الأحد 5 مايو / مايو 2024

الكوليرا في لبنان.. الفقراء لا يجدون سوى المياه الملوثة للشرب

الكوليرا في لبنان.. الفقراء لا يجدون سوى المياه الملوثة للشرب

Changed

حلقة سابقة من برنامج "للخبر بقية" تناقش تداعيات انتشار الكوليرا في لبنان وإعلان وزير الصحة الانتشار السريع للوباء وارتفاع عدد المصابين (الصورة: غيتي)
ظهرت في بلدة ببنين التي تضم عائلاتها عددًا كبيرًا من الأفراد وتعيش في حال فقر أكثر من ربع إجمالي حالات الكوليرا في لبنان.

مع انعدام توفر المياه النظيفة في مناطق لبنانية كثيرة، تعرف مروى خالد بشكل جيد أن المياه الملوثة كانت وراء إصابة ابنها بالكوليرا وإدخاله المستشفى. لكنها، مع ذلك، تستمر في استخدامها لأن مياه الشرب غير متوافرة لدى معظم سكان بلدتها الغارقة في الفقر في شمال لبنان والتي تحوّلت إلى بؤرة لتفشي الوباء.

والحال هذه، تتوقع مروى خالد أن "يصاب الجميع بالكوليرا" في البلدة، على غرار ابنها البالغ 16 عامًا الذي لا يزال يخضع للعلاج في مستشفى ميداني أقيم في بلدة ببنين في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول.

وتشرب مروى (35 عامًا) وأولادها الستة، مثل كثيرين من سكان البلدة المزدحمة، من المياه غير النظيفة، نظرًا إلى أن إمكاناتهم لا تتيح لهم شراء المياه المعدنية. وتقول وهي تقف قرب سرير ابنها في المستشفى: "الناس يدركون ذلك ولكن ما في اليد حيلة، فلا خيار آخر لدينا".

وبدأت حالات الكوليرا بالظهور في لبنان في مطلع أكتوبر للمرة الأولى منذ عقود في ظل انهيار اقتصادي انعكس سلبًا على قدرة المرافق العامة على توفير الخدمات الرئيسية من مياه وكهرباء واستشفاء، مع تداعي البنى التحتية.

انتشار سريع للوباء

وحذرت منظمة الصحة العالمية، الإثنين، من انتشار سريع لوباء الكوليرا الفتاك في لبنان مع بلوغ الإصابات المؤكدة نحو 400 وارتفاع الوفيات الناتجة عنها إلى 18.

وتقول رنا عجاج وهي تهتم بابنتيها في المستشفى الميداني إنها أصيبت مع أربعة آخرين من أفراد أسرتها الثمانية بالكوليرا. وتضيف وهي تهتم بابنتها الكبرى البالغة 17 عامًا والصغرى البالغة تسعة أعوام التي أصيبت للمرة الثانية "حتى بعد أن يُشفى المصابون منا، سنشرب مجددًا من المياه نفسها، وسيتكرر ما حصل، ونمرض مرة أخرى".

وفي الجانب الآخر خلف ستارة فاصلة، يقبع ابن العاشرة مالك حمد الذي فقد 15 كيلوغرامًا منذ إصابته بالمرض قبل أسبوعين، ويجد صعوبة في شرب محلول معالجة التجفاف، فيما تخشى والدته أن يصاب أبناؤها العشرة الآخرون أيضًا.

وشهدت ببنين التي تضم عائلاتها عددًا كبيرًا من الأفراد وتعيش في حال فقر، أكثر من ربع إجمالي حالات الكوليرا في لبنان.

ويحضر يوميًا نحو 450 شخصاً للمراجعة إلى المستشفى الميداني في ببنين الواقعة على بعد نحو 20 كيلومترًا من الحدود مع سوريا، على ما تفيد مديرته ناهد سعد الدين. 

تأثير انقطاع التيار الكهربائي

ويبلغ عدد سكان ببنين نحو 80 ألفًا، ربعهم من اللاجئين السوريين، وفي مخيم الريحانية المخصص لهم قرب البلدة، سجلت الإصابة الأولى بعد ظهور حالات في سوريا. وعدد منازل ببنين المتصلة بشبكة مياه الشرب المتداعية قليل إضافة لعدم انتظام أصلًا في تغذيتها بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي.

ويشير المهندس في مؤسسة مياه لبنان الشمالي طارق حمود إلى أن عدد المنازل المشتركة في الشبكة لا يتجاوز 500. ويضطر معظم السكان تاليًا إلى شراء المياه التي تنقلها صهاريج من آبار تكون أحيانًا ملوثة.

ويمر بالبلدة أحد روافد نهر البارد الملوث بالكوليرا، بحسب مديرة المستشفى الميداني، مما أدى إلى تلويث الآبار وعيون الماء التي درج السكان على الشرب منها. وتشرح سعد الدين أن "هذه المياه تروي كل الأراضي الزراعية وتلوث كل الآبار وعيون المياه في ببنين".

ويكشف جمال السبسبي وهو يشير إلى المياه التي يميل لونها إلى الأسود وتروي "المزارع والأراضي الزراعية"، أن مياه الصرف الصحي تصب في النهر، وتنتشر فيه حفاضات الأطفال والنفايات "وكل الأشياء المقرفة". ويسأل مستنكرًا "ماذا تفعل البلدية حيال ذلك؟ إنها نائمة".

ويضيف: "لا غرابة في انتشار الأمراض، فهي حتمًا ستتفشى في ظل واقع كهذا!".

ويظهر الكوليرا عادة في مناطق سكنية تعاني شحًا في مياه الشرب أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي. وغالبًا ما يكون سببه تناول أطعمة أو مياه ملوثة، ويؤدي إلى الإصابة بإسهال وتقيؤ. ويمكن علاجه بسهولة، لكنه قد يفتك بالمريض خلال ساعات في غياب الرعاية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

وسعيًا إلى مكافحة انتشار الوباء، بادر كل من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) والصليب الأحمر اللبناني إلى توزيع مادة الكلور القابلة للذوبان على  السكان بغية تعقيم المياه.

وتقول صابرة علي (44 عامًا)، وهي ناظرة مدرسة توفي اثنان من أفراد عائلتها جراء الكوليرا في أكتوبر الفائت: "لم أخَف من فيروس كورونا بقدر ما أخاف اليوم من الكوليرا".

وترى مديرة المستشفى الميداني ناهد سعد الدين أن "البنى التحتية تحتاج إلى تغيير، والابار والعيون تحتاج إلى معالجة". وتضيف: "نطالب بخطة على المدى الطويل لمعالجة الوضع، وإلا سنرى كوارث أكثر بكثير".

المصادر:
العربي - أ ف ب

شارك القصة

تابع القراءة
Close