Skip to main content

انشقاقات الأوليغارش الروس.. خبايا اجتماع بوتين للإعلان عن حربه على أوكرانيا

السبت 30 أبريل 2022

بعد أكثر من شهرين على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، بدأ الأوليغارشيون الروس يشعرون بالقلق حيال الخسائر الاقتصادية التي تكّبدوها جراء العقوبات الغربية على موسكو.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن صمت النخبة الروسية بدأ يتلاشى، حتى في الوقت الذي تشير فيه استطلاعات رأي إلى وجود دعم شعبي ساحق للهجوم الروسي على أوكرانيا.

وأوضحت أن الخطوط الفاصلة بين فصائل النخبة الاقتصادية الروسية أصبحت أكثر وضوحًا، وبدأ بعض أباطرة المال، وخاصة أولئك الذين حقّقوا ثرواتهم قبل وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة، بالتحدث علانية عن مخاوفهم.

وبالنسبة للكثير منهم، كان التركيز الفوري على مشاكلهم الخاصة، بعد أن أسفرت العقوبات الشاملة التي فرضها الغرب عن تجميد عشرات المليارات من الدولارات التي يمتلكها هؤلاء.

وقال أحد رجال الأعمال الذين تمّ استدعاؤهم لمقابلة بوتين يوم الهجوم: "إنها كارثة.. في يوم واحد دمّروا ما تمّ بناؤه على مدى سنوات عديدة".

وكشف العديد من المليارديرات الروس، وكبار المصرفيين، ومسؤول كبير ومسؤولون سابقون في حديث للصحيفة الأميركية، شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفًا من الانتقام، أن الرئيس كان منعزلًا عنهم، وأنهم عاجزون عن التأثير عليه لأن الدائرة المقربة منه يهيمن عليها حفنة من مسؤولي الأمن المتشددين.

كما لم ينتقد أحد منهم بوتين بشكل مباشر، إذ تركز الشكاوى على الاستجابة الاقتصادية الحكومية المقترحة للتعامل مع العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا.

"خسرنا كل شيء"

وذكرت مصادر للصحيفة أنه عندما تم استدعاء 37 شخصًا من أثرياء روسيا إلى الكرملين للاجتماع ببوتين في 24 فبراير/ شباط الماضي، شعر كثير منهم بالصدمة والاكتئاب.

وقال أحد المشاركين في الاجتماع للصحيفة: "كان مزاج الجميع سيئًا. كان الجميع جالسين هناك محطمين. بعضهم لم يتمكن حتى من الكلام".

انتظر هؤلاء لأكثر من ساعتين قبل ظهور الرئيس فلاديمير بوتين في قاعة إيكاترينسكي المزخرفة في الكرملين، وهو وقت كافٍ للنظر في مصيرهم.

بالنسبة لبعض المديرين التنفيذيين، عندما ناقشوا بهدوء عواقب حرب بوتين، كانت تلك هي اللحظة التي أدركوا فيها أن الأمر قد انتهى بالنسبة للإمبراطوريات التجارية التي كانوا يبنونها منذ أن بدأ تحول السوق في روسيا منذ أكثر من 30 عامًا.

وقال أحد المشاركين في الاجتماع: "بعض المشاركين قالوا: لقد خسرنا كل شيء".

عندما وصل بوتين، لم يجرؤ أحد على الاحتجاج. بوجه متجهّم، استمعوا إلى رئيسهم بينما أكد لهم أن روسيا ستظل جزءًا من الأسواق العالمية -وهو الوعد الذي سرعان ما أصبح فارغًا بسبب سلسلة العقوبات الغربية- وأخبرهم أنه لن يكون أمامه خيار آخر سوى شنّ "عمليته العسكرية الخاصة".

ومنذ ذلك الحين، صعّد بوتين التهديدات ضد أي شخص ينتقد الحرب، وأصدر على عجل قوانين جديدة تتضمن حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا على المنتقدين للحرب. كما اقترحت إدارته إنشاء نظام جديد للنواب في الوزارات الروسية لإبلاغ الكرملين عن "المناخ والمزاج الشعبي".

وقال أحد رجال الأعمال إنه يتوقع أن تكون الحملة المقبلة "وحشية" مقارنة بالسنوات الماضية.

"لم نكن مستعدين للحرب"

وذكر اثنان من المليارديرات الروس ومسؤول حكومي سابق رفيع المستوى، ومقيم في موسكو، للصحيفة أن قرار بوتين بالحرب لم يذهل المليارديرات فقط، بل أيضًا كبار المسؤولين التكنوقراط وبعض أعضاء الأجهزة الأمنية.

وقال المسؤول الحكومي إن المسؤولين الاقتصاديين والماليين "اعتقدوا أن الأمر سيقتصر على العمل في دونيتسك ولوغانسك وأنهم استعدوا للعقوبات الغربية، بما في ذلك تعليق نظام "سويفت" للمدفوعات العالمية بين البنوك. لكنهم لم يكونوا مستعدين لما حصل فعلًا".

وأضافت شخصيات على دراية بالوضع الحالي أنه "مع تزايد الخسائر وإجبار القوات الروسية على العودة من كييف، يُنظر بعض أعضاء المؤسسة الأمنية إضافة إلى المليارديرات الذين فُرضت عليهم العقوبات الغربية". وأشار أحدهم إلى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على وجه التحديد، مضيفًا: "كلهم يريدون أن يعيشوا حياة طبيعية. لديهم منازل وأولاد وأحفاد".

وقال إنهم "لا يحتاجون إلى حرب. كلهم ليسوا انتحاريين. كلهم يريدون أن يتمتعوا بحياة جيدة. يريدون أن يحصل أطفالهم على كل شيء، وأن يكونوا قادرين على السفر إلى أجمل الأماكن".

ويشكّل الضغط المتزايد على حساباتهم المصرفية الأجنبية مصدر استياء خاص للنخبة. وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في موسكو إنه "حتى المسؤولين الذين حاولوا حماية أنفسهم من خلال تحويل أموالهم إلى حسابات تابعة لشركاء تجاريين، وجدوا الآن أن هذه الحسابات محظورة".

"إنها مثل المافيا"

وقال خمسة أشخاص مطلعين على الوضع إن العقوبات الغربية لتجميد 300 مليار دولار، أو ما يقرب من نصف احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة لروسيا جعلت موسكو تترنح، بما في ذلك رئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا التي رفض بوتين استقالتها".

وقال أحد المصادر: "نابيولينا تدرك جيدًا أنها لا تستطيع المغادرة، وإلا سينتهي الأمر بشكل سيء للغاية بالنسبة لها".

وقال فاديم بيلييف، المالك الرئيسي السابق المنفي لمصرف "اوتكريتي" (Otkritie)، أكبر بنك خاص في روسيا حتى استحواذ الدولة عليه عام 2017: "لا يمكن لأحد أن يقول: هذا كل شيء، ثم يغادر".

وأضاف: "سيستمر الجميع في العمل حتى موعد محكمة لاهاي المقبلة"، في إشارة إلى محاكمة روسيا على ارتكابها جرائم حرب محتملة.

بدوره، قال مكسيم ميرونوف، الأستاذ المساعد في جامعة آي إي في إسبانيا: "لا يُسمح لأي وزير بالتنحي. إنها مثل المافيا".

ويعتبر أليكسي كودرين، العضو السابق في الدائرة المقربة من بوتين من سانت بطرسبرغ والذي شغل منصب وزير المالية في أول فترتين من رئاسته من بين أولئك الذين لم يتمكنوا من التنحي.

وقال شخص مقرب من كودرين إن "كودرين التقى ببوتين قبل شهر من الحرب. وعلى الرغم من أنه كان من الواضح أن الاستعدادات للحرب جارية، إلا أن كودرين كان يعتقد أن الخطط لن يتم تنفيذها".

وكودرين، الذي يرأس الآن غرفة التدقيق وهي الجهة الرقابية المالية في روسيا، أخبر أصدقاءه أن مغادرته موسكو ستكون "خيانة". وظهر في تل أبيب في 9 أبريل/ نيسان، وألقى خطابه الذي كان مقررًا أمام الغرفة العليا في روسيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، محذرًا من أن العقوبات الغربية تهدد موسكو بأسوأ انكماش اقتصادي منذ 30 عامًا.

وأوضح مسؤول حكومي رفيع المستوى سابق أيضًا، أنه شعر بمسؤولية البقاء في موسكو، على الرغم من دهشته ورعبه من الحرب. وقال: "إذا غادر الجميع، فمن سيكون هنا للملمة الأمور. إنه مثل العمل في محطة طاقة نووية. إذا غادرت، هناك احتمال أن تنفجر".

"لا أحد سعيد بما حدث"

من بين المليارديرات الذين غادروا روسيا في أعقاب الحرب مباشرة، ألكسندر ماموت وألكسندر نيسيس، اللذين يمتلكان شركة الذهب الروسية "بوليميتال"، وميخائيل فريدمان وبيتر أفين من مجموعة "ألفا".

لكن العديد من كبار رجال الأعمال الآخرين نقلو أعمالهم إلى موسكو بمجرد تعرضهم للعقوبات التي منعتهم من السفر في الغرب. وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في قطاع الأعمال في موسكو إن مديري شركات آخرين يخشون أنه "إذا غادروا روسيا، ستسيطر الحكومة على شركاتهم".

ويسعى بعض المليارديرات العالقين الآن في موسكو للخروج سالمين. وقال شخص مقرب من أحد المليارديرات الحاضرين في اجتماع الكرملين للصحيفة الأميركية: "قد لا تدعم الحرب، ولكن عليك أن تلتزم الصمت وأن تكون مع مواطنيك لأن بعض جنودك يموتون"، مضيفًا أن "لا أحد سعيد بما يحدث، لكن لا تعبر عن رأيك".

أما المليارديرات الذين كانوا على استعداد للتحدث علنًا، هم أولئك الذين حققوا ثرواتهم الأولى في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين.

وأشار سيرغي بوغاتشيف، أحد المطلعين في الكرملين حتى مغادرته روسيا عام 2011، إلى أن هؤلاء الأباطرة كانوا لا يزالون حريصين في تعليقاتهم العامة على عدم انتقاد بوتين بشكل مباشر لخوضه الحرب، "ما يقولونه دقيق: الغرب وحلف شمال الأطلسي هم المسؤولون. إنهم يتحدثون عن الأمر، وكأنه مؤامرة على روسيا".

على النقيض من ذلك، يصمت أولئك المقربين من بوتين -الذين أصبحوا أثرياء بعد صعود بوتين إلى الرئاسة- مثل غينادي تيمشينكو ويوري كوفالتشوك وأركادي روتنبورغ.

وقال مصرفي غربي سابق رفيع المستوى كان يعمل مع الأوليغارشيون الروس، إنهم "لن يقفوا ضد بوتين أبدًا. لقد بدأوا مع بوتين، وجعلهم من أصحاب الملايين. لماذا تعض اليد التي تطعمك؟".

وقال بوغاتشيف: "هناك جيش من المسؤولين ورجال الأعمال في موسكو غير منزعجين من العزلة الاقتصادية المتزايدة لروسيا نتيجة الحرب. ولم يلم هؤلاء بوتين على دخوله الحرب. لقد اشتكوا بدلًا من ذلك من أن الجيش كان يجب أن يكون أفضل استعدادًا".

وأضاف أن العديد من أعضاء النخبة الحالية، وهم وزراء حكوميون متوسطو المستوى، خبأوا ملايين الدولارات في حسابات خاصة ولديهم منازل في أماكن أخرى في أوروبا. وإذا منعتهم العقوبات من السفر إلى هذه البلدان، فسيظلون بخير.

وأضاف بوغاشيف: "لا يزالون وزراء في روسيا، وبدلًا من الذهاب إلى النمسا، سيذهبون إلى منتجع سوتشي الروسي سوتشي. إنهم لا يعانون كثيرًا".

ومنذ موجة العقوبات الأولية، بدا الاقتصاد الروسي مستقرًا. لكن نابيولينا حذرت من أن تأثير العقوبات لم يتم الشعور به بالكامل بعد، مشيرة إلى أن الأسوأ لم يأت بعد.

وبالفعل، بدأت المواد المستوردة للمصانع بالنفاذ، وكذلك احتياطيات السلع الاستهلاكية المستوردة.

وقال بوغاتشيف إنه في ظل هذه الظروف، "يكون موقف بوتين محفوفًا بالمخاطر. حتى الآن هدأت آلة الدعاية الحكومية السكان، بعد أن أخفت الخسائر البشرية للقوات الروسية، وبسبب عدم وجود تأثير فوري للعقوبات".

وأضاف: "لكن في غضون ثلاثة أشهر، ستنفد المخزونات في المتاجر والمصانع، وسيتضح حجم الوفيات في الجيش الروسي".

من جهته، قال أحد المديرين التنفيذيين: "إذا طالت الحرب، وبدأوا بالخسارة، فإن الفرص ستكون أكبر. ستكون هناك معركة جادة من أجل دونباس، وإذا لم تنجح، ستكون هناك معركة كبيرة داخل روسيا" بين النخب.

المصادر:
العربي - ترجمات
شارك القصة