الأجسام المريضة"، مردفًا بالقول: "للأسف يبدو أن القضاء مريض إلى درجة لا بد معها من تدخل جراحي كبير من خارج القضاء".

ويشدد على أن القضاء في تونس لا يزال سلطة، والدليل على ذلك أن المحكمة الإدارية لم تكن مجرد وظيفة بل حكمت عكس ما ذهبت إليه السلطة التنفيذية، لذلك فهي مستقلة.

وينفي اعتقاده بأن تكون السلطة التنفيذية قد تدخلت في فرض حكم على المحكمة الإدارية.

ويرى أن الموضوع تجاوز الآن الـ57 قاضيًا، الذين عزلوا بقرار رئيس الجمهورية، بل هناك 109 ملفات بحسب بلاغ وزارة الداخلية، لافتًا إلى أن القضاة هم أول من يُفترض أنهم يحترمون القضاء.

ويشرح أن "الموضوع الآن عند القضاء وننتظر أن يبت فيه؛ حتى يثبت إن كانت الملفات مجرد تقارير أمنية للمغالطة، أم هي فعلًا حيثيات ومعطيات دقيقة متعلقة بالتستر على الإرهاب والفساد بأشكاله كافة".

ويذكر بأن "القضاء مهنة تفرض حدودًا وأخلاقيات وسلوكًا، ومن لا يستطيع الالتزام بها عليه ألا يكون في القضاء".

"المعركة القضائية هي الأهم"

من جانبه، يلفت القيادي في "حركة مواطنون ضد الانقلاب" غسان المرزوقي، إلى وجوب إعادة المعركة إلى الملعب السياسي.

ويؤكد في حديثه إلى "العربي" من تونس، أن المعركة القضائية هي أهم معركة في مواجهة الانقلاب، وفي مواجهة التفرد بالسلطة من طرف رئيس سلطة الانقلاب.

ويشير إلى "استعمال لأجهزة الدولة لتصفية الحسابات، كما جاء في شهادات الكثير من القضاة، الذي شملهم العزل".

ويعتبر أن حكم المحكمة الإدارية يثبت أن لا شرعية لهذا القرار؛ من حيث أنه لا يحق للرئيس أن يتدخل في القضاء، وهو أمر واضح ومعروف للجميع، ومن حيث أن العملية كانت خاطئة شكليًا.

ويوضح أن هذا الأمر ذهب إليه قرار المحكمة الإدارية، فكان إيقاف الإجراء هو الحكم الذي لم يكن للمحكمة الإدارية بد منه، ووضَع سلطة الانقلاب في مأزق.

ويذكر أن المحكمة الإدارية راسلت وزارة العدل 3 مرات للحصول على الملفات، التي تتعلق بهؤلاء القضاة، الذين لم يشملهم أي إجراء قضائي، وعجزت الوزارة عن تقديم ما يمكن أن يدعم قرار العزل القضائي.

ويردف: "اليوم ندخل في عبثية أخرى من عبثيات هذا النظام المستبد، وهو رفض قرار المحكمة الإدارية"، موضحًا أن هذا الأمر يفتح الباب أمام كوارث أخرى، أي أن القضاء في تونس أصبح لا وزن له ولا قيمة، والرئيس هو الذي يحكم ويقرر من هو مذنب ومن هو بريء.

المصادر:
العربي
شارك القصة