توافد عدد متزايد من عمال المناجم إلى قرية بانت في ولاية نهر النيل شمالي الخرطوم، خلال السنوات الأخيرة، بحثًا عن الذهب، ما جعل القرية موقعًا يتخلّصون فيه من نفاياتهم المحملة بمواد كيميائية سامة مثل مادة الزئبق التي تستخدم في استخراج الذهب.
وينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان، ويعمل فيه أكثر من مليوني شخص ينتجون حوالي 80% من كمية الذهب الإجمالية المستخرجة في البلاد.
ويعد التعرض للزئبق قاتلًا، ويشكل خطرًا على الأجهزة العصبية والمناعية والهضمية لدى الإنسان، رغم أن للتعدين ربحًا مغريًا لمن يعانون ظروفًا معيشية صعبة في بلد يعد أحد أفقر بلدان العالم.
وعقب انتشار التعدين بحثًا عن الذهب، ويرجع سكان حدوث تشوهات في المواليد الجديد وازدياد حالات إجهاض النساء، جراء بقايا مخلفات التعدين.
وأوضح أستاذ كلية البترول والمعادن بجامعة النيلين، صالح علي، أن هناك دمار فيزيائي للأرض، وأصبحت هناك حفر عميقة وكميات من مخلفات التعدين، وبالتالي ستكون هناك صعوبة في معالجة كل الحفر من ناحية بيئة.
"السلسلة الخبيثة"
وفي هذا الإطار، قال الدكتور خالد الحسن، أستاذ كلية العلوم البيئة بجامعة أمدرمان، إن هناك ضوابط في عمليات التعدين لكن لا تطبق مع وجود مليون معدن ونحو 5 ملايين يعملون في خدمتهم.
وأضاف في حديث لـ "العربي" من الخرطوم، إن السودان موقع على اتفاقية إيقاف استخدام الزئبق بالتعدين، لكن كل ذلك غير قابل للتطبيق؛ بسبب الوضع الاقتصادي.
ووصف الحسن، "سلسلة إنتاج الذهب في السودان بالسلسلة الخبيثة؛ لأن هناك الإنتاج العشوائي للذهب، وكذلك هناك شركات رمادية لا ولاية لوزارة المالية عليها، لكون لها صلات داخل أجهزة الأمن والجيش، ولا أحد يعرف كمية الذهب الذي يصدر للخارج".
واستدرك قائلًا: "إن الشركات المذكورة لا يمكن ملاحقتها، إذا لم تتغير المنظومة نفسها، وسط وجود مافية لتهريب الذهب والذي يقدر بـ 3 مليارات دولار".
وذهب الحسن للقول: "إنه لا يمكن تطبيق سياسات الرقابة وسط قصور في قضاء البيئة، وفي ظل غياب جسم للرصد وتقديم المتورطين للمحاسبة"، وأردف قائلًا: "لكن إذا كانت هناك إرادة سياسية، فإنه يمكن فرض القانون وإيقاف نشاط تلك الشركات".